في عام 1995، سرق ماكارثر ويلر مصرفين في مدينة بيتسبورج دون أن يرتدي ما يكفي لإخفاء نفسه. هذا ما جاء في كتاب: "رأس في السحاب: عندما تظل المعرفة مهمة رغم سهولة الوصول إلى المعلومات" لمؤلفه ويليام باوندستون. كان ويلر يعتقد أن طلاء وجهه بعصير الليمون سيجعله غير مرئي لكاميرات المراقبة في المصرف. ولكن المفاجأة الصادمة كانت بأن هذا الطلاء لم يسعفه. وقد قام أحد البرامج في محطة تلفزيونية محلية بعرض اللقطات المأخوذة من المصرف، كان هناك رأس لرجل يدخل المصرف، ثم ظهر رجال الشرطة وهم يمسكون بويلر. يقول ويلر مندهشاً: "ولكنني وضعت طلاء عصير الليمون".
من السهل أن نسخر من تصرف ويلر، فمعظمنا يظن أن انحيازه لفكرة معينة لن يضلله، ولكن أكثرنا يفعل ذلك عندما يتعلق الأمر بالتغير المناخي. فعلى سبيل المثال: تم الترويج مؤخراً لفكرة أن معلومات وكالة الفضاء الأميركية ناسا عن ارتفاع مستوى سطح البحر -مصحوباً بمناخ الاحترار وذوبان الجليد في المناطق القطبية- تظهر أنه يتراجع. ولكن مستويات سطح البحر على الصعيد العالمي ما تزال في ارتفاع. فمن أين جاء هذا الاستنتاج؟
يشير الأشخاص الذين يتداولون هذه النتيجة الخاطئة عادة إلى الرسم البياني الظاهر أعلاه، والذي يظهر بيانات الأقمار الصناعية لناسا، والتي قد تترك انطباعاً بأن مستوى سطح البحر يتراجع. ولكن هذا يعود إلى أنهم يأخذون جزءاً صغيراً من البيانات خارجة عن سياقها. فإذا قمت بتصغير الصورة، فسوف تجد أن الانخفاض في الصورة ليس نتيجة لتراجع مستوى سطح البحر، ولكنه تباين طبيعي يحدث مع كل أنواع الظواهر المناخية.
حاول أن تفكر في الأمر بالطريقة التي تفكر بها في زيادة الوزن. إذا وقفت على الميزان بعد أن زاد وزنك 20 كيلوجراماً خلال سنة، ولاحظت أن وزنك قد نقص كيلوجراماً واحداً عن الشهر الماضي، فمن الحماقة أن تظن أن وزنك ينخفض. وعليك أن تنظر إلى خسارة الوزن المستمرة مع مرور الوقت لتعطي حكماً صحيحاً عن وزنك. ولا تنسَ أن الإنسان يمكن أن يخسر أكثر من كيلوجرام بعد عملية تبرّز واحدة.
ويشبه هذا التغير في الرسم البياني المتداول على نطاق واسع عملية التبرز هذه: حيث تتقلب أحياناً مستويات سطح البحر بمقدار ضئيل بين سنة وأخرى، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أن هذه المستويات آخذة في الارتفاع بشكل عام. ولتأكيد هذا، قامت مجلة بوبيولار ساينس - العلوم للعموم بإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى تابيو شنايدر عالم المناخ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي يعمل مع مختبر الدفع النفاث التابع لناسا (والذي وضع هذه البيانات).
ويجيب شنايدر عبر البريد الإلكتروني بما يلي: "قد يحدث في بعض فصول الشتاء أن يتراكم المزيد الثلوج -على سبيل المثال- في القارات أكثر من المعتاد. وعندما يحدث ذلك، فإن المياه التي كانت ستنتهي في المحيطات تُحتجز داخل اليابسة، حتى تذوب وتتدفق مرة أخرى إلى المحيطات. أو تؤدي تقلبات درجات الحرارة إلى الاحترار المؤقت أو التبريد المؤقت لمياه المحيطات. ولأن المياه تتمدد عندما تكون دافئة، فإن الاحترار يرفع مستوى سطح البحر (والتبريد يخفضه)، حتى عندما يكون هذا الاحترار أو التبريد مؤقتاً".
ولهذا، فأنت ملزم خلال حساب الاتجاه العام لارتفاع مستوى سطح البحر أن تنظر إلى التقلبات قصيرة الأمد.
يقول شنايدر: "سيكون من الخطأ محاولة الاستدلال بأي اتجاه مناخي من البيانات المأخوذة خلال سنوات قليلة". ويبدو أن مستوى سطح البحر خلال العام أو العامين الماضيين مستقر نسبياً، وذلك استناداً إلى قياسات الأقمار الصناعية. ولكن السجلات تظهر زيادة تدريجية تمتد إلى عام 1870 على الأقل. ويضيف شنايدر أن منحنى مستوى سطح البحر في العامين الماضيين هو على الأرجح مجرد نتيجة لارتفاع مستوياتها بشكل خاص في عام 2015. وقد أدت ظاهرة إل نينو قوية -وهي تقلبات مناخية طبيعية تجعل سنوات محددة حارة بشكل خاص- إلى ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل مؤقت.
يقول شنايدر: "عندما ينظر المرء إلى الاتجاهات على مدى عقود، فمن الواضح أن مستوى سطح البحر يرتفع باطراد". ويضيف: "إننا نتوقع أن يستمر هذا الاتجاه طويل الأمد ما دام المناخ دافئاً، وذلك بسبب تمدد المياه الدافئة، ولأن ذوبان جليد اليابسة يسهم فى ارتفاع مستوى سطح البحر".
وبعبارة أخرى، فإن الرغبة في شيء لا تجعله يتحقق. فلا يزال منسوب البحار يرتفع، ولا يزال الحِيد المرجاني العظيم يبيضّ، ولا تزال القمم الجليدية تذوب. وكما تظهر سلسلة درجات الحرارة العالمية، فإن التغير المناخي لا يزال يحدث.