تعدّ دبي واحدةً من أسرع المدن نمواً في العالم، ولكنها أيضاً من بين أكثرها جفافاً، إلا أن محطة "جبل علي" لتحلية المياه، وبفضل موقعها بين الخليج العربي والصحراء العربية، تمنح المدينة إمكانات كبيرة من الحيوية والانتعاش.
تجاوز النمو السكاني في دبي حجم إمداداتها من المياه الجوفية منذ فترة طويلة، فاليوم لا توفر هذه المياه سوى 0.5% من احتياجات المدينة. ولتأمين 99.5% من الطلب المتبقي على المياه، حيث يبلغ متوسط ذروة الاحتياج اليومي للمدينة 416 مليون غالون من المياه تقوم محطة جبل علي بسحب 2.8 مليار غالون من مياه الخليج العربي كل يوم لتحولها إلى مياه نقية للشرب. بداية تمر مياه البحر عبر أقفاص التصفية، التي تفصل المواد كبيرة الحجم كالقمامة والطحالب البحرية وأي كائنات أخرى تصل إلى هذه الأقفاص.
في منشأة التناضح العكسي، تَضغط مضخاتٌ آليةٌ المياهَ المالحة بقوة داخل أنابيب مليئة بأغشية تتخللها ثقوب ضيقة. والنتيجة: مياهٌ مالحةٌ عالية التركيز على أحد الجانبين، ومياه صالحة للشرب على الجانب الآخر. يُعرَف التناضح العكسي بكلفته المرتفعة واستهلاكه الكبير للطاقة. إلا أن ما تحقق من تقدمٍ كبيرٍ في تكنولوجيا الأغشية على مدى العقد الماضي قد مكّنَ محطات كهذه من معالجة كميات أكبر من المياه وبسرعات أعلى. فمحطة جبل علي لوحدها تنتج 30 مليون غالون من المياه في اليوم الواحد باستخدام التناضح العكسي.
يمر ما تبقى من مياه البحر، أي حوالي 98.5% منه، عبر عملية متعددة المراحل من التسخين والتبريد تسمى التقطير السريع. تقوم التوربينات بإرسال البخار عبر خطوط الأنابيب إلى سلسلة من حجرات التبخير. حيث يقوم البخار في هذه المرحلة بتسخين المياه المالحة، ليبرد بعدها البخار الناتج ويتكثف داخل حوض تجميعي. ينقل ما تبقى من المياه المالحة إلى الحجرة التالية، ذات الضغط الأقل (ودرجة غليان أقل). تتكرر هذه العملية مرات عديدة حتى الحصول في نهاية المطاف على الماء النقي من جهة وماء مكثف شديد الملوحة من الجهة المقابلة.
يتم فحص المياه لمعرفة درجة الحموضة (pH) ودرجة الكدورة، وما تبقى من أثر لثنائي أكسيد الكلور بعد عملية المعالجة، ثم يتم نقلها عبر خزانات حتى تصل إلى المدينة. ومنذ ديسمبر 2016 تعمل هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" والمسؤولة عن تشغيل المحطة بتزويد 666,430 من العملاء بالمياه، معظمهم من السكان. وتبلغ طاقة الإنتاج الإجمالية للمحطة حالياً 564 مليون غالون في اليوم الواحد، ولكن الطلب في تزايد مستمر، ولذلك يجري العمل على زيادة طاقة المحطة لإنتاج 48 مليون غالون إضافية.
على الرغم من الحجم الكبير لهذه العملية، فإن حوالي 9% فقط من إجمالي كمية المياه الأولية المسحوبة من البحر تتحول إلى مياه صالحة للشرب (أو تستخدم في توليد الكهرباء). أما ما تبقى منها، والذي تكون درجة ملوحته أعلى بطبيعة الحال، فيُعاد ضخّهُ مرةً أخرى إلى مياه الخليج العربي. في العام 2015، أسفرت هذه العملية عن تصريف أكثر من 1.3 تريليون غالون من المياه شديدة الملوحة. وتراقب "ديوا" سير هذه العملية عن كثب لضمان عدم إضرار المياه المالحة الدافئة بالنظام البيئي المحلي. حيث يقوم عدد من المختصين على مسافات متعددة من المحطة بإجراء اختبارات دورية على مياه البحر لفحص مستويات الحموضة والتأكد من سلامة الحياة البحرية.
نشر هذا المقال في عدد مارس/ إبريل من بوبيولار ساينس تحت عنوان "دبي، حيث يروي البحر العطش".