كيف كانت المياه أداةً وسبباً في الصراعات البشرية؟

4 دقائق
من روما وحتى لوس أنجلوس في القرن العشرين

منذ زمن طويل والبشر يتقاتلون على المياه، ويستخدمونها كذلك سلاحاً ضد أعدائهم، فيسمّمون مياههم أو يغرقونهم أو يعطشونهم إلى حدّ يجبرهم على الاستسلام.

595 – 585 ق.م: العصبة الأمفكتيونية ضد مدينة كيرا

كان يتعين على الحجاج الوافدين إلى معبد دلفي، لزيارة عرافته الشهيرة، أن يمروا بمدينة كيرا الساحلية؛ وكثيراً ما كانوا يتعرضون للسطو على أيدي اللصوص في تلك المدينة. ولوضع حد لتلك الهجمات، شكّلت القبائل الإغريقية عصبة عملت على ضرب حصار حول المدينة وتسميم مياهها بالخَرْبَق وهي عشبة سامة، مما أمرض سكانها، وظل المرض يتفاقم حتى سقطت المدينة.

51 ق م: الرومان ضد الغال

لإخراج الغال من الأرض التي تُعرف الآن باسم فرنسا، كان على القوات الرومانية شن هجوم على حصنهم الأخير المتبقي على نهر دوردون، فكان الرماة يطلقون السهام على أي غاليّ يحاول الفرار أثناء الحصار. ثم عمد الرومان إلى تجفيف عين كانت تمدّ الحصن بالمياه. وقد استسلم الغال في النهاية بعد أن أنهكهم العطش.

30 م: الرومان ضد اليهود

عندما أقدم بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني على بيت المقدس، على سرقة أموال من أحد المعابد اليهودية لشق قناة مياه، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً، فأرسل بيلاطس جواسيس مسلحين بخناجر مخفيّة، فاندسوا بين الحشود. وقد تمكن هؤلاء من قتل أعداد لا تحصى من اليهود، وقام بيلاطس بشق القناة.

1187 م: المسلمون ضد الصليبيين

بهدف تخليص بيت المقدس من أيدي الصليبيين، أغرى المسلمون الصليبيين بالخروج من المدينة (والابتعاد عن مصدر مضمون للمياه) للهجوم على إحدى القرى الواقعة تحت سيطرتهم. ثم عمد المسلمون بعدئذ إلى الحيلولة دون وصولهم إلى عيون المياه المجاورة، مما لم يترك أمام الصليبيين الذين استبد بهم الظمأ سوى الموت أو الاستسلام أو الفرار. وقد تمكن المسلمون من استعادة السيطرة على مدينة القدس.

1642 م : أسرة مينغ ضد الفلاحين

بحلول عام 1642، كان الغزاة الأجانب والفلاحون المتمردون قد صاروا قاب قوسين أو أدنى من التغلب على حكام أسرة مينغ. وللحيلولة دون استيلاء الفلاحين على إحدى عواصم الدولة، وهي مدينة كايفنغ المطلة على النهر الأصفر، عمد أحد جنرالات أسرة مينغ إلى تحطيم السدود المقامة على امتداد النهر الأصفر، فأدى الفيضان الذي نتج عن ذلك إلى القضاء على المتمردين، ومحو المدينة من الوجود.

1838 - 1844: المستوطنون الكنديون ضد صاحب الطاحونة

أقام صاحب طاحونة سدّاً لتوليد الطاقة الكهربائية في منطقة ليندسي بمدينة أونتاريو، مما أدى إلى غمر المزارع الموجودة في المنطقة وتكاثر الذباب الحامل للملاريا. فشنّ المستوطنون المسلحون هجوماً بالفؤوس والمذاري على السد حتى كادوا يدمرونه. وهنا تدخلت الحكومة، فبنت سدّاً أصغر واستصلحت المزارع للمستوطنين.

1863 : الاتحاد ضد الكونفدرالية

بعد سقوط مدينة فيكسبيرغ بولاية مسيسيبي، وهو ما يُعتبر نقطة تحول كبرى في مسار الحرب الأهلية الأميركية، ساق جنود الكونفدرالية أثناء انسحابهم قطعان الأبقار والأغنام إلى برك المياه العذبة وأطلقوا عليها النار هناك، وهكذا سمموا إمدادات المياه لحرمان جنود الاتحاد الذين يلاحقونهم من الشرب منها.

1924 - 1927 : مكتب لوس أنجلوس للأشغال المائية ضد المزارعين

في عام 1913، بدأت قناة لوس أنجلوس بتحويل مسار المياه بعيداً عن مزارعي وادي أوينز، مما أدى إلى حرمان محاصيلهم من المياه. فعمدت مجموعة من المزارعين بقيادة ولفريد ووترسون وشقيقه مارك إلى تفجير القناة في أماكن مختلفة على مدى ثلاث سنوات، حتى ألقت السلطات القبض على الشقيقين بتهمة الاحتيال والاختلاس.

1964 : الحكومة الكوبية ضد البحرية الأمريكية

بعد احتجاز القوات البحرية الأميركية عدداً من صيادي الأسماك الكوبيين قبالة ساحل ولاية فلوريدا، عمد الرئيس الكوبي فيدل كاسترو إلى قطع المياه العذبة عن القاعدة البحرية الأميركية الواقعة في خليج غوانتانامو، فشرعت البحرية الأميركية في تقنين استهلاك المياه في القاعدة وأنشأت محطة لتحلية مياه البحر لكي تتحرر من اعتمادها على المياه الكوبية.

1962 - 1967 : البرازيل ضد باراغواي

ادعت كل من البرازيل وباراغواي أحقيتهما في تطوير الطاقة الكهرمائية من شلالات غوايرا، التي كانت تقع على الحدود المشتركة بين الدولتين. فأقدمت البرازيل على غزو الموقع واحتلاله لمدة خمس سنوات. وفي عام 1969 وقّع البلدان على معاهدة، ويحصل كلاهما الآن على الكهرباء من سد لتوليد الطاقة الكهرمائية أقيم في اتجاه المنبع، مما أدى إلى القضاء على شلالات غوايرا.

1980 - 1982 : الحكومة الغواتيمالية ضد القرويين

أجبر سد شيكسوي لتوليد الطاقة الكهرمائية الآلاف من أبناء مجتمعات "مايا آشي" على النزوح من أراضيهم، وحين أبدوا مقاومة ضدّ الحكومة وقعت مذابح عديدة على يد القوات الحكومية والميليشيات. وفي هجوم شنته الحكومة، لقيت 177 امرأة وطفلاً حتفهم. وفي عام 2014، حصل الناجون على تعويضات مقدارها 154.5 مليون دولار.

1997 : ماليزيا ضد سنغافورة

أثناء نزاع يتعلق بالسياسات، انتقدت سنغافورة، الدولة الجزيرة التي كانت ذات يوم جزءاً من ماليزيا، الدولة التي كانت من قبلُ صاحبة السيادة عليها (والمصدر الرئيسي لإمدادها بالمياه)، فقررت ماليزيا إغلاق "الصنبور" وحرمان سنغافورة من إمدادات المياه. فعمدت سنغافورة إلى ترشيد استهلاك المياه وإقامة محطات لتحلية مياه البحر بهدف تحقيق استقلال مائي.

2000 : قرصان إنترنت ضد شبكة الصرف الصحي الأسترالية

انتزع أحد قراصنة الإنترنت في ولاية كوينزلاند الأسترالية السيطرة الإلكترونية على شبكة محلية للصرف الصحي، متسلحاً بجهاز كمبيوتر محمول وجهاز إرسال لاسلكي، وأطلق مياه الصرف في الحدائق والمتنزهات والأنهار والمباني، وذلك انتقاماً لعدم حصوله على وظيفة في المجلس المحلي. وقد دفع هذا السلطات بالفعل إلى إعطائه وظيفة جديدة، وهي وظيفة "سجين".

2002 : العصابات الماوية ضد نيبال

أثناء حرب العصابات التي شنها الماويون ضد الحكومة النيبالية، دمّر الماويون العديد من سدود توليد الطاقة الكهرمائية الصغيرة، بل ونسفوا محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية بقدرة 250 كيلوواط، مما أدى إلى قطع الكهرباء عن منطقة بهوجبور (عدد سكانها 6 آلاف نسمة) والمناطق المجاورة. وقد استغرق إصلاح هذه الأضرار ستة أشهر، وأمَّا الحرب فدامت أربع سنوات أخرى.

2016 : قبيلة ستاندينغ روك سو ضد شركة إنرجي ترانسفير بارتنرز

في ربيع عام 2016، أقام أفراد قبيلة ستاندينغ روك سو مخيم اعتصام للحيلولة دون إنشاء خط أنابيب نفطي يعبر نهر ميسوري، مهدداً بذلك سيادتهم وأمن إمداداتهم المائية. وفي ديسمبر من ذلك العام، تم تعليق المشروع في انتظار إجراء مراجعة بيئية.

نشر هذا المقال في عدد مارس/ أبريل 2017 من عدد بوبيولار ساينس. 

المحتوى محمي