ما معايير استقرار كوكب الأرض؟ وما عواقب تجاوزها؟

ما معايير استقرار كوكب الأرض؟ وما عواقب تجاوزها؟
تجاوز العالم بالفعل حدين أو أكثر من الحدود الآمنة والعادلة في 52% من مساحة سطح الأرض، ما يؤثر في نحو 86% من سكان العالم. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أفادت منظمة صندوق الحياة البرية العالمي الدولية غير الحكومية في عام 2010 أن البشر يستهلكون أراضي الأرض ومواردها بمعدل 1.5 كوكب سنوياً. تنبأت المنظمة أن البشر سيستهلكون ما يعادل موارد وأراضي كوكبين في السنة بحلول عام 2030، وذلك إذا استمر هذا المعدّل المقلق. تكمن المشكلة في أن البشر يستمرون في استهلاك الموارد الطبيعية على نحو غير مستدام، مع العلم أن أراضي العالم وموارده محدودة. وفقاً لبحث جديد، من المتوقع أن البشر قد تجاوزوا بعض الحدود القصوى لكوكب الأرض بالفعل.

8 حدود لنظام الأرض

قيّم أكثر من 40 عالماً من مختلف الدول في دراسة حديثة نُشرت في مجلة نيتشر (Nature) قدرة كوكب الأرض على توفير مستقبل آمن لقاطنيه. درس هؤلاء 8 حدود لنظام الأرض، وهي المناخ وتلوّث الهواء والكميات الفائضة من النيتروجين الزراعي والفوسفور الزراعي وإمدادات المياه الجوفية والمياه السطحية ومساحة النظام البيئي الطبيعي والسلامة الوظيفية للنظم البيئية التي عدّلها الإنسان.

اختيرت هذه المجموعة من المجالات لأنها تشمل المكونات الرئيسية للكوكب والعمليات التي تدعم بقاء أشكال الحياة، التي تشمل رفاهة الإنسان على الأرض. قاس المؤلفون حدود نظام الأرض “الآمنة والعادلة” المطلوبة للحفاظ على استقرار الكوكب وحماية البشر من الضرر البليغ. ووجدوا أن الأرض تجاوزت 7 من أصل 8 من هذه الحدود؛ إذ إن تلوث الهواء هو الحد الكوكبي الوحيد الذي لم يُتجاوَز بعد.

اقرأ أيضاً: البيانات والأدلة على احترار كوكب الأرض واضحة

تلوث الهواء هو الحد الكوكبي الوحيد الذي لم يُتجاوَز بعد

يقول مدير معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، يوهان روكستروم: “نحتاج في هذا الوضع الذي نجد أنفسنا فيه ضمن أزمة مناخية وبيئية عالمية إلى التوصل إلى حدود كميّة لضمان مستقبل آمن للبشرية على الأرض”.

عندما يتعلق الأمر بالمناخ، يعتقد المؤلفون أن حد الاحترار الذي يتجاوز درجة حرارة سطح الأرض السائدة قبل الثورة الصناعية بـ 1.5 درجة مئوية فقط يمكن أن يجنّبنا أشد العواقب على البشر والأنواع الأخرى، وهو حد شبيه بحاجز الحماية العالمي المنصوص عليه في اتفاقية باريس للمناخ التي عُقدت في عام 2015. مع ذلك، يقترح المؤلفون خفض حد الاحترار الآمن والعادل إلى درجة مئوية واحدة أو أقل لتجنب تعريض عشرات الملايين من البشر لضرر بليغ. وفقاً للدراسة الجديدة، أصبح وضع استراتيجيات للتكيف والتعويض بهدف خفض شدّة الضرر الذي يتسبب به الاحترار حالياً أكثر أهمية بالنظر إلى أن الاحترار العالمي يبلغ بالفعل 1.2 درجة مئوية.

المياه: أحد الحدود المثيرة للقلق

كانت قدرة مخزون المياه في الأرض على تلبية الاحتياجات البشرية والبيئية أحد المجالات المثيرة للقلق بالنسبة لمؤلفي الدراسة. تغيّر أنماط تدفق الأنهار من العوامل الرئيسية التي تسهم في تراجع التنوّع الحيوي في المياه العذبة. ويقترح المؤلفون نتيجة لذلك أنه يجب ألا تتجاوز نسبة التغيّر في تدفّق جميع الأنهار في العالم 20% حتى تستمر هذه الأنهار بدعم أنواع الأسماك المحلية وأداء وظائفها المختلفة في النظم البيئية. يكون حد نظام الأرض الخاص بالمياه الجوفية آمناً وعادلاً عندما لا يتجاوز معدل سحب المياه السنوي معدل التغذية الوسطي عبر طبقات المياه الجوفية جميعها، ما يضمن عدم سحب كميات غير آمنة من المياه من المصادر الجوفية. في الوقت نفسه، وُضعت حدود المغذيات الخاصة بفائض النيتروجين والفوسفور الزراعيين بهدف خفض فرط المغذيات في النظم البيئية الناجم عن مياه الجريان السطحي.

دور المحيط الحيوي للأرض

حدد مؤلفو الدراسة أيضاً عتبات تتعلق بالمحيط الحيوي للأرض. للحفاظ على كل من السلامة الوظيفية للنظم البيئية التي عدّلها البشر والفوائد الطبيعية التي يحصل عليها البشر من الطبيعة، مثل تلقيح النبات وتنظيم جودة المياه، حدد الباحثون أنه يجب أن تبلغ نسبة المواطن المتنوعة حيوياً في كل كيلومتر مربع من الأراضي التي عدّلها البشر 20-25% على الأقل. اقترح المؤلفون أيضاً حداً يتمثّل في تخصيص مساحة تتراوح بين 50 و60% من العالم للنظم البيئية الطبيعية بهدف تقليل الضرر الذي سيلحق بالأجيال القادمة، ما يسلّط الضوء على أهمية إصلاح المناطق الطبيعية.

أخيراً، وفيما يتعلق بتلوث الهواء، وضع المؤلفون حداً لمتوسط التعرّض السنوي للجسيمات الدقيقة (بي إم 2.5، PM 2.5) يبلغ 15 ميكروغراماً لكل متر مكعب، وذلك لتجنب الضرر البليغ الناجم عن هذه الجسيمات، مثل المشكلات القلبية وأمراض الجهاز التنفسي والوفاة المبكرة. يتعرّض 85% من سكان العالم حالياً لجسيمات بي إم 2.5 بتركيزات تتجاوز هذا الحد، وتعاني الفئات المستضعفة من البشر آثاراً غير متناسبة.

اقرأ أيضاً: من الشمس إلى الأرض: كيف تؤثر البقع الشمسية على مناخ كوكبنا؟

86% من سكان العالم متأثرون بتجاوز هذه الحدود

يقول روكستروم إن حدود نظام الأرض الآمنة والعادلة قابلة للتطبيق على المستويين العالمي والمحلي. قيّم المؤلفون حدود نظام الأرض على النطاق المحلي، ما أتاح لهم كشف الحدود المُتجاوَزة في مناطق معينة وتحديد النقاط الساخنة المحتملة. تبيّن نتائج الدراسة أن حدّين أو أكثر من الحدود الآمنة والعادلة كانت مُتجاوَزة بالفعل في 52% من مساحة سطح الأرض، ما يؤثر في نحو 86% من سكان العالم. وفقاً لروكستروم، الهند هي الأكثر تضرراً بسبب انتهاك أكثر من 5 من هذه الحدود؛ إذ يقول: “تتسبب الدول الغنية في نصف الكرة الشمالي بانتهاك الحدود غالباً”، ما يدل على أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية هي الأكثر تضرراً بسبب انتهاك حدود نظام الأرض الآمنة والعادلة.

خلصت الدراسة إلى أن التزام دول العالم بحدود نظام الأرض جميعها ضروري لضمان رفاهة الإنسان. قد يمثّل كل من العمل على معالجة القضايا العالمية وضمان مستقبل آمن وعادل للجميع تحدياً كبيراً بالنظر إلى أن دول العالم تتبع سياسات مختلفة وتواجه عواقب بيئية متفاوتة الشدة. التعاون الدولي أمر لا بد منه لمعالجة المشكلات المتعلقة بالعمل الجماعي.

اقرأ أيضاً: حقيقة صادمة: كل من على هذا الكوكب تقريباً يتنفس هواءً غير صحي

يقول روكستروم: “نحن بحاجة إلى تعزيز الحوكمة العالمية. نتعرض الآن لخطر زعزعة استقرار الكوكب، وهذا سيؤثر في المجتمعات المحلية والدول جميعها، ما يعني أننا بحاجة إلى العمل جماعياً لإدارة الموارد العالمية العامة التي نعتمد عليها جميعاً”.