تعرف إلى فوائد عملية التجوية وآثارها على مناخ الأرض

تعرف إلى فوائد عملية التجوية وآثارها على مناخ الأرض
الانفجارات البركانية تطلق ثاني أوكسيد الكربون طبيعياً، على الرغم من أن الأنشطة البشرية تسهم بدرجة أكبر في انبعاث هذه الغازات. ديبوزيت فوتوز

إذا أطلق بركان هائل سحابة خانقة من ثاني أوكسيد الكربون، حتى لو كانت تأثيراتها قاتلة وكارثية، فسيعود الغلاف الجوي إلى طبيعته في النهاية. إذاً، أين تختفي كل هذه الغازات الدفيئة؟

اتضح أن سطح الأرض يخفي مرشح هواء طبيعياً؛ بالتأكيد، تؤدي النباتات دوراً مهماً، إذ تمتص ثاني أوكسيد الكربون الذي تحتاج إليه في عملية التمثيل الضوئي. لكن هناك آلية تحكم أكبر: الأرض نفسها. يتأثر غاز ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الهواء ببعض المعادن الموجودة في الأرض، حيث تتفاعل هذه المعادن مع الغاز وتمتصه من الغلاف الجوي.

كيف تمتص الأرض ثاني أوكسيد الكربون؟

عرف علماء الجيولوجيا مرشح الهواء هذا منذ فترة طويلة، إلا أنهم لم يتمكنوا من معرفة آلية عمله، لكنهم الآن توصلوا إلى دليل يوضح آلية التحكم بهذه العملية على نطاق عالمي: تتفاعل هذه المعادن بسرعة أكبر في الظروف الجوية الممطرة والدافئة.

تقول عالمة الجيولوجيا في جامعة ولاية بنسلفانيا، سوزان برانتلي: "نريد فهم كيفية عمل هذا المرشح في جميع أنحاء العالم". نشرت برانتلي وزملاؤها دراستهم في مجلة ساينس (Science) بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني.

التجوية هي عملية تفتت الصخور والمعادن بسبب العوامل الطبيعية، كالماء والحرارة والكائنات الحية الدقيقة والنباتات (تختلف عملية التجوية عن التعرية، التي تشمل تفتيت الصخور، ثم نقل هذا الفتات عند هبوب الرياح أو تدفق المياه، وترسيبه في مكان آخر). ركز المؤلفون على نوع واحد محدد من التجوية؛ والذي تسببه التفاعلات الكيميائية التي تتضمن ثاني أوكسيد الكربون.

اقرأ أيضاً: أنواع الصخور وخصائصها وطرق تشكلها

ومع ذلك، فإن هذا الغاز لا يتفاعل مع جميع المعادن بنفس الطريقة، فمن الممكن أن تنفث بعض المعادن ثاني أوكسيد الكربون مرة أخرى في الغلاف الجوي تبعاً لتركيبها الكيميائي. اختارت برانتلي وزملاؤها دراسة مجموعة من المعادن المعروفة باسم معادن السيليكات، التي تحتوي جزيئاتها على ذرات السيليكون والأوكسجين، حيث تتفاعل معادن السيليكات مع ثاني أوكسيد الكربون وتخزنه في الأرض أو في الماء أحياناً. لحسن الحظ، تتوفر هذه المركبات بكثرة على سطح الأرض؛ يُعد كل من الأوكسجين والسيليكون أكثر العناصر انتشاراً في القشرة الأرضية

أراد المؤلفون الإجابة عن سؤال واحد: ما مدى سرعة تجوية معادن السيليكات، وكيف تتغير هذه السمة مع تغير العوامل الجوية المحيطة؟

الجواب ليس واضحاً. لا تسبب التفاعلات الكيميائية كل عوامل التجوية في العالم، كما يصعب على علماء الجيولوجيا فصل التجوية الكيميائية عن النشاط البيولوجي أو ترشيح المياه الجوفية.

اقرأ أيضاً: ما هي المسارات المحتملة لانتقال التلوث الإشعاعي إلى النباتات؟

كيف تحدث التجوية الكيميائية؟

بسبب هذا التعقيد، لاحظ علماء الجيولوجيا تبايناً إشكالياً في التجوية الكيميائية، إذ تحدث على نحو أبطأ بكثير في التربة الحقيقية مقارنة بالتجارب التي تُجرى في المختبر، وهذا التباين يسبب مشكلة. تقول برانتلي: "من الصعب توسيع نطاق النتائج التي تتوصل إليها في المختبر وتطبيقها على نطاق واقعي أوسع قليلاً، فما بالك في تطبيقها على ما يحدث في الكرة الأرضية بكاملها؟"

لحسن الحظ، لم تكن برانتلي وزملاؤها الباحثين الوحيدين المهتمين بالمشكلة. وقد أجروا أبحاثاً على المستويات المحلية والإقليمية لعقود من الزمن، واطّلعوا على التجارب المخبرية وراقبوا عمليات التجوية في عيّنات من التربة، كما عثروا على دراسات تفحص آلية التجوية في أنظمة الأنهار بأكملها.

وعند تحليل تلك البيانات، تمكنوا من فهم عملية التجوية التي تحدث على نطاق عالمي.

لاحظ فريق برانتلي أنه مع ارتفاع درجة الحرارة تزداد التجوية، والعكس صحيح، لكن لم تكن درجات الحرارة العامل الوحيد الذي اكتشفوه، حيث تتباطأ عملية التجوية أيضاً مع تناقص عمليات التعرية التي تنقل فتات الصخور، أو إذا انخفضت كمية الأمطار وبالتالي قلّ تدفق المياه التي تنقل هذا الفتات وترسّبه.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن توفر دراسة الأساطير الجيولوجية رؤى جديدة حول التغير المناخي؟

يقول المهندس البيئي في جامعة تكساس أيه آند إم (Texas A&M)، سالفاتور كالابريز، الذي لم يشارك في تأليف الورقة البحثية: "إنها دراسة مفصّلة للغاية".

ويقول عالم الجيولوجيا في جامعة أوكسفورد، بوب هينتون، الذي لم يشارك في تأليف الورقة البحثية أيضاً: "هذا البحث قادر على الربط بين الدراسات الميدانية والدراسات المخبرية وتقديم نظرية منطقية".

نظرة على ماضي الأرض وتطبيقات مستقبلية

وفقاً لبرانتلي، فإن هذه النتائج تساعد علماء الجيولوجيا في دراسة ماضي الأرض، والعودة إلى سجلها الحافل بالانفجارات البركانية والتغيرات التي طرأت عليها حتى عادت إلى طبيعتها. بافتراض أن هذه النتائج دقيقة، يمكن لعلماء الجيولوجيا التعمق في دراسة الماضي؛ على سبيل المثال، يمكنهم دراسة التربة المحفوظة التي يبلغ عمرها مليارات السنين، والتوصل إلى فكرة عن غلافها الجوي.

فيما يخص وقتنا الحاضر، تُعد كمية غازات الدفيئة التي تنبعث من البراكين جزءاً صغيراً من الانبعاثات الناجمة عن حرق البشر للوقود الأحفوري. وهذا يثير سؤالاً آخر: إذا علمنا أن عملية التجوية تزيل ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، فلماذا لا يمكننا تسريع هذه العملية؟

يعمل العلماء والمهندسون بالفعل على ذلك من خلال فكرة يسمونها التجوية المحسّنة، وهي تتضمن نثر فتات الصخور في المحيطات أو على مساحات شاسعة من اليابسة. ونأمل أنه إذا تم تطبيق ذلك على أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية في العالم، فالمعادن الموجودة في الصخور ستقلل نسبة ثاني أوكسيد الكربون على مستوى العالم (بالطبع، قد يشمل ذلك استخراج الصخور من مكان ما وربما تعريض الناس لغبار هذه الصخور).

اقرأ أيضاً: ما هي البراكين الوحلية وكيف تتشكل؟

التجوية الأرضية المحسنة لمكافحة التغير المناخي

إنها فكرة جديدة، لكن في الوقت الحالي، يقتصر تنفيذها على المختبرات. درس بعض التجارب كيفية عمل التجوية المحسّنة في ظل وجود التربة والنباتات، مثل الاختبارات التي أجراها كالابريز وزملاؤه على مساحات صغيرة في إحدى الغابات الاستوائية. يقول كالابريز: "يمكننا إجراء بعض القياسات، لكن لا يمكننا دراسة ما سيحدث في الغابة بأكملها"، وهذا يعني أن أنصار التجوية المحسّنة وعلماء الجيولوجيا مثل برانتلي يواجهون العديد من الأمور المجهولة، فهم يعرفون ما يحدث في المختبر، لكنهم لا يعرفون كيف يمكن أن تؤثر هذه العملية في التربة الحقيقية، كما أنهم لا يعرفون ما إذا كانت ملاحظاتهم تتغير وفقاً لحجم المنطقة.

هذا يعني أن النتائج التي توصلت إليها برانتلي يمكن أن تفيد في أبحاث التجوية المحسّنة في المستقبل: على سبيل المثال، يمكن توجيه الباحثين إلى الأماكن التي تتوفر فيها المياه الجوفية بغزارة. يقول كالابريز: "ربما تكون هذه الأبحاث مرجعاً جيداً لرفع كفاءة التجوية المحسّنة".

اقرأ أيضاً: أزمة نقص المياه تهدد بعض المناطق في العالم

لا تهتم برانتلي بالتجوية المحسّنة بقدر اهتمامها ببعض العوامل الأخرى التي تقوم عليها عملية التجوية، مثل الكائنات الحية. يمكن أن تنشّط الكائنات الحية عملية التجوية، فالجراثيم تتفاعل مع المعادن المحيطة بها، وفي الوقت نفسه يمكن أن تبطئ الكائنات الحية من سرعة التجوية، فالأشجار، على سبيل المثال، تضرب بجذورها في الصخور فتثبتها أكثر.

يوافق هينتون على أنه يجب على علماء الجيولوجيا الآن دراسة ما تقوم به الجراثيم، ويقول: "من المحتمل أن يكون للجراثيم دور في تغير درجات الحرارة، لذا، من المهم حقاً فهم كيفية عملها".

المحتوى محمي