محيط تحت القشرة الأرضية قد يكشف سر قدرة الأرض على إيواء الحياة

3 دقائق
محيط تحت القشرة الأرضية قد يكشف سر قدرة الأرض على إيواء الحياة
دورة المياه العميقة مخفية تحت القشرة الأرضية. وكالة ناسا

هناك محيط آخر مخبأ داخل الأرض في أول عدة مئات من الكيلومترات تحت القشرة الأرضية. وهو أكبر محيط في الأرض على الأرجح. لا يتألف هذا المحيط من كتل مائية ولا تسكنه الكائنات البحرية. في الواقع، هذا المحيط مائي فقط بالمعنى الأكثر أساسية، إذ أنه يتألف من ذرات الهيدروجين والأوكسجين ويرتبط كيميائياً بالصخور المحيطة به. هذا المحيط "مُخزّن". أو على الأقل معظمه كذلك.

نموذج لدراسة كميات المياه

طور "ديني أندرو" و"ناتالي بولفان-كازانوفا"، عالِما الجيولوجيا في جامعة كليرمون أوفيرن في فرنسا نموذجاً جديداً يُظهر أن كمية المياه التي تتحرك في هذا المحيط أكبر مما كان يُعتقد سابقاً. عندما تصبح الصخور الصلبة في الوشاح (إحدى طبقات الأرض الواقعة بين القشرة الأرضية ونواة الأرض) مشبعة بالماء المتفكك كيميائياً، يمكن أن تتحول إلى ملاط ​​مُذوّب غني بالمياه. يبدأ الماء نتيجة لذلك بالصعود إلى القشرة الأرضية. ويدعو الباحثون هذه الظاهرة "مطر الوشاح".

بقدر ما يؤثر دوران المياه بين الغلاف الجوي والأنهار الجليدية والبحيرات والأنهار وخزانات المياه الجوفية والمحيط على مستوى سطح البحر، يؤثّر كل من تواتر فترات الجفاف ووفرة الأمطار وتبادل المياه بين الوشاح والسطح أيضاً على صلاحية الأرض لإيواء الحياة. يعرف العلماء بالفعل أنه يمكن سحب الماء إلى طبقة الوشاح من خلال الصفائح التكتونية الغائصة وإعادته إلى السطح من خلال ظواهر مثل الانفجارات البركانية والفتحات الحرارية المائية وتشكّل طبقات جديدة من القشرة الأرضية في مراكز التوسّع المحيطية. إذا كانت دورة المياه العميقة التي يتحرك فيها الماء بين طبقة الوشاح والسطح في حالة توازن، سيظل مستوى سطح البحر على الأرض مستقراً. وإذا لم تكن متوازنة، فيمكن أن يأخذ سطح كوكبنا مختلف الأشكال من محيط عالمي واحد إلى عالم جاف تماماً.

تدين الأرض بقابليتها لإيواء الحياة لحقيقة أن مستويات سطح البحر ظلت مستقرة نسبياً لمليارات السنين. ووفقاً لدراسات سابقة أجريت على طبقة الوشاح، كان يمكن أن تكون هذه المستويات مختلفة للغاية. تشير التقديرات المستندة إلى ميكانيكا دورة المياه العميقة المفهومة سابقاَ إلى أن كمية المياه التي تتسرب إلى طبقة الوشاح تساوي تقريباً ضعف تلك التي يتم إطلاقها إلى السطح مجدداً.

يقول أندرو: "هناك طبقة على عمق نحو 410 كيلومترات تحت السطح يمكنها استيعاب كمية كبيرة من الماء". ويضيف أن الماء من المفترض أن يبقى لأجل غير مسمى في هذه الطبقة حسب ما يجمع عليه العلماء حالياً. إذا كان هذا صحيحاً، كان سينخفض مستوى المياه السطحية على الأرض ببطء لأن المياه ستترسب وتُحصر في الوشاح.

لكن هنا يدخل مطر الوشاح المعادلة.

أظهر أندرو وبولفان-كازانوفا في دراستهما أن مطر الوشاح يمكن أن يكون كافياً للحفاظ على توازن دورة المياه العميقة. اكتشف الباحثان ظاهرة مطر الوشاح من خلال دراسة ما يحدث عندما تغرق صفيحة صخرية تحتوي على المياه في تركيبها في عمق طبقة الوشاح. ووجدا أن زيادة درجات الحرارة والضغط أثناء غرق الصفحية تتسبب بذوبان الصخور وتحرير الماء.

يقول أندرو: "تشبه الصخور المنصهرة الملاط"، ويضيف: "تخيل مزيجاً طرياً من حبيبات الرمل الملتصقة ببعضها والمحاطة بالطين. الطين هو ما نسميه مطر الوشاح في هذه الحالة".

مع ذوبان المزيد من الصخور وتحرير المزيد من المياه منها، تصبح الصخور المنصهرة في النهاية خفيفة بما يكفي لترتفع تجاه القشرة الأرضية مجدداً. ومع ارتفاعها، يرتبط الماء بالمعادن الموجودة في الطبقة العليا من الوشاح ما يخفض درجة انصهارها ويتسبب بالمزيد من الانصهار الذي يتسبب بدوره بتحرير المزيد من الماء وهكذا دواليك.

نقل المياه الجوفية نحو السطح

يقول "يوشينوري ميازاكي"، عالم الأرض والكواكب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة إن نموذج أندرو وبولفان-كازانوفا لمطر الوشاح "يُظهر إمكانية وجود طريقة أخرى لنقل المياه نحو السطح بالإضافة إلى تيارات الحمل الحراري التي تسود طبقة الوشاح".

يضيف ميازاكي قائلاً: "لا يفضل الماء عادة البقاء في مرحلة الارتباط بالصخور. وسيميل للانتقال إلى مرحلة الانصهار والتخلل للأعلى". يقول أندرو إن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لاكتشاف كمية المياه التي تتسرب للطبقات العليا بهذه الطريقة.

يشير نموذج مطر الوشاح أيضاً إلى وجود كتلة محيطية واحدة حالياً في الوشاح العلوي. يقول أندرو: "تضمن هذه الكتلة جنباً إلى جنب مع المحيط على السطح وجود المياه دائماً على سطح الأرض".

اقرأ أيضاً: الجزائر إحداها: نقص المياه العذبة يهدد العديد من البلدان

يقول ميازاكي: "لا يزال هناك الكثير من الأمور التي يجب أن نتعلمها عن دورة المياه العميقة"، ويضيف: "لكن إحدى الحقائق المؤكدة هي أن هذه الدورة ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على استقرار مستويات سطح البحر المتوسطة خلال الـ 500 مليون سنة الماضية (وربما لفترة أطول)، ما ساهم في الحفاظ على بيئة صالحة لإيواء الحياة".

المحتوى محمي