على الرغم من سلسلة العواصف المطيرة المدمرة في شهري ديسمبر/ كانون الأول عام 2022 ويناير/ كانون الثاني عام 2023، تستمر معاناة العديد من مناطق غرب الولايات المتحدة من الجفاف. الولايات المتحدة ليست وحدها، إذ يواجه العديد من البلدان ظروف الجفاف الشاذة أيضاً بسبب الاحتباس الحراري الناجم عن النشاط البشري.
موسم شحيح الأمطار سببه التغير المناخي وظاهرة النينيا
من المتوقع أن يكون هذا الربيع سادس موسم شحيح الأمطار على التوالي يشهده الجزء الشرقي من القرن الإفريقي الذي يضم الصومال وإثيوبيا وكينيا، ما سيفاقم أشد موجة جفاف تشهدها المنطقة منذ 4 عقود. (تشهد هذه المنطقة عادة موسمين ممطرين في السنة، ويمتدان من مارس/ آذار إلى مايو/ أيار ومن أكتوبر/ تشرين الأول إلى ديسمبر/ كانون الأول).
اقرأ أيضاً: ما تأثير التغيّر المناخي في حدثي إل نينيو ولا نينيا الجويين؟
يتمثل السبب الأساسي لجفاف شرق إفريقيا في مزيج من درجات الحرارة المرتفعة التي تغير المناخ وظاهرة طقسية تُسمى النينيا (La Niña). لظاهرة النينيا القدرة على تغيير أنماط الطقس مؤقتاً على مستوى العالم، والتسبب بزيادة هطول الأمطار في أماكن مثل إندونيسيا وأستراليا، مع تقليل كمية الأمطار في شرق إفريقيا.
في أغسطس/ آب عام 2022، توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة (WMO) حدوث ظاهرة النينيا للمرة الثالثة على التوالي، وهو أمر نادر. وأوضحت المنظمة أن ظاهرة النينيا هي على الأرجح سبب موجات الجفاف المتفاقمة في القرن الإفريقي وجنوب أميركا الجنوبية، وهطول الأمطار الفيضانية في مناطق مثل جنوب شرق آسيا وأستراليا.
يقول الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، في بيان صحفي: "تؤكد المعلومات الجديدة عن ظاهرة النينيا للأسف التوقعات المناخية الإقليمية بتفاقم الجفاف المدمر في القرن الإفريقي الذي سيهدد ملايين الأشخاص"،
انعدام الأمن الغذائي بسبب ظاهرة النينيا
كما أشار تقرير منفصل للمنظمة صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022 إلى أن ظروف ظاهرة النينيا مستمرة.
تسبب الجفاف في اتساع نطاق أزمة انعدام الأمن الغذائي، حيث دفع بالصومال إلى حافة المجاعة، وأجبر أكثر من 1.3 مليون شخص فيها على ترك مزارعهم والبحث عن الطعام في أماكن أخرى. في كينيا، ربط خبراء الأرصاد الجوية الأزمة بالتغير المناخي.
يقول المدير السابق لوكالة الطقس الكينية ووكالة الطقس التابعة للأمم المتحدة، إيفانز موكولوي، في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس: "حان الوقت لدمج التغير المناخي في خططنا التنموية. لقد حذرنا منذ عدة سنوات من موجة الجفاف الحالية، والتي تؤدي إلى تداعيات أوسع نطاقاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، بما فيها السلام والأمن والاستقرار السياسي".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تؤدي الفيضانات إلى انعدام الأمن الغذائي؟
تسببت ظاهرة النينيا المناخية الحالية بحدوث موجات الجفاف في العديد من بلدان أميركا الجنوبية. منذ عام 2019، تعاني المنطقة الوسطى من القارة ظروف الجفاف التي أدت إلى إعلان الأوروغواي حالة الطوارئ الزراعية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022. كما ضرب الجفاف الشديد الأرجنتين وأضرّ بمحاصيل فول الصويا والذرة والقمح. تعد الأرجنتين أكبر مصدّر لزيت الصويا والدقيق وثالث أكبر مصدّر للذرة في العالم، وتسببت ظروف الجفاف في انخفاض كميات المحاصيل المتوقعة بحدة، وكان الجفاف في وسط الأرجنتين عام 2022 هو الأسوأ على الإطلاق منذ عام 1960.
درجات الحرارة المرتفعة تفاقم الوضع أيضاً
أعد علماء من مبادرة تقييم المناخ العالمي (World Weather Attribution - WWA) تقريراً سريعاً حول الجفاف، وخلصوا إلى أن التغير المناخي لا يقلل بصورة مباشرة هطول الأمطار وسط القارة الأميركية، ولكن من المحتمل أن تكون درجات الحرارة المرتفعة سبب تفاقم ظروف الجفاف القائمة بالأصل. شهدت الأرجنتين والدول المحيطة موجة حارة أدت سريعاً إلى تبخر جزءٍ من الهاطل المطري الذي سقط في شهر يناير/ كانون الثاني وأوائل الشهر الحالي.
وقالت مبادرة تقييم المناخ العالمي في تقريرها إن ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة أواخر عام 2022، والمرتبط بتغير المناخ، أدى إلى انخفاض توافر المياه في نماذج التحليل المناخي، وإنه من المحتمل أن يكون التغير المناخي مسؤولاً عن انخفاض توافر المياه في هذه الفترة، ما أدى لزيادة الجفاف الزراعي، لكن الدراسة لم تستطع قياس هذا التأثير.
تستخدم مبادرة تحليل المناخ العالمي الأرصاد والنماذج المناخية للتحقق من تأثير عوامل التغير المناخي في الظواهر الجوية المتطرفة ومقارنة الوضع الراهن بما حدث في الماضي.