لا يبالي معظم الناس بالتغير المناخي العالمي.. فهل من مشكلة في ذلك؟

3 دقائق
بالنسبة لشخص باتت حياته مغمورة لفترة طويلة بالحقائق المخيفة عن الاحترار العالمي، فإنه من المثير للعجب احتفاظ كولين بتفاؤلها

وفق استبيان أجراه باحثون في جامعة ييل، فإن 7 من كل 10 أميركيين يعتقدون أن الاحترار العالمي أمر حقيقي ويحدث فعلاً، و6 من كل 10 يعتقدون أنها ظاهرة تؤثر على المناخ في الولايات المتحدة. لكن 1 من كل 3 قالوا إنهم شعروا بآثار الاحترار على مستوى شخصي. وهذا التباين هو الذي أثار انتباه هايدي كولين كبيرة العلماء في مؤسسة "كلايمت سنترال" غير الربحية. تقول كولين: "يستحيل أن تفكر بالأمر كقضية ملحة إلا إذا أدركت أنه يؤثر عليك فعلاً". وتعمل مؤسسة كلايمت سنترال منذ 9 سنوات كمركز للأبحاث وكمنبر إعلامي مختص بالمجال المناخي، وهو مزيج فريد من نوعه بين العلوم والإعلام، في محاولة من القائمين على المؤسسة لزيادة الوعي بمسألة التغير المناخي وكيفية تأثيرها على حياتهم.

وتحدد المؤسسة في مشروعها الأخير (World Weather Attribution) روابط مباشرة بين الظروف المناخية المتطرفة والاحترار العالمي. وقد أنشأت كولين وفريقها برنامجاً بعد أن أدركت أنه وبالرغم من تطور الأدوات التي تساعد في نسب هذه الأحداث إلى الاحترار العالمي، إلا أن النتائج كانت تظهر بعد وقت طويل من انقضاء تلك الظروف الجوية، مما يفقدها قدرتها على التأثير في الرأي العام حول القضية. كما كانت كولين قلقة من أن وسائل الإعلام التي تتناول الظروف الجوية القاسية كانت تعتمد على معلومات قديمة أيضاً فتسمع بعضها يقول إنه لا يمكن ربط أي ظروف جوية بظاهرة التغير المناخي.

إلا أن كولين تخبرنا بأن "الأساليب المناسبة قد باتت متوفرة"، ومن هنا انطلقت من أجل تقديم إجابات موضوعية، وعلى وجه السرعة. فقد جمع الباحثون من مؤسسة كلايمت سنترال وغيرها من المؤسسات العالمية معلومات من النماذج المناخية، وملاحظات على أرض الواقع، بالإضافة إلى أبحاث خضعت للتحكيم العلمي المتخصص، من أجل تقديم الأدلة التي تدعم التقارير التي يعملون عليها. وقد استنتجت كولين وفريقها مؤخراً أن الاحترار العالمي قد جعل حدوث ارتفاع درجات الحرارة الكبير في فبراير 2017 في الولايات المتحدة مرجحاً بثلاثة أضعاف.

إن ربط العلم بحياة الناس اليومية أمر لا غنى عنه بالنسبة لكولين، لكن البداية لم تكن سهلة. ففي العام 2002، وحين كانت تجري أبحاثاً تنبؤية حول حالات الجفاف في المركز الوطني للأبحاث المناخية في مدينة بولدر في كولورادو تلقت اتصالاً هاتفياً من قناة "ويزر تشانيل" (Weather Channel) المختصة بأخبار الطقس، وكان القائمون عليها يودون استضافة خبير مناخي للحديث في برنامج تلفازي مباشر. لقد حصل ذلك قبل صدور الفيلم الوثائقي "حقيقة مزعجة" (An Inconvenient Truth)، وفي فترة كان الأميركيون بالكاد يعرفون عن مسألة الاحترار العالمي. تقول كولين: "بدا الأمر لي فرصة في غاية الأهمية"، فاستعدّت للسفر وتوجهت إلى أتلانتا.

"يستحيل أن تفكر بالأمر كقضية ملحة، إلا إذا أدركت أنه يؤثر عليك فعلاً"

وصلت كولين إلى مقر القناة، وكانت مبتدئة بكل معنى الكلمة في مجال التواصل الإعلامي، ولم تكن تتقن التعبير عن المعلومات العلمية بشكل مختصر ومفيد، كما لم تكن تعرف شيئاً عن المكياج والتجهيزات الأخرى التي يجب أن يمر بها الشخص تحضيراً للظهور على شاشة التلفاز. أخبرتنا كولين بأنها حاولت تقديم جزء مكتوب مما ستتحدث حوله إلى المنتجين في القناة، لكنهم لم يقبلوا تلك اللغة المعقدة المليئة بالمصطلحات العلمية كما تذكر. لكن مع التجربة ومرور الوقت أصبحت كولن متمكنة في هذا المجال، وصار لها برنامج أسبوعي خاص بها على شاشة القناة.

وفي العام 2008 تواصل مع كولين عالم البيئة في جامعة برينستون، ستيفن باكالا، وعرض عليها الانضمام إلى كلايمت سنترال. وكان مشروعها الأول برنامجاً يمكّن العاملين في مجال الأرصاد الجوية من تحديد تأثير الاحترار العالمي على المناخ المحلي. أما بالنسبة لبرنامج (World Weather Attribution)، فإن كولين كانت تقوم بالأبحاث التي ستستخدم في التقارير بالإضافة إلى كتابة تحليلات حول نتائج التحقيقات التي يقوم بها آخرون.

وبالنسبة لشخص باتت حياته مغمورة لفترة طويلة بالحقائق المخيفة عن الاحترار العالمي، فإنه من المثير للعجب احتفاظ كولين بتفاؤلها. وهي ترجع الفضل في تفاؤلها هذا إلى أمرين: الأول هو السر الذي يحافظ على نشاطها وابتهاجها: جراء الكلاب، والتي تقوم بتدريبها لبرنامج "العين المبصرة" (Seeing Eye)، وهو أقدم برنامج لتدريب الكلاب في الولايات المتحدة، وهي مسؤولة حالياً عن كلب هجين بين فصيلة لابرادور وغولدن يدعى إيرل. وتقول كولين: "إنه نقيض مبهج عن التغير المناخي". أما الأمر الثاني فهو قدرتها من خلال العمل في هذا المجال على النظر إلى الأمور على المدى البعيد. وهذا يجعلها أقل تخوفاً من تهجم الإدارة الأميركية الحالية على العلوم.

نشر هذا المقال في عدد يوليو/ أغسطس 2017 من مجلة بوبيولار ساينس.

المحتوى محمي