فيضانات غير مسبوقة تدمّر كندا

4 دقائق
الفيضانات التي ضربت غرب كيبيك وشرق أونتاريو.

يقول ديفيد فيليبس أستاذ علم المناخ الذي يعمل مع الوكالة الكندية للتغير المناخي (وهي الوكالة المسؤولة عن تنفيذ البرنامج البيئي للحكومة الكندية): "لقد كنت أقول دائماً إن أهم ما يميز المناخ في كندا أنه يتبع أسلوب (اضرب واهرب)، فهو لا يمكث طويلاً ليسبب الضرر للناس ويضايقهم كما هو الحال في بقية المناطق، كفلوريدا وكارولينا، بل يمكث الإعصار يومين أو ثلاثة، ثم يبتعد ليعود في وقت لاحق".

ففي كندا، يدرك حتى الطقس السيئ أنه ليس من اللائق أن تطيل المكوث. ولكن يبدو أن الأمطار التي غمرت سكان شرق أونتاريو وغرب كيبيك بطوفان من الماء في بداية مايو 2017 لا يمكن أن تكون كندية. يقول فيليبس: "لقد زحفت العاصفة إلى كندا ثم مكثت فيها كضيف ثقيل غير مرغوب فيه، لا يريد أن يغادر. لقد أمطرت، ثم أمطرت، وظلت تمطر في العاصمة أوتاوا طوال ثلاثة أيام، ولم تتوقف سوى ثلاث ساعات. وهذا ما لم نعهده من قبل".

تسببت العاصفة بفيضانات تاريخية، وقد وصفها رالف غوديل وزير السلامة العامة الكندي بأنها أسوأ فيضانات تصيب كندا خلال خمسين عاماً.  فأوتاوا التي تشهد معدل هطول 81.2 ملم طيلة شهر مايو، تلقت 112.2 ملم من الأمطار خلال الأيام الأولى فقط من مايو 2017. أما مونتريال التي تتلقى 58.1 ملم كمعدل هطول في شهر مايو، شهدت هطول 66 ملم. ولهذا لم يكن مفاجئاً أن يفيض نهرا أوتاوا وسانت لورانس، حيث تحطمت الحواجز على ضفتيهما وغمرت المياه المناطق المجاورة، وتم إجلاء آلاف السكان، وأعلنت حالة الطوارئ في مونتريال خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ولكن فيليبس يرى أن هذه الأمطار ليست هي السبب وراء هذه الفيضانات، ولكن هناك عوامل أدت إلى تعجيل حدوثها. يقول فيليبس: لقد استمرت الأمطار بالهطول ابتداء من الأول من يناير، ولكننا لم نشهد على الأربعة أشهر الأولى من هذه السنة مثل هذه الكميات من الأمطار".

وقد شهدت مناطق الفيضانات الحالية كميات من الثلوج أكبر من الكميات المعتادة هذا الشتاء، رغم أن تساقط الثلوج لم يكن عنيفاً. فقد شهدت مونتريال زيادة في تساقط الثلوج بنسبة تزيد عن 15% عن المعدل الطبيعي. بينما شهدت المناطق حول أوتاوا زيادة تجاوزت 30% عن المعدل الطبيعي. وهذه مشكلة كبيرة، وذلك لأننا في كندا، أكثر البلاد التي تشهد تساقط الثلوج في العالم. ولكن هناك أمر غريب في الطقس، وهو أنه يزداد دفئاً.

شهدت الأرض هذه السنة ثاني أدفأ فبراير، وذلك بحسب تقديرات الإدارة الوطنية للمحيطات  والغلاف الجوي. كما كان ثاني أدفأ فبراير في الولايات المتحدة، وسادس أدفأ شتاء في تاريخ كندا. وبالنظر إلى أن 75% من الكنديين يعيشون ضمن نطاق 160 كيلومتراً من الحدود فإن أنماط المناخ في كندا لا تتناقض بشكل تام مع الطقس فيها. وكانت العاصفة التي وصلت إلى كندا قد ضربت أولاً كلاً من نيويورك ونيوإنجلاند، وسجلت أوتاوا -التي تضم أكبر ميدان للتزلج على الجليد الطبيعي في العالم- في 23 فبراير 2017 ارتفاعاً قياسياً في درجة الحرارة التي وصلت إلى 12.2 درجة مئوية، متجاوزة المعدل الطبيعي بخمس درجات مئوية. أما مونتريال المعروفة بشبكة الأنفاق تحت الأرض والتي تساعد السكان في التنقل دون أن يتأثروا بالطقس الشتوي، فكانت درجات الحرارة فيها ترتفع على نحو مماثل.

وقد تلا فبراير المعتدل طقس شديد البرودة في مارس. يقول بوب هينسون عالم الأرصاد الحوية والذي يعمل في شركة ويذر أندرجراوند Weather Underground للأرصاد الجوية : "لقد أخّر هذا الأمر ذوبان الثلج، ولم يكن أبريل دافئاً نسبياً وحسب، ولكنه كان رطباً أيضاً، ما أدى إلى تأثير مضاعف. فقد ذابت الثلوج وتساقطت الأمطار على سطح الثلوج الذائبة، وهكذا أصبح لدينا مصدران للرطوبة.

الاحترار في القطب الشمالي مع المياه الدافئة وتحول التيار النفاث القطبي، كل هذا يغير من الظروف التي قد تؤدي إلى حدوث العواصف. بلغ حجم هطول الأمطار خلال أبريل 2017 في مونتريال 116.8 ملم، أو ما يعادل زيادة بنسبة 50% عن المعدل الطبيعي. أما أوتاوا فقد شهدت زيادة في معدلات الهطول بنسبة 155% عن المعدل الطبيعي. ولم تقتصر هذه الزيادة على الجنوب الشرقي لكندا. فقد سجلت الولايات المتحدة في أبريل 2017 ثاني أعلى معدل للهطول لهذا الشهر من السنة. وكانت أركانساس كغيرها من الولايات الأمريكية المجاورة لكندا في قلب هذه الفيضانات غير المسبوقة.

يقول فيليبس: "لقد أدت أمطار أبريل مع ذوبان الثلوج إلى ملء كل زاوية وركن، وأصبحت الأرض كإسفنجة امتصت كل المياه الناتجة عن ذوبان الثلوج، ولم يبق فيها أي مكان لأمطار الربيع. لقد اصطفت عواصف مايو كطائرات الجامبو في المطار. تأتي واحدة بعد الأخرى من تكساس محملة برطوبة خليج مكسيكو في المحيط الأطلسي لتضرب المناطق الضعيفة بسبب تعرضها للعواصف المشابهة قبل خمسة أشهر".

وبالنظر إلى هذا الانحراف في حالة الطقس، فمن المنطقي إلقاء اللوم على التغير المناخي الذي يراه فيليبس أحد العوامل، ولكن البنية التحتية لها دور أيضاً. يقول فيليب: "سيكون لنفس الطقس القديم تأثير مختلف الآن عن تأثيره قبل عشرين وثلاثين وأربعين سنة. فلا يهم كم كانت تورونتو أو أوتاوا أو نيويورك جافة من قبل. فعندما يسقط المطر على أرض غير نفوذة للماء، ستكون قطرة المطر قطرة من فيضان. فالذي تغير هو الأسطح التي يسقط عليها المطر، فهو يسقط اليوم على مناطق البناء. ونحن لم نعد نملك بنى تحتية صديقة للبيئة، وليس لدينا الأراضي الخضراء التي تستطيع امتصاص هذه المياه". ولكن فيليبس يلاحظ أيضاً أن الطقس يتغير، وأن تغير المناخ على الأرجح له دور، ولكنه لا ينسى أن يفرق بين التغير المناخي وتغير الطقس.

يقول فيليبس: "لا يسبب التغير المناخي شكلاً من أشكال الطقس، فهو لا يسبب الأمطار. وسنواجه الأعاصير والعواصف والعواصف الرملية والفيضانات بدون تغير مناخي. ونحن دائماً نواجه هذه الظواهر. ولكن الذي يميز التغير المناخي هو أنه يعطي العواصف طابعاً مختلفاً. فهو يغير شدتها ومدتها وترددها. وهو لا يسبب إعصار التيفون في ساسكاتون، ولا العواصف الرملية في ديترويت، ولكنه يغير إحصائيات الطقس".

ولوضع هذا الأمر في سياقه الصحيح، فإن التغير المناخي يساعد في تحديد ما هي العوامل التي تؤدي إلى حدوث الفيضانات. فلو أن هطول الثلوج في الشتاء كان أقل، ولو لم يكن الربيع دافئاً ورطباً بشكل غير معتاد، ولو توقف هطول الأمطار، لكان غرب أونتاريو وشرق كيبيك أكثر جفافاً الآن. ولو زاد التغير المناخي من احتمالية حدوث كلٍّ من هذه الظروف، فإنه لم يكن ليسبب حدوث الفيضانات، ولكنه كان سيجعل الطقس المثالي لحدوث الفيضانات أكثر احتمالاً.

ومن السابق لأوانه عمل دراسة عزوٍ مناسبة، ولكن فيليبس يقول إن آثار أو نماذج الطقس تتماشى مع التغيرات التي يشهدها الكنديون في السنوات الأخيرة. ويبدو أن العواصف التي تضرب كندا - كالعاصفة الحالية- قد فقدت أسلوب (اضرب واهرب) المعتاد، وبدأت تتجه للمكوث مدة أطول، وإغراق الأرض بكميات أكبر من المياه. يقول فيليبس: "إن ما شهدناه في السنوات الأخيرة لا يعني مجرد أننا نواجه هطولات مطرية أكبر، بل يعني أننا نشهد عواصف تدوم لمدة أطول وتؤدي إلى أمطار تدوم بشكل مأساوي لفترات أطول".

إنه نمط يتماشى مع توقعات ما ستبدو عليه كندا في ظل تغير المناخ. يقول هينسون: "إن الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي يتوقع أنه إذا استمر تراكم غازات الدفيئة واستمر ارتفاع درجة حرارة الأرض، فإن كندا ستكون أكثر رطوبة".

المحتوى محمي