خلال الأسبوع الماضي، عقد مجلس اللجنة الفرعية الأمريكية المعنية بشؤون البيئة وتغير المناخ اجتماعه الأول لعام 2019 ، والذي تضمن نقاشات حول العلاقات ما بين الولايات المتحدة والصين فيما يخص التغير المناخي وتخفيض الانبعاثات، حيث تم التأكيد مراراً وتكراراً على اتفاق باريس وأهدافه المتعلقة بشؤون الاحتباس الحراري، وأهمية الطاقة الخضراء، وتشجيع ودعم الابتكارات الخاصة بها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس ترامب كان قد أعلن انسحابه من اتفاق باريس منذ عام 2017، الأمر الذي أعقبه حضوراً ضئيلاً للولايات المتحدة في محادثات المناخ الحاسمة المتعلقة باتفاق باريس منذ ديسمبر الماضي.
ترى "سارة غيبنز"، المراسلة البيئة في ناشيونال جيوغرافيك، أن الولايات المتحدة تتهرب من دورها ومسؤوليتها في خفض انبعاثات غازات الدفيئة، متخذة من الصين دريئة لها. وقد غردت غيبنز أثناء الاجتماع قائلة: "يستمر الجمهوريون في اللف والدوران حول الصين، قائلين أنه إذا لم تلتزم الصين بإجراء تخفيضات كبيرة في الانبعاثات، فلا ينبغي أن تقوم الولايات المتحدة بذلك".
لا يستطيع أحد إنكار الدور الهام الذي تلعبه الصين في تحقيق المساعي العالمية نحو الحفاظ على معدل الاحتباس الحراري بحد أدنى من العتبة الحرجة بما يعادل درجتين مئويتين. لكن العلاقة بين ما تفعله الولايات المتحدة (أو ما لا تفعله) وبين ما تفعله الصين (أو ما لا تفعله) هي علاقة معقدة للغاية. ولفهم تلك العلاقة لك أن تعرف أنه في عام 1990 تم تصنيف الولايات المتحدة بالمسبب الرئيسي في الاحترار العالمي الناتج عن ممارسات الإنسان. وفي عام 2015 تجاوزت الصين الولايات المتحدة بجدارة لتحصل على المرتبة الأولى في كونها المسبب الأهم والأكبر في الاحترار العالمي الناتج عن الممارسات الإنسانية، مما يعني أن الصين حالياً هي المساهم الأكبر في انبعاثات غازات الدفيئة.
يعتقد "نوح ديفينبو"، عالم المناخ في جامعة ستانفورد، بأن هذا التصنيف ما هو إلا جزء صغير من الصورة، حيث يقول: "تاريخياً تعتبر الولايات المتحدة هي الباعث الأكبر لغازات الدفيئة، وذلك إذا نظرنا إلى أن الاحترار العالمي لم يزد إلا درجة مئوية واحدة عما كانت عليه ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة الثورة الصناعية". كما يرى "ديفينبو" بأن مساهمة الصين زادت مع نمو اقتصادها، ويضيف "من حيث إجمالي الانبعاثات الحالي، لا تزال الولايات المتحدة متفردة بحصة الأسد منها".
تواجه سياسة المناخ تحديات كثيرة أهمها أنه لا يمكن لبلدٍ واحد أن تقلل من الانبعاثات بما يكفي لوقف تغير المناخ. أيضاً لابد من العمل المشترك الهادف بين جميع البلدان للحد من الانبعاثات بغض النظر عمن يبدأ أولاً في أي زمان وأي مكان. وبهذا يكون التساؤل عن ارتباط دور الولايات المتحدة بدور الصين نوعاً من التهرب لا أكثر، أضف إلى ذلك بأن آثار الاحتباس الحراري قد انتشرت في كل البلدان لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
الصين تواجه مشاكل مختلفة: التلوث والامتثال للتشريع المناخي
إن الفكرة السائدة حول سلبية الصين في اتخاذ إجراءات جادة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة هي فكرة خاطئة وغير دقيقة. على النقيض من ذلك، تبحث الصين بشكل جاد في قضية الاحتباس الحراري نظراً لاهتمام مواطنيها الشديد بتلوث الهواء، الذي يعتبر أحد النتائج المباشرة للاحترار العالمي. أفاد أحد التقارير في عام 2015 بأن تلوث الهواء يُعد عاملاً رئيساً في وفاة 1.6 مليون شخص سنوياً في الصين، حيث يؤدي الضباب الدخاني الناتج عن تلوث الهواء إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، كما يمنع أشعة الشمس، وينشر الهباب والغبار في كل مكان. أضف إلى ذلك حقيقة أن حصة الفرد من الانبعاثات في الصين أقل بكثير من حصة الشخص الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول "فانغ زانغ"، طالب الدكتوراه بجامعة تافتس في القانون والدبلوماسية، والذي يعمل في مجال تمويل وتكنولوجيا المناخ في الولايات المتحدة والصين، بأن المشكلة الأكبر التي تواجهها الصين في تحقيق أهدافها في اتفاقية باريس تكمن في الامتثال للتشريع الذي وضعته الحكومة الصينية بالفعل. وقد كتب زانغ في ورقة بحثية نُشرت في مجلة "نيتشر كومينكشن" بأن الصين تتبع المسار الصحيح للوفاء بالتزاماتها في باريس، ويعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى المبادرات التي اتخذتها للحد من التلوث هناك.
وقد قامت الصين بمبادرات رسمية بهذا الخصوص، مثل الاستراتيجية الوطنية لتسعير الكربون، والقوانين الوطنية، والقوانين على مستوى المدن على حد سواء، وذلك للتحول من إنتاج الطاقة عن أشياء مثل الفحم إلى الاعتماد على الطاقة المستدامة. من شأن ذلك أن يمكّن الصين من الوفاء بالتزاماتها لذروة الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030 أو قبل ذلك، كما تهدف أيضاً إلى تحويل استخدام الطاقة إلى ما لا يقل عن 20 في المائة من الوقود غير الأحفوري. بالطبع لا يمكننا تأكيد هذا الأمر، إذ أن القضية الكبرى التي تواجهها الصين هي مدى قدرتها على ضمان امتثال مديري أنظمة الطاقة والمسؤولين الآخرين المكلفين بتنفيذ تلك السياسات. ومع ذلك، بدأت المبادرات بالفعل في تحقيق نتائج قوية في الحد من تلوث الهواء، حيث كان لبعض تلك المبادرات -مثل استبدال الفحم بالغاز الطبيعي منخفض الانبعاثات في منطقة شديدة التلوث كـ "بكين"- تأثيراً إيجابياً من حيث تخفيض الانبعاثات هناك.
يقول زانغ: "بالمقارنة مع الصين، أعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقديم التزام سياسي قوي على المستوى الفيدرالي". ويضيف "إن عدم وجود تلك الالتزامات السياسية يخلق الكثير من الشكوك على الصعيدين المحلي والدولي".
في الولايات المتحدة، يرتبط الابتكار في مجال الطاقة الخضراء بالسوق ومتطلباته، بالتالي لا يمكن لهذه المنظومة أن تعمل بشكل صحيح مع غياب قيادة قوية. وبهذا يمكن أن يساعد التوجيه الفيدرالي بشأن تغير المناخ الأشخاص الذين يودون الانخراط في سوق العمل على اختيار استثماراتهم بوضوح. وعلى العكس مع غياب التوجيه الفيدرالي سيظل مصير الولايات المتحدة - كزعيم تكنولوجي عالمي وكمساهم رئيسي في تغير المناخ- غير مؤكد.