ما سر التركيب الكيميائي الفريد للقشرة الأرضية؟

ما سر التركيب الكيميائي الفريد للقشرة الأرضية؟
صورة مجهرية من تجربة أجريت لدراسة القشرة القارية. تحتوي هذه الصورة على الزجاج (باللون البني) وأحجار العقيق الكبيرة (باللون الوردي) وبلورات معدنية صغيرة أخرى. يبلغ عرض مجال الرؤية 410 ميكرونات، أي بقطر بلورة السكر. جي ماكفيرسون وإليزابيث كوترل، مؤسسة سميثسونيان

تعدّ قارات كوكب الأرض من العوامل التي تجعله صالحاً بصورة فريدة لإيواء الحياة، إلى جانب المياه الوفيرة والغلاف الجوي الغني بالأوكسجين، لكن العلماء لا يعرفون الكثير عن نشأة هذه القطع الهائلة الحجم من القشرة الأرضية والخصائص التي تميّزها. تنص إحدى الفرضيات السائدة على أن فقر القشرة القارية بالحديد مقارنة بالقشرة المحيطية هو أحد أسباب ارتفاع أجزاء كبيرة من سطح الأرض فوق سطح البحر وتشكّل الأراضي الجافة التي يمكن أن تحتضن أشكال الحياة.

تأكسد القشرة القارية

مع ذلك، وجد العلماء أن التركيبة الكيميائية الفقيرة بالحديد والمؤكسدة للقشرة القارية لم تنتج على الأرجح عن تبلور أحجار العقيق المعدنية كما اقترح الباحثون في عام 2018، وإنما نتجت عن الكبريت المؤكسد. نشر هؤلاء العلماء نتائجهم بتاريخ 4 مايو/ أيار في مجلة ساينس (Science).

تتشكّل الأجزاء الجديدة من القشرة القارية بسبب ما يدعى ببراكين القوس القارية التي توجد في مناطق تحمل اسم مناطق الاندساس، مثل منطقة الاندساس كاسكاديا (Cascadia subduction zone) قبالة شاطئ شمال غرب المحيط الهادئ؛ هذه المناطق هي التي تندس فيها الصفائح المحيطية تحت الصفائح القارية.

فسّر العلماء في عام 2018 تأكسد القشرة القارية ونقص الحديد فيها بظاهرة تبلور أحجار العقيق، وهي مجموعة من معادن السيليكات، وفقاً لهذه الفرضية تعمل أحجار العقيق التي توجد في الحمم تحت براكين القوس القارية على إزالة الحديد غير المؤكسَد من الصفائح القارية، وفي الوقت نفسه، تصبح الحمم المنصهرة فقيرة بالحديد ومؤكسَدة أكثر.

اقرأ أيضاً: 10 حقائق مدهشة عن القارة القطبية الجنوبية

لماذا كانت فرضية تبلور العقيق خاطئة؟

كان هذا التفسير المعتمد على العقيق لأكسدة حمم براكين القوس القارية وانخفاض نسبة الحديد فيها مثيراً للاهتمام بالنسبة لعالمة الجيولوجيا وأمينة الصخور في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة سميثسونيان (Smithsonian) والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، إليزابيث كوترل (Elizabeth Cottrell)، ولكنها لم تقتنع بأحد جوانب هذه الفرضية.

قالت كوترل في بيان صحفي: "تحتاج أحجار العقيق إلى ضغط عالٍ لتبقى مستقرة، وعثرنا على الحمم الفقيرة بالحديد في مناطق لا تتمتع بسماكة كافية ليكون ضغطها مرتفعاً للغاية".

بدأت كوترل والباحثة من جامعة كورنيل، ميغان هوليكروس (Megan Holycross)، إلى جانب باحثين آخرين في عام 2018 بالبحث عن طرق لاختبار ما إذا كان تبلور أحجار العقيق تحت براكين القوس القارية ضرورياً لتشكّل القشرة القارية، واستخدموا أجهزة ضغط ذات مكابس أسطوانية لتوليد درجات الضغط والحرارة الهائلة السائدة تحت براكين القوس القارية.

شكّل الفريق في 13 تجربة مختلفة عينات من أحجار العقيق باستخدام الصخور المنصهرة داخل المكابس الأسطوانية تحت درجات ضغط وحرارة مماثلة لتلك السائدة داخل حجرات الحمم العميقة في القشرة الأرضية، ووصلت درجات الضغط إلى نحو 8 آلاف ضعف الضغط في علب المشروبات الغازية. تراوحت درجات الحرارة في التجربة بين 950 و1,230 درجة مئوية، وهي درجات مرتفعة بما يكفي لتذويب الصخور.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر البراكين على سطح الأرض؟

استخدم الفريق بعد ذلك أحجار العقيق من مجموعة الصخور الوطنية التابعة لمؤسسة سميثسونيان ومجموعات أخرى من جميع أنحاء العالم تتمتع بتراكيز معروفة مسبقاً للحديد المؤكسد وغير المؤكسد، ونُقلت هذه المواد إلى منشأة أدفانسد فوتون سورس (Advanced Photon Source) في مختبر أرغون الوطني (Argonne National Laboratory) التابع لوزارة الطاقة الأميركية في ولاية إلينوي.

طبّق الفريق تقنية تحمل اسم مطيافية امتصاص الأشعة السينية باستخدام حزم من الأشعة السينية العالية الطاقة، ويمكن تطبيق هذه التقنية لاكتشاف بنية المواد وتركيبها بناءً على كيفية امتصاصها للأشعة السينية. نظر الفريق في تراكيز الحديد المؤكسد وغير المؤكسد لفحص درجات امتصاص الأشعة السينية التي حُددت بتطبيق هذه التقنية ومعايرتها ومقارنتها بالمواد المستخدمة في تجارب سابقة.

وجد الباحثون أن أحجار العقيق لم تستخلص كمية كافية من الحديد غير المؤكسد من عينات الصخور لتفسير درجة الأكسدة وانخفاض مستويات الحديد في الحمم التي تشكّل القشرة القارية للأرض.

قالت كوترل: "تجعل هذه النتائج نموذج بلورة أحجار العقيق تفسيراً مستبعداً للغاية لتأكسد حمم براكين القوس القارية وانخفاض نسبة الحديد فيها، والتفسير الأرجح هو أن الظروف في وشاح الأرض أسفل القشرة القارية هي التي تهيئ شروط الأكسدة".

اقرأ أيضاً: كيف يقوم العلماء بجمع الحمم البركانية من البراكين النشطة؟

دور الكبريت كعامل مؤكسد للحديد

تثير النتائج الجديدة المزيد من الأسئلة: على سبيل المثال، ما تأثير انخفاض نسب الحديد والأكسدة في القشرة؟ وما هو سبب هذه التغييرات في التركيب الكيميائي للقشرة؟

تنص الفرضية الرائدة على أن الكبريت المؤكسد يمكن أن يؤكسد الحديد، وهي تخضع للاختبار حالياً في مؤسسة سميثسونيان. تلقّت الدراسة الجديدة التمويل من مؤسسة سميثسونيان، على ضوء مبادرة آور يونيك بلانيت (كوكبنا الفريد) (Our Unique Planet)، والمؤسسة الوطنية للعلوم (National Science Foundation) ووزارة الطاقة الأميركية ومؤسسة لايدا هيل (Lyda Hill Foundation).

المحتوى محمي