الزراعة هي المصدر الرئيسي لدخل مئات الملايين من الناس حول العالم، ومحرك للاقتصاد والتجارة العالميين. يمكن تعريف النظام الزراعي بأنه تفاعل مجموعة من العناصر بنسب محددة، ما ينتج عنه خلال فترة محددة محصول أو منتج زراعي، وبمقدار ما يتمكن الإنسان من التحكم في هذه العناصر والعوامل وإدارتها يستطيع زيادة غلة المحصول الزراعي. فما العوامل الطبيعية المؤثرة في الإنتاج الزراعي؟
تأثير المناخ في الإنتاج الزراعي
يؤثر المناخ على ملاءمة محصول لمنطقة معينة، حيث تعتمد القدرة الإنتاجية للمحاصيل على عناصر المناخ. ومن أهم عناصر المناخ التي تؤثر على نمو وتطور وإنتاجية المحاصيل:
الضوء
يعد الضوء المتغير الأكثر تأثيراً على نمو النباتات، لدوره في عملية التمثيل الضوئي للنبات وإنتاج المغذيات والطاقة. إذا لم تستقبل النباتات ما يكفي من الضوء فلن تتمكن من النمو أو الوصول إلى أقصى إنتاجها، حتى بوجود باقي العناصر الأخرى. القاعدة العامة، كل زيادة في الضوء بنسبة 1% تنتج عنها زيادة بنفس النسبة في النبات. ويمكن تحديدها بالمؤشرات التالية:
- مؤشر تكامل الضوء اليومي: وهو إجمالي كمية الضوء التي يتلقاها النبات في اليوم. يعتمد المؤشر على شدة الإشعاع وعدد الساعات التي يتعرض فيها النبات للضوء، وبالتالي يساعد تحديد هذا المؤشر في التحكم بنمو النبات، مثل تقليل وقت تجذير العقل والشتلات، وزيادة جودة المحاصيل.
- تكوين الضوء: يحدد تطور النبات من البذور وإلى الإزهار، حيث يتراوح تكوين الضوء من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأشعة تحت الحمراء، ولكل منها تأثيره على نمو النبات. على سبيل المثال:
- تُستخدم الأشعة فوق البنفسجية لتقصير المسافة بين العقد حيث تظهر الأوراق.
- يحفّز الضوء الأزرق النمو الخضري للنبات ويمنع الإزهار.
- يحث الضوء الأحمر على الإزهار وإطالة السيقان.
- الفترة الضوئية: وهي طول ساعات النهار، حيث توجد نباتات تزهر فقط عند التعرض لفترات طويلة من الضوء كالسبانخ والفجل، بينما تحتاج أخرى لعدد ساعات قليل من الضوء مثل الفراولة. يساعد تحديد عدد ساعات الإضاءة التي يحتاجها النبات في التحكم بالإزهار، وذلك باستخدام إحدى الطرق التالية:
- زيادة طول النهار باستخدام الإضاءة التكميلية.
- تقصير طول النهار من خلال تغطية النباتات بمادة داكنة قبل حلول الليل.
- قطع ظلمة الليل ببعض الإضاءة.
- إضاءة دورية (متقطعة).
اقرأ أيضاً: علماء ينجحون في زراعة النباتات وإنتاج الغذاء دون الحاجة لأشعة الشمس
تأثير درجة الحرارة على نمو النبات
تتحكم درجة الحرارة إلى حد كبير في جميع أشكال الزراعة، ومع ذلك يصعب التحكم بها حتى في وجود البيوت البلاستيكية. لدرجة الحرارة دورٌ مهم في نمو النبات وتطوره، ولتراكم المادة الجافة، فلكل نبات مدى مثالي من درجات الحرارة بين الحرارة القصوى والصغرى المناسبة لنمو النبات، وفي حال تجاوز درجة الحرارة لهذا المجال يصاب النبات بـ :
إصابات درجات الحرارة المنخفضة
تؤثر درجة الحرارة المنخفضة على نمو النبات وانقسام خلاياه، وعملية التمثيل الضوئي ونقل الماء وبالتالي إنتاجية المحصول، حيث يصاب النبات بـ :
- الموت أو الإصابة بجروح بالغة عندما تتعرض النباتات التي تنمو في درجات الحرارة المرتفعة لدرجات حرارة منخفضة جداً. على سبيل المثال تبدو علامات الاصفرار على المحاصيل الحقلية إذا انخفضت درجة الحرارة ليلاً إلى ما دون 15 درجة مئوية.
- الإصابة بالجفاف الخلوي نتيجة تجمد الماء في الفراغات بين الخلايا.
- الاختناق نتيجة تشكل غطاء من الجليد أو الثلج على سطح التربة، ما يمنع دخول الأوكسجين وعملية التنفس ويتسبب بتراكم المواد الضارة في النبات.
إصابات درجة الحرارة المرتفعة
تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على نمو النبات سلباً ما يؤدي لانخفاض الإنتاجية، حيث تتسبب له بالإصابات التالية:
- تموت النباتات عند درجة حرارة محددة لكل نبات تُعرف بنقطة الموت، وغالباً ما تتجاوز الـ 50 درجة مئوية بالنسبة للمحاصيل الحولية، بينما تقل عن ذلك بالنسبة للنباتات المحبة للظل.
- تتراجع القدرة على امتصاص العناصر المعدنية والمغذيات. على سبيل المثال ينخفض امتصاص الذرة للكالسيوم عند حرارة 28 درجة مئوية.
- ينخفض نشاط اختزال النترات.
- تقلل من نمو البراعم ونمو الجذور.
- تعيق تطور حبوب اللقاح.
- تسبب الجفاف واحتراق الأوراق أو الجذع.
- تسبب اضطراب عملية التركيب الضوئي والتنفس.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين المحاصيل الشتوية والصيفية؟
الهطولات المطرية
تعد الهطولات المطرية ضرورية لنمو المحاصيل وزيادة إنتاجها، حيث يؤدي التوازن الجيد بين المطر والري المناسب إلى نمو النباتات بشكل أسرع، ما قد يقلل من الوقت اللازم لإنبات البذور، وطول المدة بين رش البذار والحصاد، أي تعتمد المحاصيل على المياه طوال دورة حياتها من أجل البقاء والازدهار.
إلا أن هناك كمية محددة من الري والهطولات المطرية خاصة بكل نوع من المحاصيل. في حال نقصانها أو زيادتها عن هذه الكمية المثالية يتعرض النبات لبعض المشكلات الزراعية المؤثرة على إنتاجيته. يتسبب نقص الري بعطش النبات، ما يؤدي إلى موت النبات أو تراجع غلّته، بينما تؤدي زيادة الري وبشكل خاص لوجود الهطولات المطرية إلى:
- غرق النبات وموته.
- ظهور أطراف بنية لأوراق المحصول.
- تعفن الجذور.
- تسرب العناصر الغذائية من التربة.
- تجمع البكتيريا والفطور في التربة، فيمتصها النبات، هذا ما نشاهده بشكل خاص في النباتات المنزلية، وفي الترب سيئة الصرف والتهوية.
- يمكن أن ينشر المطر المسببات المرضية إلى النباتات المجاورة.
اقرأ أيضاً: لماذا تؤثر البحار والبحيرات الكبيرة على مناخ المنطقة؟
الرطوبة النسبية
الرطوبة النسبية هي النسبة المئوية لبخار الماء في الهواء مقارنة بالكمية الإجمالية للماء التي يمكن أن يحملها الهواء إذا كان مشبعاً. يمكن أن تكون الرطوبة النسبية من أصعب العوامل التي يتم التحكم بها، إذ تتقلب بشكل مستمر مع تغيّر درجة الحرارة.
إذا كانت الرطوبة النسبية مرتفعة جداً قد يتعرض النبات للإصابة بالأمراض الورقية والجذرية، وإجهاد النبات، وبالتالي فقدان الجودة وتراجع الإنتاجية. أمّا إذا كانت منخفضة جداً، سيكون النمو صعباً ويستغرق النبات وقتاً أطول للوصول إلى أقصى نموه وإنتاجيته، كما قد تتساقط الأوراق السفلية وتقل جودة النبات.
تأثير التربة على الإنتاجية الزراعية
التربة الزراعية هي الطبقة السطحية من الأراضي، والتي توفر الدعم الهيكلي للنباتات، وتشكل مصدراً للماء والمغذيات. يعتمد الإنتاج الزراعي بشكل كبير على خصائص التربة الفيزيائية المحددة لقدرة التربة على الاحتفاظ بالماء ونقله للنبات. من خلال التأثير على توافر المياه والمغذيات في التربة يمكن التحكم بإنتاجية المحاصيل، بتحديد ممارسات إدارة التربة. ومن هذه الخصائص:
نسيج التربة وهيكلها وخصائص الصرف
يُقصد بنسيج التربة محتواها من الرمل والحصى والطمي وجزيئات الطين، والتي تؤثر على نمو النبات من خلال تحديد حركة الماء والهواء والمغذيات إلى النباتات. تمتاز الترب الرملية ببنية هشة، وتصريف عالٍ، في حين تزيد جزيئات الطين من قوة التربة وتماسك هيكلها، لكنها تصبح أقل قدرة على التصريف، ويزداد احتفاظها بالماء.
لون التربة
يشير لون التربة إلى محتواها من المادة العضوية والمغذيات ودرجة تصريفها. على سبيل المثال، يشير اللون الأحمر إلى وفرة الحديد في التربة، أو انخفاض نسبة الفوسفور فيها، أمّا الأصفر فهو مؤشر على الرطوبة العالية للتربة والتصريف السيئ، والأسود دليل على غناها بالدبال. بشكلٍ عام، تعد التربة ذات اللون الفاتح قليلة الخصوبة مثل الرمال البيضاء، في حين تكون التربة الداكنة أكثر خصوبة مثل الطين الأسود.
تصريف التربة
تفضل معظم النباتات التربة جيدة التصريف، ما يسمح للأوكسجين بالوصول إلى الجذور، لكنها قد تعاني من صعوبة الحصول على الماء في البيئات الجافة لعدم قدرة التربة على الاحتفاظ به.
اقرأ أيضاً: لماذا نشهد زيادة القدرة التدميرية لفيضانات المناطق الجبلية؟
تأثير التضاريس في الإنتاج الزراعي
تؤثر التضاريس على الزراعة؛ حيث إنها تؤثر على أنماط الرياح وعناصر المناخ ونوعية التربة. على سبيل المثال:
- تمنع الجبال العالية تدفق الهواء البارد إلى الجهة المقابلة منها، ما يؤدي لارتفاع درجات الحرارة على أحد الجانبين وانخفاضها نسبياً على الجانب الآخر.
- ميل الأرض، حيث يزداد انتقال المياه ومعها المغذيات كلما زاد الميل، ما قد يترك النباتات الأعلى أكثر جفافاً.
- تحديد مقدار ضوء الشمس الذي يصل إلى النباتات، حيث تتلقى النباتات في المناطق المسطحة أشعة أكثر من المناطق الجبلية نظراً لقلة ما يعيق مسارها.
- تحديد الأنشطة الزراعية التي يمكن القيام بها، ونوع المعدات والآلات الممكن استخدامها.
- تحدد التضاريس مقدار المياه المتاحة لري المحاصيل وكمية الأمطار التي سيتلقاها المحصول وفقاً لموقعه الجغرافي، وبالتالي نوع المحصول المناسب للمنطقة.