فرز أضرار التغير المناخي قد يكون أحد الحلول لمواجهته

4 دقائق
التغير المناخي, حلول, الاحتباس الحراري, جليد, جبال

قدمت لنا التقارير الأخيرة رسائل واقعية حول التغير المناخي وعواقبه. ضمت هذه التقارير؛ التقرير الخاص بالاحتباس الحراري الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، والنسخة الرابعة من التقييم الوطني للمناخ المعد من الحكومة الأميركية، والتقرير الأولي للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ العالمي في 2018.

تظهر هذه التقارير أن التغير المناخي يحدث بالفعل، وأن تأثيراته ستصبح أكثر حدة في المستقبل القريب. تبين التقارير أيضاً أن خفض انبعاثات غازات الدفيئة المترتبة عن الأنشطة البشرية إلى مستوى لا تتجاوز فيه درجة حرارة الكوكب درجتين مئويتين، أو إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الثورة الصناعية؛ أمر في غاية الصعوبة.

ثمة اليوم فجوة كبيرة ومتنامية بين ما تصرح الدول بأنها ترغب في تحقيقه وما تلتزم به على أرض الواقع. بصفتنا باحثين نركز على إدارة مخاطر المناخ والتكيف مع تغيره، فإننا نعتقد أن الوقت قد حان للتفكير في أضرار تغير المناخ التي يمكن إدارتها والأضرار التي يصعب مواجهتها. بدأت بعض الدول في اتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه، إذ تركز على إنفاق مواردها المحدودة على المخاطر التي سيكون لها تأثير كبير على أراضيها مستقبلاً.

كيف يتم فرز أضرار التغير المناخي؟

التغير المناخي, حلول, الاحتباس الحراري, تلوث

يقوم الفرز على إعطاء الأولوية لبعض الإجراءات عندما تكون الموارد قليلة. ظهرت هذه العملية في ساحات الحرب العالمية الأولى، وتستخدم على نطاق واسع اليوم في مجالات مختلفة مثل التطبيب في حالات الطوارئ وحفظ النظم البيئية وتطوير البرمجيات.

من المتوقع أن تبلغ تكاليف التكيف مع التغير المناخي في البلدان النامية فقط 300 مليار دولار بحلول عام 2030، و500 مليار دولار بحلول منتصف هذا القرن. لكن وفقاً لتقييم أجرته منظمة أوكسفام، فإن ما تم استثماره في مشاريع التكيف مع التغير المناخي بين عامي 2015 و2016 تراوح بين 5 مليارات و7 مليارات دولار فقط.

فرز أضرار التغير المناخي يعني مقاربة تبعاته بشكلٍ مختلف، ونقترح هنا 3 مجموعات.

تتضمن المجموعة الأولى التأثيرات التي يمكن تجنبها أو إدارتها بأقل تدخل ممكن، أو بدون تدخلات. على سبيل المثال، تشير تقييمات تأثير التغير المناخي على الطاقة الكهرومائية في الولايات المتحدة إلى أن هذا القطاع يمكنه استيعاب هذا التأثير دون الحاجة إلى تدخلات مكلّفة.

المجموعة الثانية مخصصة للتأثيرات التي لا يمكن تجنبها. فلنأخذ، على سبيل المثال، الدببة القطبية، التي تعتمد على الجليد البحري لصيد الفرائس؛ يمكن أن تساعد الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات في الحفاظ على الدببة القطبية، لكن جعلها تتكيف مع التغير المناخي؛ هو أمر في غاية الصعوبة. على نفس المنوال، تطرح حماية الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا وغابات الأمازون البرازيلية تحديات مماثلة.

أما المجموعة الثالثة فتشمل الآثار التي يمكن الحد من مخاطرها باتخاذ إجراءات عملية وفعالة. على سبيل المثال، استثمرت مدن مثل فينيكس وشيكاغو وفيلادلفيا لسنوات في أنظمة الإنذار المبكر بارتفاع درجات الحرارة، واتخذت إستراتيجيات لمواجهة حالات الطوارئ للحد من خطرها على الصحة العامة. ثمة خيارات متنوعة لجعل الزراعة أكثر قدرة على التكيف مع التغير المناخي، مثل الزراعة الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية والزراعة بدون حرث. كذلك، ساعدت الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية وإستراتيجيات تنظيم الطلب على المياه في مد المناطق المحتاجة بالمياه والحد من مخاطر الفيضانات.

في كل حالة من هذه الحالات، يكمن التحدي في المواءمة بين ما هو ممكن تقنياً، واستعداد المجتمع لتحمل تكاليف هذه الخيارات.

كيف يبدو التخطيط القائم على الفرز؟

التغير المناخي, حلول, الاحتباس الحراري, تلوث

دعا خبراء آخرون إلى فرز مخاطر التغير المناخي التي يمكن مواجهتها في سياقات مختلفة، مثل كيفية التعامل مع ارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات والنظم البيئية. مع ذلك، لا تطبق هذه المقاربات في إستراتيجيات التكيف مع التغير المناخي.

كيف يمكن تطبيق التخطيط القائم على الفرز؟ إحدى الخطوات التي يمكن اتباعها هي الاستثمار في تقييم الأصول المعرضة للخطر. تقييم الأصول المتبادلة في الأسواق الاقتصادية -مثل المنتجات الزراعية- عملية مباشرة. على سبيل المثال، قدرت مؤسسة راند وجامعة ولاية لويزيانا تكاليف ضياع الأراضي الساحلية في ولاية لويزيانا. توصلت الدراسة إلى أن معظم هذه الخسائر سببها فقدان الممتلكات وأضرار العواصف وخسارة موائل الأراضي الرطبة الضرورية لمصايد الأسماك التجارية.

تقييم الأصول غير السوقية، مثل الموارد الثقافية، أكثر صعوبة ولكنه ليس مستحيلاً. على سبيل المثال، عندما أوشكت منارة «كيب هاتيراس» بولاية نورث كارولينا على الانهيار، بذلت جهود بطولية لنقلها بعيداً عن الساحل بسبب أهميتها التاريخية والثقافية. بالمثل، ونيابة عن الشعب الأميركي، يقرر الكونغرس قيمة الموارد التاريخية والثقافية عندما يسن تشريعات لإضافتها إلى نظام المنتزهات الوطنية الأميركية.

الخطوة التالية هي تحديد إستراتيجيات التكيّف مع التغير المناخي التي يمكن أن تحد من المخاطر. في سياق دعمها لخطة حماية سواحل لويزيانا، أجرت مؤسسة راند تحليلاً لمشاريع حماية السواحل وإصلاح النظم البيئية، تقدر قيمتها بـ 50 مليار دولار، وصنفت مكاسب هذه المشاريع من حيث تجنب الأضرار.

تسمى هذه المقاربة «عائد القدرة على التكيف»؛ وهي مكافأة تأتي من الاستثمار في مناطق قادرة على التكيف مع التغير المناخي. على سبيل المثال، قدّر تقرير حديث صادر عن المعهد الوطني لعلوم البناء؛ أن كل دولار يستثمر في البرامج الفيدرالية للتخفيف من حدة الكوارث؛ يوفر على المجتمع 6 دولارات. مع ذلك، ثمة حدود لما يمكن لهذه الاستثمارات أن تفعله.

أما الخطوة الثالثة فتتجلى في استثمار رؤوس الأموال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكافية لتلبية احتياجات المجتمع. يعني هذا على وجه الخصوص إدراج إستراتيجيات التكيّف مع التغير المناخي ضمن ميزانيات الوكالات والدوائر الحكومية الاتحادية والمحلية، ومنح إمكانية الولوج للمعلومات المتعلقة بهذه الإستراتيجيات لأي كان.

أحرز تقدم كبير في الكشف عن انعكاسات سياسات الحد من غازات الدفيئة على الشركات؛ من خلال آليات مثل فرقة العمل المعنية بكشف المعلومات ذات الصلة بالتغير المناخي، وهي إحدى مبادرات القطاع الخاص التي تساعد الشركات على تحديد المخاطر التي تواجهها عملياتها من جراء سياسات المناخ المختلفة. لكن تم إيلاء اهتمام أقل للكشف عن تأثير التغير المناخي على الشركات، مثل عرقلة سلاسل التوريد، أو الأضرار التي تلحق بالمؤسسات العامة، مثل حكومات المدن.

أخيراً، تحتاج الحكومات إلى وضع مقاييس محددة حتى تتمكن من قياس تقدمها. يدعو اتفاق باريس للمناخ البلدان إلى الإبلاغ عن جهود التكيف مع المناخ التي تبذلها. استجابة لهذه الدعوة، ظهرت أدوات مثل «InformedCity» في أستراليا تمكّن المؤسسات من قياس تقدمها نحو تحقيق أهداف التكيف مع المناخ. مع ذلك، تظل العديد من المنظمات -من الحكومات المحلية وصولاً إلى مجالس إدارة الشركات- غير مجهزة لتقييم فعالية جهود التكيف مع المناخ المبذولة.

ثمة مبادرات عدة تسعى لإدارة مخاطر التغير المناخي في مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك، لا يمكن إنقاذ كل شيء. قد يؤدي تأخير عملية فرز أضرار التغير المناخي إلى اتخاذ المجتمعات قرارات ارتجالية، عوضاً عن توجيه مواردها لحماية الأشياء الأكثر قيمة.

تم نشر هذا المقال بواسطة كلا من «بنجامين برستون» و«جوهانا نالو» في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي