قلة المياه تعزز احتمال وقوع أحداث العنف

4 دقائق
أحد رعاة الماشية في أرض قاحلة في تنزانيا

يعتمد البقاء البشري على إمكانية الوصول إلى المياه، حيث تحافظ المياه على الأجسام الحية وتغذي الأرض. وقد شنت الحروب بسبب المياه، والتي تسمى أحياناً "الذهب الأزرق" على مدى قرون، لذلك ليس من المستغرب أن الجفاف طويل الأمد يجعل المجتمعات غير مستقرة.

عندما يضرب الجفاف جزءاً معيناً من العالم -وخاصة في البلدان النامية- ينخفض ​​الإنتاج الزراعي، وينخفض ​​الدخل، ويصعب الحصول على الغذاء، وترتفع الأسعار. كل هذا يزيد من احتمالات الشغب. وسيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الجفاف في المناطق القاحلة أصلاً، خاصة في فصل الصيف، ومن المرجح أن يؤدي إلى المزيد من العنف.

يقول جيريمي لوتشيتي، أستاذ الاقتصاد في جامعة جنيف، ومؤلف دراسة حديثة توثق العلاقة بين الجفاف وأعمال الشغب: "ليس مستغرباً أن تساهم أعمال الشغب بسبب المياه في نشوب صراعات أهلية شاملة، وهذا بالطبع له انعكاسات على الأمن الدولي".

ويضيف: "يمكننا أن نتوقع زيادة العنف المرتبط بندرة المياه إذا لم يتم تطبيق سياسات تهدف إلى التخفيف من تأثير تغير المناخ". وقد يعني ذلك زراعة محاصيل مقاومة للجفاف، والاستثمار في الري، أو تطوير أدوات تساعد التربة على الاحتفاظ بالماء.

أطفال يحملون المياه على دراجاتهم في أوغندا
حقوق الصورة: بيكساباي

واستشهد لوشيتي بعدة حالات - مأخوذة من معهد المحيط الهادي وهيومان رايتس ووتش- عن أعمال شغب بسبب المياه في الدول الإفريقية في السنوات الأخيرة.

تنزانيا، 2012: اندلع العنف بين المزارعين والرعاة في وادي روفيجي جنوب شرق البلاد، وهي منطقة أصابها الجفاف بشدة. يقول لوشيتي" "قُتل أحد المزارعين في نزاع مع أحد الرعاة على الحصول على المياه في منطقتي ليندي ومتوارا الجنوبيتين. كما قُتل خمسة أشخاص وأصيب عدد آخر بجروح في أعمال عنف. ووفقاً للمصادر المحلية، تفاقمت أعمال العنف خلال الجفاف طويل الأمد".

كينيا، 2103: أدى قتال بين رعاة بورانا ومزارعي بورجي إلى قتل ما لا يقل عن 56 شخصاً. وكان الصراع متأصلاً في منافسات العشائر التاريخية التي تفاقمت بسبب المنافسة على المياه والأراضي في المنطقة القاحلة. يقول لوشيتي: "إن الاشتباكات بين الطائفتين تعود الى الستينيات، وتتعلق بنزاعات حول استخدام السلطة السياسية للسيطرة على المياه والأرض الخصبة".

نيجيريا، 2014:
قتلت أعمال الشغب بين المزارعين والرعاة أكثر من ألف شخص. يقول لوشيتي: "إن جذور هذا العنف هي قضية الوصول إلى الأراضي والموارد المائية".

ومما لا شك فيه أن الوضع هش جداً في أماكن مثل إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط والهند والصين وأماكن أخرى، في حين أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة قد نجت من هذا الوضع. لكن هذا قد يتغير. ويقول لوشيتي: "إن ندرة المياه تخلق توترات في الدول الصناعية، حتى لو كانت البنى التحتية والمؤسسات الأكثر تطوراً تسمح لها بفصل العلاقة بين ندرة المياه والاضطرابات الواسعة النطاق".

ويعتقد أن هذا البحث المنشور في دورية "الاقتصاد البيئي والإدارة"، هو أول بحث يحدد ما كان العلماء يفترضونه منذ فترة طويلة، وهو العلاقة بين الجفاف وأعمال الشغب. ويقول لوشيتي إنه و بالرغم من أن الجفاف له تأثير كبير، فإنه ليس المؤثر الوحيد. ويضيف: "إن المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخلق التوتر هي عوامل مهمة. والجفاف هو بمثابة الزيت الذي يصب فوق النيران المشتعلة بالفعل".

تظهر هذه الخريطة مؤشر الجفاف في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في 30 سبتمبر 2017.تعاني المناطق الحمراء من الجفاف الشديد
حقوق الصورة: هيئة رصد الفيضانات والجفاف في إفريقيا

درس العلماء والمتعاونون من جامعة جنيف وجامعة لوسيرن وجامعة هايدلبورج ما يقرب من 1800 حالة شغب تكشفت على مدى عقدين من الزمن، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولاحظوا وجود علاقة منتظمة بين فقدان المياه المفاجئ واندلاع الاضطرابات.

يقول لوشيتي: "إن إفريقيا جنوب الصحراء معرضة بشكل خاص للظروف المناخية الجافة غير العادية، حيث تعتمد نسبة 95 فى المائة من المحاصيل المزروعة على الأمطار، بينما يوجد 5 في المائة فقط من جميع الأراضى المزروعة مناسبة للري."

وعلاوة على ذلك، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة حول التنمية المائية في العالم، فإن 340 مليون شخص يفتقرون إلى مياه الشرب النظيفة. وبالتالي فإن الظروف الجوية الجافة غير المعتادة يمكن أن تزيد وتيرة المنافسة على الحصول على المياه، وبالتالي تؤدي إلى نشوب نزاعات".

ويقول الباحثون إن معظم البيانات عن ندرة المياه وأعمال الشغب قد تم تجميعها حتى الآن من أجل تأسيس هذه العلاقة، حتى عند دراسة معدل الأمطار السنوية لكل بلد مع تصاعد العنف. وكان جزء من المشكلة هو أن البيانات لم تشمل كمية المياه التي يحتاجها السكان بالفعل، كما أنه لم يكن من السهل دراسة أعمال الشغب التي تميل إلى أن تكون محلية، وعادة ما تكون أقصر وأكثر انفجاراً من الصراعات الأهلية. ويقول العلماء إن كل نزاع يتطلب دراسة أكثر تفصيلاً بحسب المنطقة والمناخ والسكان.

وقد قام الباحثون بتحليل الظروف في 43 بلداً من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى التي لا يقل عدد سكانها عن مليون نسمة، وذلك باستخدام مؤشر الجفاف الذي وضعه علماء المياه، والذي يقيس هطول الأمطار في شهر معين فوق منطقة ما، ويطرح كمية المياه المفقودة بالتبخر. ثم قاموا بإحالة هذه البيانات إلى مراجعها من قاعدة بيانات تحليل النزاعات الاجتماعية، والتي تسرد تفاصيل 1800 حادثة شغب بين عامي 1990 و 2011.

ويقول لوشيتي أنه فى بعض الحالات قد تشهد منطقة ما الجفاف والصراع معاً، دون أن يكون أحدها سبباً للآخر. ويضيف: "قد تتسبب المجموعات المتمردة، على سبيل المثال، والتي تتخذ مواقع خارج العاصمة في منطقة صحراوية، بأعمال شغب دون أن تكون هناك علاقة مباشرة مع الجفاف في تلك المنطقة".

ووجد الباحثون أن الجفاف يزيد من احتمالية حدوث أعمال شغب بنسبة 10 في المائة خلال شهر معين، وذلك بحسب إذا كان الجفاف يصيب صحراء أو أرضاً عشبية، وبغض النظر عن قربه من المدينة. يقول لوشيتي: "لكن إذا أردت الرجوع إلى عوامل جغرافية واجتماعية أخرى، فإن هذه النسبة ترتفع بشكل كبير. وفي الواقع، هناك ثلاثة عناصر رئيسية تلعب دوراً رائداً في احتمالات وقوع أعمال شغب ذات صلة بالجفاف".

الكثافة السكانية: تحتاج المناطق الأكثر كثافة سكانية إلى مزيد من المياه. ويؤدي نقص المياه في المناطق المأهولة بالسكان إلى ارتفاع خطر حدوث أعمال شغب بنسبة 50 في المائة.

القرب من البحيرات والأنهار: في المناطق التي لا توجد فيها بحيرات أو أنهار، يزيد الجفاف من خطر نشوب الصراعات بنسبة 100 في المئة.

التوترات العرقية: عندما تتشارك مجموعات عرقية مختلفة نفس مصدر المياه، يزيد الجفاف من خطر نشوب الصراعات بنسبة 100 في المئة.

ووجد العلماء أيضاً أن الصراعات المتصلة بالجفاف كثيراً ما تحدث في نفس الشهر الذي بدأ فيه نقص المياه. يقول لوشيتي: "علينا الآن أن نستخدم هذه البيانات لدراسة تفصيلية للآليات التي يمكن أن تضعها المؤسسات السياسية لتجنب أعمال الشغب، مثل إقامة نظم إعادة التوزيع في المناطق المتضررة من الجفاف".

المحتوى محمي