ما الذي ينبغي معرفته حول خفض انبعاث غاز الميثان؟

4 دقائق
غاز الميثان, ثاني أكسيد الكربون,صناعة, استخراج الغاز الطبيعي, مصفاة غاز

أعلنت إدارة «دونالد ترامب» -منذ عدة أشهر- عن خطتها لمراجعة القوانين المتعلقة بضبط انبعاثات غاز الميثان، أحد غازات الدفيئة الشديدة التأثير، وستؤدي التغييرات المُقترحة إلى إزالة القيود المفروضة على شركات الغاز والنفط، التي تحدُّ من تسرب غاز الميثان العشوائي، حيث تتسبب عمليات استخراج الغاز ونقله وتخزينه بحدوث ذلك. قد تخفِّض تلك التعديلات من تصنيف غاز الميثان -المُستخرج عبر صناعة الوقود الأحفوري- بوصفه ملوثاً، وربما تزيد أيضاً من انبعاثاته.

وربما لا ندرك أهمية هذه التعديلات في ظل تصدّر غاز ثاني أكسيد الكربون جميع الأخبار والأبحاث المتعلقة بالتغير المناخي، واتهامه بأنه المسؤول الرئيسي عنه، إلا أن الميثان لا يقلّ خطراً عن ثاني أكسيد الكربون؛ في مساهمته في ظاهرة الاحتباس الحراري، وخفض انبعاثاته يساعد كثيراً في إبطاء ارتفاع درجات الحرارة. إليك المزيد حول غاز الميثان وأهميته.

ما هو غاز الميثان؟

الميثان غازٌ، بلا لون، أو رائحة، ويتكون من 4  ذرات هيدروجين، وذرة كربون، ويُشار إليه بالرمز «CH4»، وهو غازٌ قابلٌ للاشتعال، والمُكوِّن الرئيسي للغاز الطبيعي المُستخدم في المواقد، والتدفئة، وتوليد الطاقة. يحترق في وجود الأكسجين حيث يطلق غاز ثاني أكسيد الكربون والماء، وهو وقودٌ أحفوري نظيف نسبياً -ونؤكد هنا على كلمة نسبياً- عند مقارنته مع أنواع الوقود الأحفوري الأخرى؛ لأنه يُطلق كميةً أقل من الملوثات في الهواء.

لكن الميثان يُعدُّ من غازات الدفيئة المؤثرة أيضاً؛ إذ يؤثر في مدًى زمني يصل إلى 100 عام، 28 مرةً أكثر من تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون في ظاهرة الاحتباس الحراري. ومع ذلك فإن عمر غاز الميثان قصير، ولا يدوم في الجو إلا 9  أعوام تقريباً، قبل أن يتحول -تحت تأثير التفاعلات الكيميائية- إلى غاز ثاني أكسيد الكربون والماء، والأوزون. يعد غاز الميثان من الملوثات الخطيرة حال وجوده في الغلاف الجوي القريب من الأرض؛ إذ يمكن أن يتسبب في أمراضٍ تنفسية للبشر، وإلحاق الضرر بالمحاصيل الزراعية.

 مصادر غاز الميثان

تأتي انبعاثات غاز الميثان من الطبيعة، ومدى واسع من الأنشطة البشرية. وبالنسبة إلى الانبعاثات الطبيعية: تُشكل الأراضي الرطبة، خاصة المدارية منها، مصدراً رئيسياً لانبعاثاته؛ إذ ينتج غاز الميثان عن نشاط الأحياء الدقيقة في هذه البيئة التي ينخفض فيها الأكسجين، إلا أن البشر يساهمون بنسبة 60% من إجمالي انبعاثات غاز الميثان، وقد أدى النشاط البشري إلى زيادة نسبة غاز الميثان في الجو بمقدار مرتين ونصف منذ الثورة الصناعية.

ويأتي الجزء الأكبر من انبعاثات الميثان الناتجة عن النشاط البشري -56% تقريباً- من تربية الماشية، وزراعة الأُرز، والنفايات، ويتأتى الغاز الناتج عن تربية الماشية من تحلل السماد العضوي للحيوانات، ومن الغازات التي تطلقها الأبقار (التجشؤ) في الجو، وينبعث الميثان من الأراضي المزروعة بالأُرز التي تُغمر بالماء؛ مما يؤدي إلى زيادة نشاط الميكروبات، وبالتالي زيادة انبعاثات الميثان. أما بالنسبة إلى النفايات، فيؤدي تراكمها وتركها في العراء إلى خلق بيئةٍ لاهوائية، تزيد من نشاط البكتريا التي تقوم بتحليل المواد العضوية فيها.

ومعظم ما تبقى من الميثان الناتج عن نشاط الإنسان، 35% تقريباً، يأتي من صناعة الوقود الأحفوري؛ فيمكن أن يتسرب الميثان من مناجم الفحم، أو من حقول النفط والغاز، بالإضافة إلى أنه يتسرب بلا شك من البنية التحتية المُقامة لنقل الغاز الطبيعي وتخزينه والمرافق الأخرى؛ فيقول «بنيامين بولتر»، الباحث في وكالة ناسا، وعضو فريق العلماء الذي يتتبع مصادر انبعاثات الميثان العالمية: «يوجد تسربٌ في جميع المرافق». وتتسبب حرائق الغابات، والغازات الناتجة عن حرق الخشب في المواقد، وإشعال بقايا المحاصيل، في نسبة قليلة من الانبعاثات.

وفي الوقت نفسه، يتزايد إنتاج الغاز الطبيعي، وترفع تقنية التكسير الهيدروليكي قابلية استخراج الغاز من أعماقٍ أكبر من بين الصخور الرسوبية، وقد زاد إنتاج الغاز الطبيعي، منذ عام 2005، بمقدار 14 مرة بفضل هذه التقنية الحديثة. وفي الحقيقة، لا تهدد هذه الطفرة بالمزيد من تسرُّب غاز الميثان فحسب، بل تهدد أيضاً بتلويث المياه الجوفية بالمواد الكيميائية التي تستخدمها الشركات لاستخراج الغاز، وترتبط أيضاً بحدوث زيادة مفاجئة في معدل حدوث الزلازل، في الغرب الأوسط في الولايات المتحدة.

أضف إلى ما يقدَّمه التغير المناخي الذي يسببه الإنسان؛ فإنه يهدد بإطلاق الكربون المحتجز حالياً بوصفه غاز الميثان؛ فقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي إلى ذوبانٍ سريع للثلوج، وبالتالي تُكشَف التربة التي كانت متجمدةً ومغطاةً بالثلوج، وتتحول إلى أراضٍ رطبةٍ، يزيد فيها نشاط الميكروبات التي تستهلك غاز الكربون، وتطلق في المقابل غاز الميثان. وفضلاً عن أن ارتفاع درجة الحرارة، في المجمل؛ يزيد انبعاثات الميثان من الأراضي الرطبة في باقي أنحاء العالم أيضاً، وليس فقط في القطب الشمالي.

 هل يتوجب علينا أن نستخدم غاز الميثان بوصفه مرحلة انتقالية نحو مصادر الطاقة المتجددة؟

في الواقع أعربت شركات النفط والغاز الكبيرة عن معارضتها لاستخدام غاز الميثان؛ فكتبت «سوزان ديو»، رئيسة شركة «بي بي» الأميركية، في مقال لها في موقع هيوستن كرونيكل: «تقلُّ انبعاثات غاز الكربون عند استخدام غاز الميثان في توليد الكهرباء إلى أقل من نصف الانبعاثات الناتجة عن استخدام الفحم، ويمكن لهذا الغاز أن يكون مصدراً للطاقة المتجددة أيضاً، ولتحقيق أقصى فائدة ممكنة من استخدام هذا الغاز للمناخ، ومواجهة التحدي المزدوج المتمثل في إنتاج المزيد من الطاقة مع التقليل من الانبعاثات؛ نحتاج إلى معرفة نقاط الضعف والقوة الكامنة في استخدامه، وبالتالي التقليل من الانبعاثات الضارة الناتجة عن استخدامه».

ولأن الغاز الطبيعي يتسبب في تلوثٍ أقل من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، فقد اعتبرته كبرى الشركات الصناعية جسراً انتقالياً لاستخدام الطاقة، يُسهِّل عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ مثل الرياح والطاقة الشمسية، ويضيف بولتر: «من مصلحة الصناعة أيضاً منع تسرب الغاز ؛ لأن الغاز المتسرب يعدُّ أرباحاً مهدورة».

ومع ذلك فقد شهدت انبعاثات الميثان ارتفاعاً مثيراً للقلق في السنوات الأخيرة، ولا يزال السبب غير معروف؛ فقد زاد معدل الانبعاثات عام 2014 إلى ضعف ما كان عليه عام 2007. ولأن مصادر الميثان عديدة، فمن الصعب معرفة ما إذا كان الوقود الأحفوري هو المتهم الرئيسي الذي يقف وراء هذه الزيادة، أو ربما التوسع في تربية الماشية، أو زيادة نسبة الأراضي الرطبة الناتجة عن زيادة الزراعة، أو إنه ناتج عن تلك المسببات معاً، وبحثت إحدى الدراسات الحديثة في الأوزان النوعية لمختلف أنماط الكربون في الجو ونظائره، ورأت أن عمليات التكسير الهيدروليكي هي من يقف وراء ذلك؛ فقد كتب القائمون على الدراسة: «بالنظر إلى ما توصلنا إليه من أن الغاز الطبيعي، الغاز الصخري والغاز التقليدي على حد سواء، هو المسؤول عن  ارتفاع معدلات انبعاثات الميثان الأخيرة، فإننا نقترح أن أفضل استراتيجية لمواجهة هذا الارتفاع الحاصل هو الابتعاد عن استهلاك الغاز الطبيعي في أسرع وقتٍ ممكن للحد من انبعاثات غاز الكربون والميثان».

لكن لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين؛ فمن جهة، تتزايد أعداد الماشية، وتزداد بالتالي انبعاثات غاز الميثان منها؛ فيقول بولتر: «عندما ننظر إلى الإحصاءات المتعلقة بتربية الماشية على مدى العقد الماضي، نجد أن الزيادة كبيرةٌ جداً»، ومن جهةٍ أخرى، فإن الانبعاثات الناتجة عن الزراعة التي توسَّعت والأراضي الرطبة؛ لها بصمة كيميائية مماثلة في الغلاف الجوي؛ مما يجعل من الصعب معرفة من أين يأتي الميثان.

لكن المؤكد أن خفض انبعاثات الميثان بات حاجةً مُلحَّة لإبطاء التغير المناخي؛ ولذلك اقترح بعض العلماء استخدام بعض التقنيات والآلات لتسريع تحولها إلى ثاني أكسيد الكربون؛ فالميثان خلال حياته القصيرة قد يؤدي إلى تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة أكثر.

وأمام المنشآت النفطية والغازية تحدٍّ كبير لتفادي حدوث أزمةٍ مناخية كبيرة، والتغييرات التي تقترحها إدارة ترامب من شأنها زيادة تسرُّب المزيد من غاز الميثان من هذه المنشآت.

المحتوى محمي