حاول العلماء نسج قصة التغير المناخي بشكلٍ مقنع على مدى أكثر من عقدين، لكنهم لم ينجحوا في ذلك.
الأمر لا علاقة له بالحقائق والأرقام. نشر علماء بارزين تقارير كثيرة ومفصلة تصف مقدار التأثير الذي أحدثته أنشطة البشر على الكوكب منذ فجر الثورة الصناعية. يعتقد كثيرون أن التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري -تغيرات المناخ السريعة والبعيدة المدى التي أحدثها البشر- هي القصة التي ستميز القرن الحادي والعشرين عن القرون السابقة، سواء رويت جيداً أم لا.
كذلك، لا علاقة للأمر بنشر هذه الحقائق بين الناس، إذ شهد العقد الماضي اتساع نطاق الأخبار المتعلقة بالتغير المناخي لتغطي مختلف الوسائل والقنوات الممكنة. لهذا الغرض؛ استخدمت الأفلام الوثائقية والكتب والمقالات، والمواقع التفاعلية، وتقنيات الواقع الافتراضي، والتجمعات العامة بطرق مبدعة لحكاية قصة التغير المناخي. استعملت العديد من هذه الوسائل بطرق مبتكرة، واعتمدت على وسائل بصرية وسردية متقنة في محاولة لتجنب الفخاخ الشائعة حول الموضوع، وأوجه القصور التي عطلت الجهود السابقة.
بصفتنا متخصصون في العلاقات العامة بخبرة تفوق عقداً من الزمن قضيناها في تتبع ودراسة كيفية تحدث الناس ووسائل الإعلام والمنظمات عن التغير المناخي، وكيف يقاربون هذا الموضوع، فقد بتنا نفهم أن ثمة مشكلة في كيفية التطرق للتغير المناخي كامنة في صلب القضية.
قضية التغير المناخي قضية غامضة وغريبة ومعقدة، حتى مع تواتر الأحداث الناجمة عن التغير المناخي في أنحاء كثيرة حول العالم. لا يعني هذا أن الجهود الممولة جيداً والموثقة التي تبث المعلومات الخاطئة ومثيرة الشك؛ لا تشكل تحديات حقيقية تواجه خبراء التواصل بشأن التغير المناخي؛ بالطبع تفعل ذلك.
لكن حتى بدون بذل جهود صريحة لإرباك الرأي العام وتقسيمه، يظل التغير المناخي قضية يصعب الحديث عنها بطريقة تحفز العامة على التصدي له، بدلاً من نشر حالة من اليأس بينهم. المفارقة المحزنة، بطبيعة الحال، هي أن قصة التغير المناخي هي في الواقع قصة البشر قاطبة. لقد تسببنا في حدوثه، وسنعاني من تبعاته ويمكننا وحدنا اتخاذ إجراءات لتجنب أسوأ نتائجه.
لكن التركيز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للتغير المناخي عوضاً عن الجوانب العلمية، أثبت أنه أمر في غاية الصعوبة. لا يزال كثير من الناس يعتقدون أن التغير المناخي قضية «بيئية» فقط، وهذا يقف عائقاً أمام أي محاولة لإنشاء حركة اجتماعية مؤثرة قضيتها الأساسية التغير المناخي.
مشاكل إضافية في حل المشكلة الأولى
كان أحد الحلول المقترحة خلال السنوات القليلة الماضية لتجاوز حاجز التواصل حول قضية التغير المناخي؛ هو سرد قصة ما يسمى بـ «المنافع المشتركة لمواجهة التغير المناخي». الفكرة بسيطة وجذابة، تقول: «إذا لم يدعم العامة الإجراءات الساعية لمواجهة التغير المناخي في سبيل إنقاذ المناخ، فربما سيفعلون ذلك إذا أدركوا الفوائد غير البيئية العديدة لخفض انبعاثات الكربون، أي باعتبار التغير المناخي تهديداً للصحة العامة والأمن القومي والتعبئة الاجتماعية».
بالتركيز على الفوائد المشتركة لمواجهة التغير المناخي تصبح القصة كالآتي: إذا قلت انبعاثات الكربون، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وإعادة تجهيز المباني القديمة والبنية التحتية الخضراء، والحلول القائمة على مراعاة الطبيعة؛ فإننا لن نحل مشكلة التغير المناخي فحسب. من شأن اتخاذ هذه الإجراءات أن يقلل من معدل عدم المساواة الاقتصادية، ويحسّن الصحة العامة، ويحد من خطر التهديدات على السيادة الوطنية، ويضمن الاستقرار الجيوسياسي، ويجعل حياة الناس أفضل.
الفوائد المشتركة للعمل الاستباقي الموجه للتصدي للتغير المناخي هي حقيقة، ومن شأنها أن تحسن حياة ملايين من الناس على هذا الكوكب، اليوم وفي المستقبل. لكن هل هذه هي أفضل طريقة للحديث عن قضية التغير المناخي، بقصد إنشاء حركة اجتماعية قوية؟ مشكلة التركيز على الفوائد المشتركة لمواجهة التغير المناخي ليست في أنها تصرف الانتباه عن المشكلة الرئيسية أو تتلاعب بطريقة أو بأخرى في كيفية مقاربة المسألة، أو في عدم أهمية هذه الطريقة المتبعة.
نقترح أن المشكلة تتمثل في التركيز على التغير المناخي باعتباره قضية بيئية وعلمية فقط، بينما نتغاضى عن كل ما يهم الناس، مثل تقليل معدلات اللامساواة، وزيادة فرص الحصول على الرعاية الصحية بأسعار معقولة، وتحسين جوانب الحياة المادية والعاطفية.
رفع شعارات مثل «إذا كنت تهتم بحياة حيوانك الأليف فينبغي أن يكون التغير المناخي أولوية بالنسبة لك»؛ من المحتمل ألا ينجح في جذب الدعم الشعبي لمواجهة هذه المشكلة، إذ نادراً ما يفلح الازدراء في كسب تأييد الناس.
هل المنافع المشتركة حل؟
لكن هذا لا يعني تجاهل المنافع المشتركة، إذ ربما يحتاج الأمر فقط لتغيير بسيط، وذلك بالتركيز على الفوائد غير المناخية للجهود الرامية لإزالة الكربون. ربما ينبغي التعامل مع قضية «التصدي للتغير المناخي» على أنها جزء من المنافع المشتركة، بدلاً من اعتبارها الدافع الرئيسي الذي يمكن أن يحسن حياة مليارات الأشخاص في الحاضر والمستقبل.
في النهاية، ربما يتطلب جذب التأييد العام وحث الناس على المشاركة في مواجهة التغير المناخي نهجاً أكثر فاعلية على المدى الطويل. يعني هذا أن يتوقف مناصرو البيئة عن اعتبار التغير المناخي مشكلة قائمة بذاتها، وأن يركزوا على ربطها بمواضيع أخرى تهم كافة الناس. ربما يحتاج المدافعون عن البيئة إلى إعادة التفكير في قضية التغير المناخي، وتغيير الطريقة التي يتحدثون بها عنها.
ما دام التغير المناخي أصبح الآن سردية كبرى تستنفذ جميع السرديات الأخرى، فربما لا حاجة إلى القول إن إزالة الكربون ستنتج عنه فوائد صحية جمّة، ويحسن حياة الناس. لعل أفضل استراتيجية هي أن نقول ببساطة أن التغير المناخي يشكل خطراً على الصحة وعلى السلام والازدهار، وعلى بقاء البشرية. ربما ينبغي القول إن قصة التغير المناخي هي قصتنا ككائنات حية.
التركيز على المنافع المشتركة ليس هدفه جعل سردية التغير المناخي أكثر قوةً أو جاذبية، بل يتعلق الأمر بدمج المنافع المشتركة والتغير المناخي معاً، بحيث يصبح الحديث عن أحدهما كالحديث عن الآخر.