لآلاف السنين ظلَّت دراسة النبات ترتبط بالأرض –مثل النباتات تماماً– بجذورٍ قوية، لكن بدأ هذا العِلم مؤخراً في التحليق في آفاق السماء.
ففي الأسبوع الماضي، أعلن باحثون في المعهد القومي للنباتات الاستوائية بجزيرة «كاواي» عن اكتشافهم لبعض العينات الحية من زهور «هيبيسكاديلفَس وودي - Hibiscadelphus woodii» التي أعلِن عن انقراضها -بتعجُّلٍ بات واضحاً- عام 2016. الاكتشاف لم ترصده أعين علماء يمشون على الأرض، بل عين طائرة مسيّرة بدون طيار (درُون) من الجو. فهذه الزهور -التي تشبه وتمتُّ بصلة قرابة إلى زهور العنَّاب أو الكركديه المعروفة- تستوطن وادي «كالالاو»، الذي يُعد بكل المقاييس مُعادِلاً حقيقياً في هاواي لجبال «الجنون الخيالية».
اكتُشفَت هذه الزهرة المصوَّرة أعلاه -بصُفرتها الصارخة المميزة التي تأخذ مع التقدُّم في العُمر درجات داكنة أكثر- عام 1991 على يد عالِم الأحياء «كين وود» المتخصص في شئون الحياة النباتية في جزر المحيط الهادي، والذي أطلق عليها اسمها العلمي الذي يعني بلغة هاواي «جبال وود الجليدية». ومنذ اكتشاف هذه الزهور وأشباح الفناء تترصدها؛ من فقدان بيئتها الطبيعية، واجتياح الأنواع المُغيرة، وتهديدات الأمراض، وإزعاج البشر. هذه المنغّصات التي صارت اليوم تضيّق خناقها حول معظم أنواع الكائنات الحية على كوكبنا، لكنها تتحول –في حالة نوع مثل هذه الزهور لا يقطن من الأرض كلها سوى بقعة جغرافية واحدة محدودة– إلى أسباب انقراضٍ محتوم. وهذا ما ظنَّه العلماء بالفعل بعد رؤية آخر زهرة حية من هذا النوع عام 2009، فأعلنوا انقراضها في عام 2016.
لكن ما كشفته لنا عين الدرون أن هذا النوع لم ينقرض بعد –لحسن الحظ– وإنما كان محتجباً عن عيوننا فقط.
وفي عام 2016 نفسه، استعان المعهد القومي للنباتات الاستوائية بخبير الدرون «بِن نيبرج» لمساعدة العلماء المغامرين (من أمثال كين وود) الذين يخاطرون كثيراً بأرواحهم في تسلّق منحدرات مخيفة، والغوص داخل غاباتٍ كثيفة ونائية في مساعيهم للحفاظ على الحياة النباتية. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، نقلت ناشيونال جيوجرافيك عن نيبرج، وبعد الاستعانة بأحدث تقنيات المسح مع القليل من الحدس، حمل الدرون إليه صوراً لما بدا وكأنه نبات حي من نوع «هيبيسكاديلفَس وودي». وفي الشهر التالي مباشرةً، كان وود يشق طريقه في المرتفعات الوعرة بصحبة نيبرج، حسبما نقلت دورية كوارتز، حتى وصلا إلى أخدود شديد العمق وصعب الاختراق، حيث استعانا عندئذٍ بالدرون الذي نقل إلى شاشاتهما ما كانا يتطلعان إلى رؤيته بشدة: صورة النبات الذي أفلَت من قبضة الانقراض.
الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يعود فيها نوع تم إعلان انقراضه للظهور مجدداً. ففي هذه السنة نفسها عثر باحثون في جزيرة «مولوكاس» الشمالية الإندونيسية على نحل «ميجاتشيلي بلوتو - Megachile pluto» حياً، وهو أكبر أنواع النحل على الأرض، حيث كان يُعتقد أنه نوع منقرض، كما عُثر كذلك على سلحفاة أنثى من نوع «كيلونويديس فانتاستيكَس - Chelonoidis phantasticus»، وهي سلاحف عملاقة كان يُفترض أنها منقرضة منذ قرن كامل. هذا غير الأنباء الطيبة عن العثور أخيراً على «جولييت» من أجل «روميو» الذي كان يُعتقد أنه الضفدع الأخير على الأرض من ضفادع «سِيونكاس - Sehuencas» المائية. وسط هذه الباقة من الأخبار السارة، تعود تلك الزهور لتضيء بصُفرتها الذهبية بعض ظلام عالمنا الطبيعي، الذي صار يخلو من روائعه كل يوم.