في أعماق شمال شرق المحيط الهادئ، وتحديداً في 26 يناير/ كانون الثاني عام 1700، تراجعت قطعتان من القشرة الأرضية بشكل مفاجئ، ما أدى لحدوث زلزال هائل أنهى جموداً دام قروناً من الزمن. تسبب الزلزال المدمر باندفاع كميات هائلة من المياه داخل اليابسة، وبعد توقف الزلزال واستقرار المياه، تغيرت معالم الساحل كلياً. هبطت الأراضي الساحلية أكثر من متر في بعض المناطق، بينما حوّل فيضان الرواسب المستنقعات الساحلية الملحية إلى سهول طينية.
تقول عالمة جيومورفولوجيا المستنقعات الملحية التي أجرت بحثاً حول عودة تشكل هذه المستنقعات أثناء وجودها في جامعة ديلوار، إيرين بيك: «ربما كان تغييراً جذرياً، ولكنه فوضوياً جداً».
هل نشهد غمراً للمستنقعات الملحية؟
كانت بيك تدرس خلال السنوات الخمس الماضية كيفية تعافي أحد هذه المستنقعات الملحية المدفونة في خليج نيتارتس بولاية أوريغون من كارثة التسونامي التي خلفها الزلزال، وخلص بحثها إلى نتيجة غير متوقعة: استغرق المستنقع الملحي وقتاً أطول بكثير من المتوقع ليتشكّل مجدداً فوق السهول الطينية. كان لا بُدّ أولاً من نمو جذور النباتات المتبقية في المستنقع الذي دُفن خلال الزلزال السابق مجدداً، ثم كان على النباتات النامية احتجاز الرواسب شيئاً فشيئاً بحيث يرتفع مستوى نباتات الجيل التالي فوق نطاق المد والجزر إلى درجةٍ لا تتعرض عندها أعلى أجزاء أراضي المستنقع للغمر إلا نادراً.
تقول بيك: «بدأت بحثي مفترضةً أن مستنقع نيتارتس تعافى من آثار الزلزال بسرعة نسبياً، ربما خلال بضعة عقود فقط، لكننا اكتشفنا أن ذلك استغرق 200 عام في الواقع».
يشير اكتشاف أن تشكل مستنقعات الملح مجدداً قد يكون بطيئاً جداً إلى أن مرونة بعضها أقل مما كان يفترضه العلماء سابقاً، وهو اكتشاف يدفع إلى التشاؤم في عالم يهدد فيه ارتفاع مستوى سطح البحر بغمر المستنقعات الساحلية على مستوى العالم تدريجياً.
استنتجت بيك وزملاؤها أن خليج نيتارتس قد استغرق قروناً للتشكل مجدداً من خلال تحليل الرواسب التي استخرجوها من أعماق المستنقعات الحديثة باستخدام أنبوب بي في سي طويل جداً تم غرزه في الأرض. تقول بيك في هذا الشأن: «الأمر أشبه بوضع قشة للشرب في كوب من الماء، ثم تضع إبهامك على فتحتها العلوية ثم تسحبها للخارج، باستثناء أن الأنبوب سيكون مليئاً بالرسوبيات -المليئة أيضاً بالبذور والأوراق- بدلاً من الماء، حيث تُظهر هذه الرسوبيات الكيفية التي تطوّرت بها الأرض على مدى القرون الثلاثة الماضية».
اقرأ أيضاً: ماذا يخبرنا قرن كامل من ارتفاع منسوب مياه البحر عن الثلاثين سنة القادمة؟
خليج نيتارتس مهدد بالغمر
لا تعرف بيك بالضبط لماذا استغرق خليج نيتارتس وقتاً طويلاً كي يتشكّل مجدداً. نظراً لأن خليج نيتارتس يتغذى من مستجمعات مياه صغيرة نسبياً، فمن المحتمل أن المستنقعات التي نشأت حديثاً لم يكن بمقدورها الارتفاع إلى مستوى المستنقعات القديمة التي غرقت إلا بشكلٍ بطيء جداً. بعبارة أخرى، يزداد ارتفاع المستنقعات الملحية أكثر فأكثر من خلال تراكم الطمي والطين الذي يتدفق من الأراضي المحيطة ويستقر بعيداً عن تأثيرات التيارات المائية، لذلك كلما صغر حجم مستجمعات المياه المغذية للمستنقع، قلت كمية الرواسب التي يتلقاها، وبالتالي يكون نموه أبطأ.
يعتقد عالم بيئة الأراضي الرطبة في جامعة سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، جون كالاواي، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، أن معظم المستنقعات الملحية يمكن أن تتشكل مجدداً بشكل أسرع من خليج نيتارتس، ويقول: «من المفاجئ بعض الشيء أن تشكل خليج نيتارتس استغرق وقتاً طويلاً، ولكن يمكن فهم ذلك بالنظر إلى صغر حجم مستجمعات المياه التي تغذي الخليج».
اقرأ أيضاً: ما أهم الكوارث الطبيعية التي تحدث تغيرات في البيئة؟
على الرغم من أن البحث تناول أحداثاً وقعت منذ قرون، فإن اهتمام بيك ينصب على المستقبل. إلى جانب ارتفاع مستوى سطح البحر الذي بات يهدد بغمر المستنقعات الملحية، يقلل النشاط البشري من تدفق الرواسب في العديد من المناطق، فإذا استمر هذان الاتجاهان، فإن المستنقعات الملحية التي ستتعرض للفيضانات وانخفاض تدفق الرواسب ستعيد بناء نفسها بشكلٍ أبطأ مما مضى، ما يزيد من احتمال تكرار سيناريو تشكّل خليج نيتارتس الذي استغرق قرنين من الزمن في مناطق أخرى.