من المحتمل أن ممارسات منظمة فيرا (Verra)، وهي الجهة الرائدة عالمياً المزودة للتعويضات الكربونية الخاصة بالغابات والمثيرة للجدل، والتي تستخدمها عدة شركات كبرى مثل شل (Shell) وديزني (Disney)، تتسبب في تفاقم أزمة المناخ العالمية. أُصدرت هذه النتائج الجديدة بعد أشهر من تحقيق أجري مؤخراً من قِبل صحيفة الغارديان (The Guardian) وصحيفة دي تسايت (Die Zeit) الألمانية، بالإضافة إلى المؤسسة الصحفية غير الربحية سورس ماتيريال (SourceMaterial)، وهي تزيد الشك الذي أثير من قبل حول سوق تعويضات الانبعاثات الطوعية الذي بلغت قيمته ملياري دولار أميركي عام 2021.
كيف يتم الاعتماد على تعويضات الكربون لتحقيق الأهداف البيئية؟
تعتمد مختلف الشركات بشكل متزايد على تعويضات الكربون لتحقيق الأهداف البيئية التي أعلنت عنها، والتي تتمثل في تحقيق توازن بين كمية الانبعاثات الناجمة عنها وكمية الانبعاثات التي تم تجنبها أو تمت إزالتها. لتحقيق هذه الأهداف، تموّل هذه الشركات بعض المشاريع مثل إعادة التشجير المداري، ثم تستخدم الحسابات المعقّدة التي تجريها المصادر مثل منظمة فيرا لتحديد مدى موازنة استثماراتها الصديقة للبيئة للانبعاثات الناجمة عنها.
على الرغم من أنه تم الترويج لقطاع تعويض الكربون بشكل متكرر من قِبل بعض من أكبر الشركات في العالم بهدف طمأنة المستهلكين أن مشترياتهم واستثماراتهم لا تسهم في مفاقمة التلوث البيئي، بيّنت دراسات عدة أن هذا القطاع يتسبب في عواقب إشكالية ومضللة قد تكون ضارة في الكثير من الأحيان.
أرصدة وهمية
وفقاً لنتائج العديد من الدراسات التي استشهدت بها صحيفة الغارديان، تعتبر نسبة تتجاوز 90% من أرصدة التعويض الخاصة بالغابات المطيرة، والتي تعتبر الأرصدة الأكثر شيوعاً التي تقدّمها منظمة فيرا، "أرصدة وهمية" في الواقع. لا تؤدي هذه الأرصدة إلى "تخفيضات حقيقية لنسب الكربون".
في الواقع، وجدت إحدى الدراسات أن عدد المشاريع المعتمدة من قِبل منظمة فيرا والتي لم يكن لها تأثير إيجابي فعلي في المناخ يبلغ 21 مشروعاً من أصل 29. من ناحية أخرى، كانت تأثيرات 7 مشاريع من تلك المعتمدة من قِبل المنظمة أقل من توقعات خبراء المنظمة بنسبة تصل إلى 98%.
بالإضافة إلى ذلك، تمتع مشروع واحد فقط بتأثيرات أكبر مما يُدّعى بنسبة 80%. في دراسة أخرى أجريت من قبل فريق من جامعة كامبريدج على 40 مشروعاً من مشاريع منظمة فيرا، وجد الباحثون أن ثلاثة أرباع إجمالي مساحة المناطق المحمية والمعاد تشجيرها تمت إعادة تشجيرها بواسطة تطبيق 4 مشاريع فقط.
اقرأ أيضاً: قادة العالم يعدون بإيقاف إزالة الغابات فهل هذا ممكن حقاً؟
ما الذي يعيق تحقيق النتائج المخطط لها في سوق التعويضات الكربونية؟
يشير النقاد والخبراء إلى أن المعايير غير المتسقة والمعقدة بشكل كبير والمتقلبة بشكل متكرر في سوق التعويضات الكربونية هي من العوامل التي تعوق تحقيق نتائج ترميمية مجدية.
قال أستاذ علوم الأنظمة البيئية في جامعة أوكسفورد، يادفيندر سينغ مالهي (Yadvinder Singh Malhi)، لصحيفة الغارديان: "تسلّط الدراسة الجديدة الضوء على المشكلة الرئيسية المتمثلة في التمكّن من التخفيف من آثار التغير المناخي من خلال تطبيق [مشاريع التعويضات في الغابات]"، والتي تحمل اسم مشاريع تخفيض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD+). يضيف مالهي قائلاً: "من المحتمل أن هذه المشاريع حققت الكثير من الفوائد من ناحية القدرة على الحفاظ على التنوع الحيوي وحماية المجتمعات المحلية. ولكن للأسف، فإن آثارها في التغيّر المناخي -وهي الفكرة التي صممت لأجلها في المقام الأول- أقل بكثير مما أملنا".
اقرأ أيضاً: هل أهداف اتفاقية باريس للمناخ كافية للحد من تأثير التغيّر المناخي؟
تعتبر النتائج الجديدة مقلقة بشكل خاص من ناحية أنها تبين أن الشركات التي تدّعي إحراز التقدم تجاه تحقيق أهدافها، والتي تتمثل في الوصول إلى توازن بين كمية الانبعاثات الناجمة عنها وكمية الانبعاثات التي تم تجنبها أو تمت إزالتها، تعاني من الفشل في الواقع. على الرغم من أن بعض الشركات المذكورة في التحقيق قالت إنها ستبحث أكثر في التفاوتات بين ما تدّعيه منظمات مثل فيرا وما يحدث على أرض الواقع، أو ستتخلى عن آلية تعويضات الكربون مقابل اتباع استراتيجيات أخرى صديقة للبيئية، يبدو أن الشركات مثل شل تعزز التزامها بمنهجيات منظمة فيرا وعروضها. من ناحيتها، شككت هذه المنظمة في البيانات الواردة في التحقيق، وذلك وفقاً للردود التي أبلغت عنها صحيفة الغارديان.