تلبية لتزايد الطلب العالمي على الغذاء والأعلاف، تلجأ الحكومات لتكثيف الزراعة في الأراضي الغنية بالمغذيات، أو توسيع مساحة الأراضي القابلة للزراعة. ومع ذلك يتعرض الأمن الغذائي للتهديد الدائم مع استنزاف المزيد من الموارد الطبيعية. من ناحية أخرى، فإن لمحاولة الاكتفاء الذاتي الإقليمي أو المحلي تأثيراتها السلبية أيضاً. فماذا قد يحدث عندما يقل الغذاء في البيئة؟
الأمن الغذائي
ينتج العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام أكثر من 7 مليارات شخص حول العالم، ومع ذلك يبقى نحو 10% من السكان يعانون من الجوع كل يوم، هذا ما يُعرف بانعدام الأمن الغذائي. بعبارة أخرى، يمكن تعريف انعدام الأمن الغذائي على أنه عدم القدرة على الوصول المستمر إلى مصادر الغذاء، وبما يكفي لكل فرد، أي نقص التغذية وما يتسبب به من آثار بيئية وصحية.
أسباب انعدام الأمن الغذائي وقلة الغذاء
أسباب انعدام الأمن الغذائي معقدة، إلا أنها تعود بشكل أساسي لقلة الموارد الغذائية، وهو ما يرتبط بمجموعتين من العوامل:
عوامل غير حيوية
تؤثر الضغوط غير الحيوية سلباً على النمو والإنتاجية، وتؤدي إلى سلسلة من التغيرات المورفولوجية والفسيولوجية والكيميائية الحيوية والجزيئية في النباتات، وبالتالي على الثروة الحيوانية أيضاً، وتضم:
تغير المناخ
تؤثر العوامل المناخية من حرارة ورطوبة وأمطار ورياح على الغلة الزراعية النباتية والحيوانية، لكن وفقاً لـ "استراتيجية التكيف مع المناخ للأسماك والحياة البرية والنباتات" في الولايات المتحدة، تؤثر التغيّرات المناخية على الأنواع النباتية والحيوانية، كالارتفاع المستمر في درجات الحرارة العالمية، والتغيّرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر الجفاف وموجات الحر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وذوبان الجليد البحري، وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية الشديدة.
على سبيل المثال، مع ارتفاع معدلات الاحترار العالمي، تتراجع النظم البيئية للغابات من حيث إمدادات المياه وعلف الماشية والتنوع الحيوي، نتيجة للإجهاد المائي للنباتات والحرائق وتفشي الآفات والأنواع الغازية وتعرية التربة وتحمض المحيطات.
من حيث التنوع الحيوي، تتمكن الأنواع الحيوانية والنباتية التي تعتمد على نطاق جغرافي واسع من التكيف مع التغيّرات المناخية، بينما تتعرض الأنواع التي تعتمد على موائل محدودة للخطر، مثل الشعاب المرجانية وكائنات المناطق القطبية.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تؤدي الفيضانات إلى انعدام الأمن الغذائي؟
التلوث
هو وصول ملوثات للبيئة سواء كانت من مصدر طبيعي أو بشري، ملحقة الأضرار بنوعية المياه والهواء والأرض والنظم البيئية فيها، ما يخلق ظروفاً غير ملائمة لإنتاج المحاصيل ونمو الحيوانات.
على سبيل المثال، يتلوث الهواء بنواتج احتراق الوقود في السيارات والمصانع، بما في ذلك أول أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت وغيرها. تتفاعل هذه المكونات مع الضوء وتنتج ضباباً دخانياً يحجب ضوء الشمس، ويشكل بتفاعله مع الرطوبة الجوية أمطاراً حمضية يمكنها قتل جميع الأشجار في الغابة، وتسميم مياه الجداول والبحيرات، ما يدمر الموائل الطبيعية للكائنات البحرية والبرية ويقضي عليها.
علاوة على ذلك، تتعرض مصادر المياه للتلوث من مياه الصرف والجريان السطحي والتسربات النفطية والملوثات الكيميائية والنفايات البلاستيكية، ما يخلق بيئة سامة للكائنات المائية، ويقلل من مصائد الأسماك.
اقرأ أيضاً: تلوث الهواء قد يكون ضاراً كالرصاص
عوامل حيوية: الأمراض والآفات
تُصاب النباتات بالأمراض بتأثير الميكروبات الممرضة من بكتيريا وفطريات وفيروسات، أو بتأثير الآفات الحشرية في التربة أو فوق سطح الأرض. يؤثر تكاثر الممرضات سلباً على خصوبة التربة، ما يقلل من الموارد المتاحة للنبات، ويفشل في إنتاج ما يكفي من الكتلة الحيوية والبذور وبالتالي الغلة. بالإضافة إلى ذلك، تسبب التغيّرات المناخية انتقال المسببات المرضية إلى أقاليم جغرافية متنوعة، وظهور أنواع جديدة من الأمراض والآفات التي لم يتم إيجاد طرق لمكافحتها بعد، ما يعرض النباتات المحلية لإجهاد حيوي إضافي. على سبيل المثال، ينتقل مرض "نخر الذرة المميت" عن طريق الخنافس والديدان وحشرات المن والأدوات الملوثة، وينتج عن تفاعل تآزري بين فيروس فسيفساء قصب السكر وفيروس البقع الكلورية في الذرة، ويسبب انخفاضاً في إنتاج الذرة يتراوح ما بين 30-100%.
اقرأ ايضاً: هل يمكن أن تسهم تربية الحشرات في توفير الأمن الغذائي؟
الآثار البيئية لقلة مصادر الغذاء
يترافق الضغط على مصادر الغذاء الطبيعية من محاصيل نباتية وثروات حيوانية بمجموعة من الآثار البيئية السلبية، ومنها:
تجويع الحيوانات وتراجع أعدادها
في ظل قلة التغذية وغياب موارد الغذاء، تعاني الحيوانات البرية من المجاعة، ما يتسبب بالقضاء على الحيوانات الضعيفة وغير القادرة على التحمل. أما بالنسبة لما ينجو منها، فهناك العديد من التحديات والمخاطر التي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى سوء التغذية والمجاعة والعطش. على سبيل المثال، تتراجع مناعة وقوة الحيوانات بتأثير نقص المغذيات، وتصاب بالأمراض والآفات ما يمنعها من الوصول إلى الموارد التي تحتاجها، أو قد تضطر للهجرة بحثاً عن موائل جديدة، حيث يموت بعضها خلال الرحلة أو لعدم قدرته على التكيف مع الموطن الجديد.
تنافس الأنواع الحيوانية
يقترن الجوع بالتنافس والافتراس بين الأنواع الحيوانية، حيث يزداد التنافس بين الحيوانات على مصادر الغذاء، ومحاولات الافتراس للحيوانات الأضعف. بشكل طبيعي، تتجنب الحيوانات الضعيفة الكائنات المفترسة، بالبحث عن أماكن يسهل الاختباء فيها، لكنها تواجه الجوع وسوء التغذية، وبالتالي تتعرض للجوع والموت.
تعرية التربة
تعرية التربة هي تآكل أو انهيار الطبقات السطحية للتربة بسرعة أكبر من معدل تجديدها، وهو ما ينتج عن انعدام الأمن الغذائي وقلة الموارد الغذائية. تُقسم المحاصيل إلى نوعين من حيث نوعية الأرض التي تُزرع بها، إذ يوجد ما يُعرف بالمحاصيل النقدية، أي التي تدر أرباحاً على أصحابها، وهي التي تحتاج إلى أرض خصبة، مثل الأفوكادو والفاصولياء. في المقابل، تُزرع الأراضي المنخفضة الخصوبة بالمحاصيل الاستهلاكية والأقل تكلفة مادية، وبما أن الأرض الأقل خصوبة لا يمكن تجديدها أو دعمها زراعياً بسبب ارتفاع التكاليف بالنسبة لنوعية المحاصيل، فإنها تصبح بمرور الوقت عقيمة أو جرداء، وعرضة للتآكل بفعل الرياح والأمطار، إلى جانب الرعي الجائر للغطاء النباتي، وإزالة الغابات لزيادة مساحة الأراضي القابلة للزراعة. هذا يعني أنه لا يمكن زراعة المحاصيل في هذه التربة، وإذا نمت، فهي ذات نوعية رديئة.
اقرأ أيضاُ: ما أهم الكوارث الطبيعية التي تحدث تغيرات في البيئة؟
تلوث المياه
مع زيادة الطلب على الغذاء، وتكثيف إنتاج المحاصيل النقدية، يزداد استهلاك المياه، واستخدام الأسمدة والمبيدات، ما قد يكون سبباً لتلوث المياه الجوفية أو المسطحات المائية في المناطق المجاورة، ويؤثر سلباً على الحياة البرية والمائية.
اقرأ أيضاً: ما هي المسارات المحتملة لانتقال التلوث الإشعاعي إلى النباتات؟
تراجع مستوى التنمية البشرية
تؤثر قلة الموارد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي على مستويات التنمية البشرية من حيث الصحة والتعليم. فمن حيث الصحة، ينتج عن الجوع نقص في المغذيات وانخفاض عام في متوسط العمر، بسبب تراجع الصحة العامة والمناعة وانتشار الأمراض، مثل فقر الدم وتباطؤ النمو العقلي وارتفاع مستويات القلق والاكتئاب، ووفيات الأطفال دون سن الخامسة. أمّا من حيث التعليم، قد لا يتمكن الأطفال من متابعة التعليم، أو يتراجع مستواهم الأكاديمي بسبب ضعف التركيز وتراجع مستوى النمو العقلي.
إذاً، عندما ننظر إلى ما نتناوله وطرق زراعته أو الحصول عليه، نكتشف الآثار السلبية التي نلحقها بغذائنا وبيئتنا.