عادة يوجه أنصار صناعة الطاقة المتجددة الانتباه إلى إمكانية خلق فرص العمل في هذه الصناعة. على سبيل المثال، ذكرت وكالة طاقة الرياح الأميركية أن صناعة طاقة الرياح في الولايات المتحدة قد وفرت 88 ألف فرصة عمل في بداية عام 2016، أي بزيادة قدرها 20% في سنة واحدة.
كما أعلنت مؤسسة الطاقة الشمسية أن هناك أكثر من 240 ألف عامل في صناعة الطاقة الشمسية خلال عام 2018، حيث زادت القوى العاملة بالطاقة الشمسية بنسبة 159% منذ عام 2010، مضيفةً ما يقرب من 150 ألف وظيفة في الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، وفرت صناعة استخراج الفحم نحو 74 ألف وظيفة فقط في عام 2016، ووظفت محطات توليد الكهرباء بالفحم نحو 86 ألف عامل آخر.
ووفقاً لتقرير صادر عن مبادرة الوظائف الخضراء التي تقودها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2012، فإن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يمكن أن يوفر من 15 إلى 60 مليون وظيفة إضافية على الصعيد العالمي خلال العقدين القادمين، ويساهم في خروج عشرات الملايين من العمال من حالة الفقر. أما تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لهذا العام، فبلغ أن العاملين في قطاع الطاقة المتجددة العالمي، بلغ نحو 11 مليون شخص في عام 2018.
ما هي الوظائف الخضراء؟
الوظائف الخضراء هي أي وظيفة أو عمل خاص يساهم في الوصول إلى عالم أكثر استدامة. وهي الوظائف، في أي قطاع اقتصادي مثل الزراعة والصناعة والخدمات والإدارة، والتي تسهم في حفظ واستعادة وتعزيز جودة البيئة.
تساهم هذه الوظائف في الحد من الأثر البيئي للمشاريع والقطاعات الاقتصادية المختلفة، من خلال تحسين كفاءة الطاقة والمواد الخام والمياه، وذلك عن طريق تقليل الاقتصاد المعتمد على الكربون، وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتقليل أو تجنب كل أشكال هدر المواد والتلوث، وحماية أو استعادة النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وكذلك دعم عملية التكيف مع آثار تغير المناخ.
يلخص مفهوم الوظائف الخضراء تحول الاقتصادات وأماكن وأسواق العمل والشركات، إلى اقتصاد منخفض الكربون وأكثر استدامة، مع توفير فرص عمل لائقة للجميع.
بعض الأمثلة على الوظائف الخضراء
1. مُزارع المدن الحضرية
يرتفع الإنتاج الزراعي في المناطق الريفية، وبمجرد نمو المحاصيل، يتوجب نقلها براً أو بحراً إلى أنحاء مختلفة من البلاد، وهو الأمر الذي تزداد تكلفته بشكلٍ كبير، مع زيادة تكلفة كل من النقل والوقود. كما يسبب مزيداً من إطلاق الملوثات إلى البيئة. ولكن بدلاً من إنفاق كل هذه الأموال، يستطيع مزارعو المدن الحضرية الآن زراعة حدائق كاملة على أسطح المباني المرتفعة.
كما تساعد على حماية البيئة من خلال تقليل استخدام المبيدات والوقود الأحفوري وغيرها من الموارد، بالإضافة إلى أن الأسطح الخضراء للمباني بإمكانها تحسين البيئة الحضرية، عن طريق إدارة مياه الأمطار، وتحسين جودة الهواء، وكذلك توفير أماكن للترفيه.
2. مهندس السيارات ذات الطاقة النظيفة
أحد المصادر الرئيسية لتلوث الهواء هو انبعاثات الكربون من السيارات، ومختلف وسائل النقل. يحاول المهندسون في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات القليلة الماضية التوصل إلى السيارات النظيفة، التي ستكون صديقة للبيئة. ونظراً للحاجة الماسة إلى مثل هذا النوع من السيارات، فإن الحاجة لمهندسي السيارات ذات الطاقة النظيفة تزداد.
3. فنّي جودة المياه
أصبح تلوث المياه من الأمور الخطيرة بالفعل، وقد بدأت الحكومات ومختلف المنظمات غير الحكومية في الانتباه لهذه القضية العاجلة؛ ولهذا أصبحت خدمات فني جودة المياه حيوية للغاية وضرورية في جميع أنحاء العالم.
4. علماء الطبيعة
في الوقت الذي تحاول فيه دول العالم التحرك نحو أنماط الحياة المستدامة، واقتصادات أكثر اخضراراً، فمن الضروري أن يكون هناك أشخاص مدربين على رصد وتحليل الآثار التي نخلفها على العالم من حولنا، وعلى الموارد الطبيعية التي نعتمد عليها جميعاً في حياتنا.
5. فنّي خلايا الطاقة الشمسية
الطاقة الشمسية من أفضل أنواع الطاقة النظيفة وأكثرها توفراً، لذا فإن تسخير هذه الطاقة قد يوفر الكثير من الأموال ويحافظ على البيئة، ومن هنا يرتفع الطلب على وظيفة فني خلايا الطاقة الشمسية.
6. فنّي طاقة الرياح
بدأ الاعتماد على طاقة الرياح كمصدر متجدد للطاقة لإنتاج الكهرباء، وسينمو هذا القطاع بشكلٍ كبير في المستقبل القريب. لهذا تنمو وظيفة فنّي طاقة الرياح سريعاً.
ما هو الاقتصاد الأخضر؟
https://www.youtube.com/watch?v=THY5FjwadoQ
لا يوجد تعريف محدد للاقتصاد الأخضر، لكن السمة الرئيسية لهذا المفهوم هو الاعتراف بالقيمة الاقتصادية لرأس المال الطبيعي والخدمات البيئية، والحاجة الملحة إلى حماية تلك الموارد الهامة.
لا تشمل معظم التعاريف الجوانب البيئية فحسب، بل تتضمن نهج أكثر شمولية للتنمية المستدامة؛ لذا فإن الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية، والإنتاج الزراعي المحلي، وتبادل السلع والخدمات هي العناصر التي يمكن العثور عليها في معظم تعريفات الاقتصاد الأخضر.
يعرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بالآتي:
هو أحد الاقتصادات التي تؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان والعدالة الاجتماعية، مع الحد بشكلٍ كبير من المخاطر والندرة البيئية. في أبسط صيغة له، يمكن اعتبار الاقتصاد الأخضر كاقتصاد منخفض في انبعاثات الكربون، ويملك الموارد بكفاءة، وشامل اجتماعياً.
الانتقال والمعوقات التي تواجه الوظائف الخضراء
يُلقي التقرير الصادر من منظمة العمل الدولية عام 2012 نظرةً على الآثار التي سوف يسببها الانتقال إلى الوظائف الخضراء، والاقتصاد الأخضر، وكيف ستؤثر على العمالة والدخل والتنمية المستدامة بشكلٍ عام.
يشير التقرير إلى أن ما لا يقل عن نصف القوى العاملة في العالم -وهو ما يعادل 1.5 مليار نسمة- سوف تتأثر بالانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً. وبينما سيشعر الاقتصاد بشكلٍ عام بهذه التغييرات، إلا أنه من المتوقع غالباً تأثُر ثمانية قطاعات رئيسية وهي: الزراعة، والعمل بالغابات، وصيد الأسماك، والطاقة، والصناعة التي تستخدم الموارد بكثافة، وإعادة التدوير، ومجال البناء، والنقل.
وقد تم بالفعل خلق عشرات الملايين من فرص العمل من خلال هذا التحول. على سبيل المثال، كان يعمل في قطاع الطاقة المتجددة حتى العام 2011 ما يقرب من 5 ملايين عامل، بزيادة بمقدار الضعف عن السنوات السابقة. حيث يعتبر مجال الطاقة المتجددة أحد أهم مصادر الوظائف الخضراء، ولا سيما في صناعة البناء والتشييد، وهو القطاع الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية العالمية.
من الممكن أن يخلق هذا التحول زيادة في فرص العمل بحوالي 15 إلى 60 مليون وظيفة. ومن المرجح أن تزداد هذه الأرقام في الاقتصادات الناشئة والدول النامية أكثر من البلدان الصناعية، لأن الأولى يمكنها البدء مباشرةً باستخدام التقنيات الخضراء بدلاً من استبدال البنية التحتية -التي عفا عليها الزمن- التي تستخدم الموارد بكثافة. وفي البرازيل، قد خُلقت بالفعل نحو 2.9 مليون وظيفة في قطاعات تهدف إلى الحد من الآثار البيئية عام 2010، وهو ما يمثل نحو 7% من مجموع العمالة الرسمية في الدولة.
أهمية الوظائف الخضراء
يرتفع اقتصاد الوظائف الخضراء في الوقت الحالي، وإذا لم تكن المساعدة على حل تغير المناخ وحدها لا تكفي، فهذه بعض الأمثلة على أهمية الانتقال إلى الوظائف الخضراء:
1. بالطبع الفائدة الأساسية من الوظائف الخضراء أنها تدعم الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة النظيفة، والحفاظ على مواردنا البيئية.
2. مقابل كل دولار يُستثمر في الاقتصاد الأخضر، تُخلق المزيد من فرص العمل بمقدار 3 مرات مقارنة بالاستثمار بنفس المبلغ في صناعة الوقود الأحفوري.
3. بناء اقتصاد أخضر يعني بناء الاقتصاد المحلي؛ حيث أن الموارد -مثل الطاقة الشمسية- لا يمكن شحنها إلى الخارج، وستحتاج إلى عمالة محلية.
4. الاستثمار في الوظائف الخضراء سيفيد الجميع؛ فبينما تهبط أسعار الوقود مما أدى إلى انخفاض هائل في عدد العاملين بهذا القطاع، إلا أن اقتصاد الطاقة النظيفة يزدهر في جميع أنحاء العالم، مع التوقع بتوفير 24 مليون وظيفة خضراء أخرى عالمياً بحلول عام 2030. وبجانب نمو القطاع الوظيفي، يُتوقع أن يزيد إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار 1.3 تريليون دولار، إذا ضاعفنا إنتاجنا من كمية الطاقة المتجددة.
ختاماً، ستساهم الوظائف الخضراء في مستقبل آمن ونظيف، وربما حان الوقت للبدء في البحث عن تلك الوظائف، لكن الأهم هو اكتساب مهارات جديدة، للقيام بها.