قبل الثورة الصناعية، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون ثابتة عند نحو 280 جزءاً في المليون لنحو 6 آلاف عام. يُقدر التركيز المناسب لحياة الإنسان من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 350 جزءاً في المليون، وقد تم تجاوزه لأول مرة في مايو/أيار عام 1986. ولكن في مايو/أيار عام 2022، بلغت قراءات ثاني أكسيد الكربون في مرصد "مونا لوا" التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في هاواي ذروتها عند 421 جزءاً في المليون بزيادة قدرها نحو 1.8 جزءاً في المليون عن العام الماضي.
وذلك يعني شيئين: أولاً، ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بسرعة بنحو 50% منذ أواخر القرن التاسع عشر تقريباً، وثانياً، تتطابق هذه الظروف مع الظروف الأكثر دفئاً لمناخ البليوسين الأمثل، وهي فترة تعود إلى فترة ما قبل التاريخ بين 4.1 إلى 4.5 مليون سنة مضت عندما سادت السنوريات ذات الأسنان السيفية والكسلان العملاق في الأرض. وفقاً للجمعية الأميركية للأرصاد الجوية، كانت مستويات سطح البحر في ذلك الوقت أعلى بنحو 35 متراً مما هي عليه حالياً، وذابت القمم الجليدية في القطب الشمالي والقطب الجنوبي بالكامل تقريباً، وكانت منطقة جنوب فلوريدا تحت الماء كلياً. ومع ذلك، فإن الاختلاف هو أن هذه التغيرات المناخية حدثت على مدار ملايين السنين وليس على مدار بضعة عقود فقط.
يقول ريك سبينراد مدير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، في بيانٍ الأسبوع الماضي: «لا جدال فيما يقوله العلم؛ يغير البشر مناخنا بطرق يجب أن يتكيف معها اقتصادنا وبنيتنا التحتية، ويمكننا أن نرى آثار تغير المناخ من حولنا كل يوم. الزيادة الكبيرة في مستوى ثاني أكسيد الكربون التي تم تسجيلها في مرصد مونا لوا هي تذكير صارخ بأن علينا اتخاذ خطوات عاجلة وجادة للاستعداد أكثر لمواجهة تغير المناخ».
اقرأ أيضا:
مستويات متزايدة من الانبعاثات الكربونية
تأتي هذه البيانات عقب الأخبار الواردة في وقت سابق من هذا العام، والتي تفيد بأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021 كانت الأعلى على الإطلاق في التاريخ، حيث وصلت إلى نحو 36.3 مليار طن بزيادة 6% عن مستوياتها أيام ظروف الإغلاق التي رافقت الجائحة عام 2020. شكل استهلاك الفحم نحو 40% من هذه الزيادة مع ارتفاع غير مسبوق لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بلغت إجمالاً 15.3 مليار طن. في الوقت نفسه، سجل توليد الطاقة المتجددة رقماً قياسياً جديداً في عام 2021 مع إنتاج 8000 تيراواط ساعي من الكهرباء حول العالم.
يقول رالف كيلينغ عالم الكيمياء الجيولوجية في معهد سكريبس لعلوم المحيطات، في البيان: «إنه لأمر محبط أن نفتقر إلى الإرادة الجماعية لإبطاء الارتفاع المستمر في ثاني أكسيد الكربون، قد لا يتسارع استخدام الوقود الأحفوري بعد الآن، لكننا ما زلنا نسير بأقصى سرعة نحو كارثة عالمية».
كان الارتفاع الحاد في انبعاثات الكربون أكثر وضوحاً في العقود الأخيرة، خاصة منذ خمسينيات القرن الماضي، كما يقول بيتر تانس كبير العلماء في مختبر الرصد العالمي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. ولكن عند النظر إلى عينات اللب الجليدية المأخوذة من جرينلاند أو القارة القطبية الجنوبية، بالإضافة إلى البيانات المناخية التي تعود إلى ملايين السنين، يظهر أننا لم نشهد أبداً مثل هذه المعدلات من قبل. يقول تانس موضحاً: «على الرغم من أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون قد تباينت عبر تاريخ الأرض، فإن ما رأيناه منذ عام 1950 فقط يمثل انفجاراً في مستوياتها بالنسبة للزمن الجيولوجي».
اقرأ أيضا:
ثاني أكسيد الكربون ليس المتهم الوحيد
كان ديف كيلنغ من معهد سكريبس في كاليفورنيا أول من يسجل الارتفاعات السنوية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكوكب. في السنوات الأولى من منحني كيلنغ، والذي يعود تاريخ البدء به إلى عام 1958، بلغت الزيادات نحو 0.7 جزءاً في المليون. أما اليوم، يُظهر المنحني زياداتٍ تتراوح بين 2.4 إلى 2.5 جزء في المليون على أساس سنوي.
لكن زيادات ثاني أكسيد الكربون ليست كل شيء. هناك تأثيرات عديدة لتراكم غازات الدفيئة على الكوكب؛ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خطرة وتفاقم الفيضانات والجفاف في جميع أنحاء العالم. وحتى لو انخفضت الانبعاثات فجأة، فسوف يستغرق انخفاض منحني كيلنغ مئات السنين. من المحتمل أن تمتلئ المحيطات والغلاف الجوي بثاني أكسيد الكربون أكثر من المعتاد لآلاف السنين القادمة.
ومع ذلك، فإن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا يزال على نفس القدر من الأهمية، والحلول موجودة بالفعل. يقول تانس: «إنها مشكلة سياسية وليست علمية. بينما تتجه بعض الدول إلى الاستغناء عن الوقود الأحفوري بسرعة، قررت دول عملاقة، مثل الهند، إعادة افتتاح منشآت الفحم. بالإضافة إلى ذلك، تواصل العديد من الدول تلويث الهواء بغازات الدفيئة القوية الأخرى، مثل غاز الميثان، حيث لم تتعهد أكبر الجهات المسببة للانبعاثات حتى بخفض مستويات الميثان بنسبة 30%».
من غير المعروف إلى أين يتجه الكوكب إذا استمرت الانبعاثات في الارتفاع بهذه الوتيرة الحالية. يقول تانس: «إنه أمر يعرض البشرية للخطر، لأن تغير المناخ بهذه الطريقة قد يجعل الأرض تبدو مكاناً مختلفاً في المستقبل القريب. هل ستظل صالحةً للسكن؟ نحن لا نعرف في الواقع. ربما نعمل الآن لقتل أنفسنا بشكلٍ جماعي».
اقرأ أيضا: