ربّ ضارّةٍ نافعة. تغطي الغيوم نحو %67 من سماء الكرة الأرضية.
لا تزال معرفة العلماء حول كيفية تشكّل الغيوم محدودة نسبيّاً، مقارنةً بما نعرفه عن الجوانب الأخرى للغلاف الجوي للأرض. الآن، وجدت مجموعة دولية بقيادة باحثين من جامعة كولورادو بولدر أن اليود، وهو عنصر كيميائي طبيعي، يسهم في زيادة الغطاء السحابي وتآكل طبقة الأوزون، وهي الجزء الرقيق من الغلاف الجوي للأرض الذي يمتص أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة. يوضح البحث الذي نُشر في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني في مجلة نيتشر كيميستري (Nature Chemistry)، وجود صلة جديدة بين كيفية انبعاث مصادر اليود في الغلاف الجوي، وكيفية تشكّل السحب ونموّها.
دور اليود في التغيرات المناخية
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، هينينج فينكينزيلر، وهو الآن طالب ما بعد الدكتوراة في جامعة هلسنكي: "إن التنبؤ الدقيق بكيفية تشكّل السحب ومكانها وعددها يعد أمراً صعباً للغاية، وهو أحد الشكوك الرئيسية في نماذج المناخ اليوم". يقول فينكينزيلر، إن إلقاء نظرة فاحصة على السحب يمكن أن تكون عاملاً مهمّاً ومساعداً لإيجاد حلول لتغيّر المناخ.
ومع ذلك، فإن الخطوة الأولى هي فهم التعقيدات المختلفة لنظامنا المناخي، بما في ذلك الدور الذي قد تؤديه مختلف العناصر، مثل اليود، في السحب والغلاف الجوي. غالباً، يتم إخبار الناس عن عملية تكوين السُّحب بشكلٍ مبسّط، حيث تتكون الغيوم عندما يتحول بخار الماء إلى قطرات ماء سائلة، ما ينتج أنواعاً مختلفة من هذه السُّحب البيضاء. لكن العملية أكثر تعقيداً من ذلك.
للحصول على فهم أفضل لكيفية تجمّع الغيوم، يجب علينا معرفة أن جميع الكائنات الحيّة تحتوي على بعض العناصر النزرة (الشحيحة) من اليود. بالنسبة للبشر، على سبيل المثال، يساعد اليود في إنتاج هرمونات تتحكم في عملية التمثيل الغذائي في الجسم وتدعم نمو العظام والدماغ أثناء الحمل. بعد حادثة تشيرنوبل عام 1986، كانت هناك جهود لنشر حبوب يوديد البوتاسيوم على أمل درء الآثار الصحية السلبية للإشعاع. ورغم دراسة اليود لمئات السنين في المحاليل المائية، فإنه خلال العقدين الماضيين قطع العلماء خطواتٍ كبيرة في معرفة تأثير اليود في مرحلته الغازيّة على سلوك الغلاف الجوي للأرض. توضح دراسة الفريق تفاصيل التفاعل الكيميائي في الحالة الغازية الذي يحوّل أحد أشكال اليود إلى مركب كيميائي يسمى حمض اليود، الذي له دور تحفيزي في تكوين الجسيمات في الغلاف الجوي، عندما تلتف الجزيئات الموجودة في الهواء معاً لتشكيل قطرات سحابية.
اقرأ أيضاً: ما تأثير التغيّر المناخي في حدثي إل نينيو ولا نينيا الجويين؟
يقول المؤلف المشارك في الدراسة، راينر فولكامر، أستاذ الكيمياء في جامعة كولورادو بولدر: "لا يمكننا تكوين قطرات سحابيّة من تكثيف المياه النقيّة". ويضيف: "نحن بحاجة إلى نوع من الجزيئات الذي يمكن للماء أن يتكثف عليه ليشكل نوعاً من قطرات السحب، هذا الجزيء هو اليود، حيث يسهم هذا العنصر بكفاءة عالية في تكوين تلك الجسيمات الأساسية".
مصدر اليود في الغلاف الجوي
يأتي معظم اليود الموجود في الغلاف الجوي من المحيط، حيث يوجد على شكل يوديد، وهو شكل مختزل من العنصر الذي يمكن العثور عليه في ملح الطعام أيضاً. لكن تواجد العنصر في الغلاف الجوي قد تضاعف في العقود الماضية بسبب استجابة المحيطات لتلوث الغلاف الجوي. يقول فولكامر: "إن هذا المصدر الطبيعي لليود يبلغ اليوم ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل 70 عاماً فقط". قد لا يبدو وجود المزيد من السحب في السماء أمراً ضاراً، ولكن زيادة الغطاء السحابي قد تؤدي إلى تفاقم ترقق الجليد البحري في القطب الشمالي. وفقاً لوكالة ناسا، يتقلص الجليد البحري في القطب الشمالي بمعدل نحو %12.6 كل 10 سنوات نتيجة للاحتباس الحراري. ناهيك عن تأثير استنفاد اليود على طبقة الأوزون.
اقرأ أيضاً: ذوبان الجليد البحري يزيد من حموضة المحيط المتجمد الشمالي
ولدراسة النظرية بشكلٍ أوسع، شارك الفريق في تجربة تسمى القطرات الخارجية الكونية (CLOUD) في المنظّمة الأوروبيّة للأبحاث النوويّة سيرن (CERN)، حيث اختبروا مجموعات مختلفة من الظروف المشابهة لظروف الغلاف الجوي لمراقبة كيفية تشكل وتطور الجسيمات. وفي وقتٍ لاحق، قاموا باختبار النتائج التي توصلوا إليها في مرصد مايدو (Maido) في جزيرة ريونيون، وهي جزيرة نائية شرق مدغشقر. يقول فينكينزيلر: "ليس هناك الكثير من الأماكن في العالم يمكن للمرء أن يدرس فيها عدم تأثر الغلاف الجوي بالأنشطة البشريّة". حيث أمضى أعضاء الفريق 10 أسابيع في استخدام جميع أنواع الأدوات العلمية لتحديد خصائص الجزيئات المختلفة على الجزيرة. وفي النهاية، خلَصوا إلى أن هذه البيانات الواقعية تتطابق بالفعل مع النتائج المخبريّة.
بشكلٍ عام، يشير فينكينزيلر إلى أن اليود ليس عنصراً كيميائياً جيداً ولا سيئاً. ومع ذلك، فإن كيفية استمرار البشر في التعامل معه ستكون أحد العوامل الحاسمة في مدى قوة تأثير اليود على مستقبل الأرض، للأفضل أو للأسوأ.