كُشف في عام 2019 عن أن 20 شركة تعمل بالوقود الأحفوري تتحمل مسؤولية ثلث انبعاثات الكربون في العالم. وفي حين يمكن للمستهلك العادي أن يبذل قصارى جهده لاتخاذ خيارات مستدامة خلال حياته، فلم يعد خافياً أن الشركات الكبرى بحاجة أيضاً لتوحيد جهودها على هذا الصعيد. تتعهد العديد من الشركات بانتظام بتخفيض انبعاثاتها والالتزام بأهداف تغير المناخ، ولكن تختلف درجة النجاح بالإيفاء بهذه الالتزامات من شركة إلى أخرى.
حبر على ورق
قد يبدو عند بعض المستويات أن الشركات الكبرى تعمل معاً، وتعد بالوصول إلى صافي انبعاثاتٍ صفرية وغيرها من التزامات الاستدامة. ولكن عند البحث عن مدى التزامها بتنفيذ هذه التعهدات، يبدو أنها تفشل في تنفيذ تعهداتها. في الواقع، تلتزم 25 شركة من أكبر الشركات في العالم بتخفيض بصمتها الكربونية بمعدل 40%، وليس 100% أو أن تكون «محايدة للكربون» تماماً كما تزعم هذه الشركات، وذلك وفقاً لتحليلٍ جديد أجراه معهد «نيو كلايمت» بالتعاون مع مجموعة «كاربون ماركت ووتش» البحثية.
يقول سيبريج سميت، محلل سياسة المناخ في مجموعة الأبحاث غير الربحية، معهد «نيو كلايمت»، وأحد مؤلفي التقرير، في بيان: «نرى أن تعهدات الشركات المتعلقة بالمناخ تتطلب تقييماً تفصيلياً، وفي معظم الحالات، لا يمكن أخذها في ظاهرها».
اقرأ أيضا:
درس المؤلفون بعمق برامج محايدة الكربون التي تتبعها شركات أمازون وميرسك وبي إم دبليو وسي في إس وأيكيا وغيرها لمعرفة ما إذا كانت الشركات تلتزم بمزاعمها حول الاستدامة، ووجدوا أنه لم تحصل أيٌّ من العلامات التجارية الـ 25 التي قيموها على تصنيف «عالي النزاهة». ضمن التقييم، احتلت شركة ميرسك رأس القائمة بشأن تعهدها بالوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2040 مع تصنيف «نزاهة معقولة»؛ تبعتها شركة آبل وسوني وفودافون بتقييم «نزاهة مقبولة». بينما صنفت بقية الشركات في فئة «نزاهة منخفضة أو منخفضة جداً». أخذت منهجية تقييم النزاهة في الاعتبار تتبع الانبعاثات والكشف عنها، وتحديد أهداف استدامة محددة وتقليل الانبعاثات وتحمل المسؤولية المستمر عن الانبعاثات.
ويقول توماس داي من معهد نيو كلايمت، والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان: «لقد شرعنا في الكشف عن أكبر عدد ممكن من الممارسات الجيدة القابلة للتكرار، لكننا فوجئنا بصراحة، وأصبنا بخيبة أمل من التقييم المنخفض للنزاهة إجمالاً لمزاعم الشركات. فمع تصاعد الضغط على الشركات لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، غالباً ما تفتقر ادعاءاتها الطموحة إلى الجوهر، ما قد يضلل المستهلكين والمنظمين الذين يلعبون دوراً حاسماً في توجيه سياسة الشركة الاستراتيجية. وحتى الشركات التي تفي بالتزاماتها نسبياً تبالغ في ادعاءاتها أيضاً».
اقرأ أيضاً: انبعاثات الكربون ترتفع مجدداً بعد توقف مؤقت
انبعاثات صفرية من المنبع إلى المصب
ثلاث من الشركات التي جرى تقييمها فقط، وهي ميرسك وفودافون ودويتشه تيليكوم، قد التزمت بالفعل بإزالة الكربون من معظم انبعاثاتها ضمن سلسلة القيمة (وهي تشمل جميع الموارد المستخدمة لتصنيع منتج ونقله وبيعه، بالإضافة إلى التخلص منه في نهاية عمره الإنتاجي). بينما فشلت بعض الشركات الأخرى بالالتزام بتعهداتها الصفرية التي تغطي الانبعاثات المباشرة فقط، والتي تنطوي فقط على الوقود الأحفوري الذي تستخدمه الشركة لتشغيل منشآتها ومركباتها.
ووفقاً للدراسة، فإن استبعاد انبعاثات المنبع والمصب في سلسلة القيمة من التعهدات الصفرية يترك الكثير من الانبعاثات التي يجب إزالتها عندما يتعلق الأمر بخفض الانبعاثات الصعبة.
على سبيل المثال، تستبعد ثماني شركات انبعاثات المنبع والمصب التي تمثل عادةً نحو 90% من انبعاثاتها الفعلية وفقاً للبحث الجديد. وفي الواقع، وضعت خمس من تلك الشركات خططاً للاستدامة من شأنها خفض انبعاثاتها بنسبة تقل عن 15% فقط.
بالإضافة إلى ذلك، ضمّنت الشركات 24 هدفاً حول تعويضات الكربون في أهدافها، والتي، في بعض الحالات، لا تنتج أية فوائد مناخية تذكر. على سبيل المثال، وجد التقرير أن ثلثي الشركات تعتمد على تدابير التعويض الحيوي، مثل زراعة الأشجار، على الرغم من أن تأثيرها الفعلي المناخي ما يزال موضع جدل (ويمكن إبطاله بسهولة من خلال الكوارث مثل حرائق الغابات)
ويبدو أيضاً أن أداء الشركات التي كانت تروج بصوتٍ عال لأعمال الاستدامة التي كانت تقوم بها كان الأسوأ. على سبيل المثال، تروج شركات، مثل يونيليفر ونستله وسي في إس وبي إم دبيلو، للاستدامة ومسؤوليتها الاجتماعية على مواقعها الإلكترونية وفي الإعلانات، لكنها فشلت في إظهار نزاهتها بشأن الإيفاء بوعودها «الصفرية» الواردة في التقرير
وقد قال ممثلو شركة يونيليفر لبي بي سي إنهم «يرحبون بالتحاليل الخارجية حول التزامهم بأهدافهم المناخية، وإنهم بدؤوا حواراً مثمراً مع معهد نيو كلايمِت لبحث تطوير نهجهم بشكل هادف». بينما قال ممثلو ايكيا إنهم يرحبون «بالحوار والتدقيق» في أهدافهم المناخية أيضاً.
ولكن إذا كانت الشركات تريد حقاً تقليل دورها في تغير المناخ، فعليها أن تفعل ما هو أكثر من الوعود المزيفة وحيل التسويق. يمكن أن تساعد اللوائح والشفافية العامة في هذا الصدد.
يقول جيل دوفراسن من مجموعة كاربون ماركت ووتش في بيان: «للإعلانات المضللة تأثير حقيقي على المستهلكين وصناع السياسات. لقد خُدعنا كي نصدق أن هذه الشركات تتخذ تدابير كافية، بينما الحقيقة على أرض الواقع مختلفة تماماً. سيستمر هذا الأمر دون وجود ضوابط ولوائح تنظيمية. يجب على الحكومات والهيئات التنظيمية التحرك ووضع حد لاتجاه الغسل الأخضر هذا».
اقرأ أيضا: