قد تكون غرينلاند في طريقها لتصبح اسماً على مسمى (الأرض الخضراء)، وهذا ليس بالأمر الجيد.
وعلى مدى 18 مليون سنة تم تغطية مساحات شاسعة من أكبر جزيرة في العالم (باستثناء أوستراليا) بصفيحة جليدية، هي عبارة عن كتلة هائلة بعمق 2 كم وتغطي مساحة 1.7 مليون كم مربع. لكن ومنذ عام 1990 لاحظ العلماء أن الجليد -الذي يذوب عادة في الصيف ويتجمد في الأشهر الأكثر برودة- أصبح يذوب بسرعة أكبر وفي وقت مبكر أكثر من السنة. وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة "ساينس أدفانسيز" اكتشف الباحثون في جامعة بريستول مصدراً غير متوقع لهذا الذوبان، وهو أشعة الشمس.
هذا صحيح، فتأثير شمس الصيف على جرينلاند يتعدى مجرد كونها تضرب الجزيرة بأشعتها القوية. فالصفيحة الجليدية تفقد الكثير من كتلتها عندما تذوب، وكل تناقص في الغطاء السحابي بنسبة واحد في المائة قد يسبب ذوبان 27 جيجا طن (27 مليار طن) من الصفيحة الجليدية لجرينلاند (وهو ما يعادل المخزون السنوي المحلي الأميركي من الماء).
بدأ فريق الباحثين بالنظر إلى السماء من أجل فهم أفضل لسبب تسارع الذوبان. وقاموا بالجمع بين المشاهدات المأخوذة من الأقمار الصناعية الخاصة بالأرصاد الجوية مع نموذج مناخي معقد يستخدم عوامل مثل درجة الحرارة والرطوبة والجليد البحري لوصف التغيرات في الغطاء السحابي.
وأظهرت الأقمار الصناعية أن منطقة الغطاء السحابي الصيفي قد انخفضت بأكثر من 84 في المائة بين عامي 1982 و 2009. وتقدر هذه النماذج أن الغطاء السحابي قد انخفض باستمرار بنسبة واحد في المائة سنوياً منذ عام 1995. ويقول جي إل بامبر المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ في جامعة بريستول: "إن هذا ليس تكهناً، ولكنه أقرب إلى التوقعات التاريخية".
وبمعرفة أن الغطاء السحابي الصيفي يتناقص منذ عقود، قارن الباحثون هذه التغيرات بكمية الجليد الذائب. وكان هناك رابط بينهما، خاصة أنهم وجدوا أن الزيادة في الذوبان الصيفي على مدى العقدين الأخيرين كانت مترافقة مع زيادة في الأمواج القصيرة للإشعاع الشمسي الواصلة إلى الأرض كنتيجة لتناقص الغطاء السحابي. وتؤمن هذه الوفرة في الإشعاع الشمسي المزيد من الطاقة بحيث يمكن أن يذوب الجليد بسرعة أكبر.
وكان التفسير التقليدي لذوبان الجليد هو ارتفاع درجة الحرارة، فالعالم يزداد دفئاً. ورغم أن درجة الحرارة ما تزال تلعب دوراً مهماً في ذلك، فإنها -بحسب بامبر- ليست العامل الوحيد.
يقول بامبر: "هناك الكثير من الدراسات التي تظهر أن درجات الحرارة تزداد في القطب الشمالي، ويشير العلم إلى أنها هي العامل المسيطر في ذوبان الجليد. ولكننا اكتشفنا أن أشعة الشمس المتزايدة هي العامل المسيطر، حيث تسبب أشعة الشمس حوالي ثلثي الذوبان الكلي للجليد، بينما يسبب ارتفاع درجة الحرارة الثلث الآخر".
كما أراد الباحثون أن يعرفوا سبب تناقص الغطاء السحابي. وقد وجدوا أن تغيرات الطقس واسعة النطاق- خاصة الاضطراب الناتج عن تأرجح أنظمة الضغط العالية والمنخفضة- كانت مترافقة مع غطاء سحابي متناقص. وسوف تؤدي سيطرة أنظمة الضغط العالي هذه بدورها إلى ارتفاع كمية الإشعاع الشمسي الواصل إلى السطح الجليدي للجزيرة وبالتالي تسارع ذوبان الجليد.
يقول رالف بينارتز الأستاذ في جامعة فينديربيلت، والذي لم يكن مشاركاً في هذه الدراسة : "هذه نتيجة مثيرة للاهتمام. والشيء المهم من وجهة نظري هو أن تلك السُّحب لا تظهر ولا تتبدد من اللامكان، فهي جزء من تغيرات واسعة النطاق في دوران الغلاف الجوي (وهو الحركات الهوائية التي توزع الطاقة الحرارية على سطح الأرض).
ولكن ما الذي يعنيه هذا للمناطق الأخرى من العالم؟ حسنٌ، عندما يذوب الجليد، فإنه يذهب إلى مكان ما، فهو يعبر إلى المحيط. وتعتبر جرينلاند حالياً أكبر مصدر مفرد للمياه الإضافية للمحيط (فهي تساهم في 4000 جيجا طن من الجليد الذائب منذ عام 1995). وما زالت تملك الكثير من الجليد المتبقي، والذي يكفي لرفع مستوى سطح البحر أكثر من ستة أمتار.
يقول بامبر: "تملك حتى التغيرات الصغيرة في حجم الجليد في جرينلاند تأثيراً على مستوى سطح البحر".
ويعتقد بينارتز أن السؤال البحثي المهم الآن هو كيف ستتغير هذه الأنماط المناخية مع استمرار تغير المناخ. وتلاحظ الدراسة أن الأنماط المناخية المتغيرة مرتبطة بالاحترار العالمي، وإذا لم يتم اعتراض الاتجاهات الحالية، فسيستمر ذوبان الجليد ليرفع مستوى سطح البحر إلى درجات غير مسبوقة.
ويتساءل بينارتز: "هل سيضخم هذا الأمر من آثار الاحترار؟ هل سيتوقف عند درجة معينة، أم سيستمر حتى يصل إلى درجة تصبح فيها جرينلاند بلا غيوم؟" وبالاستناد إلى نتائج هذه الدراسة، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى ذوبان جزء كبير من السطح الجليدي.
ومن الصعب -وفقاً لبامبر- تحديد ما إذا كان بالإمكان تخفيف هذه التغيرات في الغطاء السحابي. وفي الوقت الحالي، دعونا نأمل أن تكون جرينلاند على موعد مع أيام أكثر غيوماً، حتى لا ينتهي الأمر بنا جميعاً تحت الماء.