قطعت النماذج المناخية الحالية أشواطاً طويلة وأصبحت أكثر تطوراً مقارنةً بالنماذج المناخية القديمة. تعود أول محاولةٍ منشورة لتقدير أثر زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في حرارة سطح الأرض؛ إلى عام 1896. ثم بدأت تظهر المزيد من الدراسات التي تتنبأ بمستقبل المناخ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في وقتٍ اعتقد فيه العلماء أن الأرض تتبرّد بالفعل.
لكن عندما قام علماء المناخ بدراسة تأثير زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة المختلفة، توصّلوا إلى نتائج مختلفة، حيث قالوا أن حرارة الأرض سترتفع مع استمرارنا في حرق الوقود الأحفوري. فعلى سبيل المثال، نشر العالمان «سيوكور مانابي» و«ريتشارد ويثرلاند» بحثهما المثير عام 1967 بعنوان «توازن الغلاف الجوي الحراري عند نسبةِ توزّعٍ معينة من الرطوبة الجوية»، وخَلص بحثهما إلى أنّ تضاعف نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون يمكن أن تؤدي لارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية. وقد اُستشهد بهذه الدراسة أكثر من 1700 مرّة، واُعتبرت أول دراسة رئيسية مؤثرة تنبأت بالاحتباس الحراري.
لقد كانت نماذج تلك الأيام أبسط بكثير من نماذج هذه الأيام. حيث افتقدت لحساب الكثير من الفروق الدقيقة التي يمكن أن تنتج عن تأثير تفاعل المحيطات والجليد والغلاف الجوي، مع زيادة الانبعاثات في الغلاف الجوي. وقد قال بعض منكري التغير المناخي، الذين يريدون دائماً زرع الشك فيها، أنّ هذه النماذج المناخية القديمة فشلت في مطابقة الواقع، لأن درجات الحرارة التي توقعتها أعلى مما هي عليه في الواقع.
إلا أنّ تحليلاً جديداً لتلك النماذج القديمة يرى أن العكس صحيحٌ تماماً. فتلك النماذج، بالرغم من بساطتها نسبياً، قامت بالفعل بعملٍ رائعٍ في التنبؤ بكيفية احترار الأرض في المستقبل. يقول «زيك هاوزفاذر»، محلل أنظمة الطاقة بجامعة كاليفورنيا، بيركلي: «لقد مللنا أنا وزملائي المشاركين من روايات المشككين -سواء بكتاباتهم على المدوّنات أو ما نسمعه من شهاداتٍ في الكونغرس وما إلى ذلك- التي تقول أن النماذج المناخية تبالغ في تقديراتها لارتفاع درجة الحرارة دائماً. لقد تبيّن أن أحداً منهم لم يكلّف نفسه عناء البحث في كيف كان أداء هذه النماذج بعد نشرها».
يقول هاوزفاذر أنه بالرغم من وجود تقييمٍ سابق لأداء النماذج الفردي، إلا أن فريقه قد يكون أول من يقوم بتقييم عينةٍ أكبر من هذه النماذج بطريقةٍ منهجية. شملت دراسة فريق هاوزفاذر تقييم أداء 17 نموذجاً مناخياً نُشرت بين عامي 1970 و 2007، وتضمنّت النماذج المناخية التي صممها العالمان «مانابي» و«جيمس هانسن» والمنشورة في حقبة السبعينيات والثمانينيات، بالإضافة إلى تقارير اللجنة الدولية لشؤون التغير المناخي التابعة للأمم المتحدة.
كان أداء النماذج جيداً عند المقارنة بين تنبؤاتها والواقع. حيث تطابقت مخرجات 10 نماذج مع درجات الحرارة المرصودة، مما يعني أن متوسّط، مما يعني أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض التي تنبّأت بها في سنةٍ معينة كانت مقاربة لدرجة الحرارة التي سجلناها فعلاً. بينما تنبأت 4 من النماذج السابقة الباقية بارتفاع درجة الحرارة أكثر من الواقع الفعلي، و3 نماذج تنبأت بدرجات حرارةٍ أقل.
ومع ذلك، يشير هاوفاذر إلى أنّ إجراء مقارنةٍ أساسية بالنسبة لدرجة الحرارة والوقت لا ينصف علماء المناخ أولئك. من المهم أن ندرك أنه ليس على النماذج المناخية فقط أن تتنبأ بكيفية عمل تفاعل غازات الدفيئة في الغلاف الجوي فقط، بل بتأثير قرارات البشر أيضاً.
كان على الباحثين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أن يبذلوا جهداً كبيراً لتخمين كمية غازات الدفيئة، والتي سينفثها البشر في الجو في المستقبل. لكن هاوزفاذر يلاحظ أن هذه التخمينات من المحتمل أنها كانت تعتمد على أساس افتراض أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ستزيد بمعدّل 1% سنوياً. ويضيف قائلاً: «أما الآن، فلدينا هذا الكم الهائل من أنظمة إنتاج الطاقة، والتي يستخدمها منظموا النماذج لتشغيل النماذج المناخية، لكّن هذه الظروف لم تكن موجودةً في السبعينيات والثمانينات».
ونظراً لأن بعض النماذج المناخية فشلت في التنبؤ بكمية انبعاثات الكربون المستقبلية بدقة، فقد بالغت في تقدير درجة الحرارة المُتوقعة أيضاً. قد لا يكون سبب مبالغتها بتنبؤاتها عائداً إلى خطأٍ في النمذجة، وإنما بسبب عدم قدرتها على نمذجة السلوك البشري المستقبلي، لذلك أجرى هاوزفاذر تحليلاً ثانياً لأخذ هذا العامل بعين الإعتبار. فبدلاً من مقارنة درجة الحرارة في زمنٍ معين، قام وفريقه بدراسة مدّى جودة النماذج المناخية في التنبؤ بدرجة الحرارة اعتماداً على التأثير الإشعاعي، وهو الفرق بين طاقة أشعة الشمس القادمة عبر الغلاف الجوي، وطاقة الحرارة والأشعة المنعكسة منه، أو مجموع انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
وجد هاوزفاذر عند استخدام هذه الطريقة أن تنبؤات 14 نموذجاً من أصل 17 كانت دقيقةً إلى حدٍ كبير. يقول «أندرو جنتلمان»، عالم المناخ في المركز الوطني وغير المشارك في الدراسة: «تؤكّد الدراسة أن مقاربة النماذج المناخية كانت حِرفيةً، حتى بالنماذج بالنسبة للنماذج المناخية الأقدم والبسيطة. نأمل أن تزيد مثل هذه الدراسات الثقةَ في نهج النماذج المناخية».
ربما وجد علماء المناخ صعوبةً كبيرة في التنبؤ بكمية الوقود الأحفوري الذي سيستهلكه الإنسان في المستقبل، أو بالسياسات التي سنشرّعها، لكنهم نجحوا بتضمين المبادئ الأساسية لفيزياء الاحترار المناخي في نماذجهم. فقد وجد هاوزفاذر -في مقارنته من خلال التركيز على افتراضات النماذج التي أظهرت كيف ستتصرف غازات الدفيئة في الغلاف الجوي-، أنّ أداء معظم النماذج كان جيداً بالرغم من افتقادها للكثير من المعلومات المتعلّقة بالعمليات الأرضية.
أما اليوم، فقد باتت النماذج المناخية تتوقع درجات الحرارة في المستقبل بشكلٍ أكثر دقّة، ويمكنها أن تشتمل على العديد من مختلف التأثيرات الدقيقة لزيادة غازات الدفيئة، بما في ذلك حالات الطقس الأكثر تطرّفاً، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتغير في معدلات الأمطار المتوقعة. قد يكون التنبؤ الدقيق بمثل هذه الآثار أكثر تحدياً وصعوبة، لكن فيزياء غازات الدفيئة ودرجة الحرارة راسخةٌ منذ زمنٍ طويل، حيث يقول هاوزفاذر إن التنبؤ بدرجة الحرارة هو أمرٌ سهلٌ للغاية على النماذج المناخية. وتؤكّد الدراسة على أن سهولة التنبؤ لدى تلك النماذج القديمة يعود إلى أنها تتبع قوانين الفيزياء، وتشكّل أساساً قوياً في التنبؤ بالتغيرات المناخية. يقول هاوزفاذر: «إذا أثبتت النماذج المناخية القديمة بعد مرور 50 عاماً أنّها صحيحية إلى حدٍّ كبير، فذلك يمنحنا ثقةً أكبر في أنّ النماذج الحديثة الأكثر تعقيداً تعتمد منهجاً صحيحاً أيضاً، وربما توفّر لنا نافذةً واسعةً للاطلاع على كيف سيتطور المناخ في المستقبل».