وفقاً لتقرير جديد نُشر في يناير/كانون الثاني 2022 في دورية "ساينس"، قد يكون لبعض نقاط البراكين النشطة، مثل جزر "أسينشن" في جنوب المحيط الأطلسي، منشأ غريب..
اعتقد العلماء لزمن أن الحمم تخرج من براكين هذه الجزر نتيجة لـ "الأعمدة الحرارية" (وهي تيّارات من الحرارة) تتدفق من أعماق طبقة الوشاح الأرضية. مع ذلك، عندما قارن الباحثون درجات حرارة نقاط البراكين النشطة و حواف وسط المحيط (وهي سلاسل من الجبال تقع في قاع المحيط تكوّنت بسبب حركة الصفائح التكتونية) حول العالم، وجدوا أن العديد من هذه النقاط كانت في الواقع باردة إلى حد ما.
جزر بركانية ذات منشأ أبرد
تقول "كارولينا ليثغو-بيرتيلوني"، عالمة الجيوفيزياء في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس، والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة إن درجات الحرارة في هذه المواقع قد لا تكون مرتفعة بما يكفي لتنقل الأعمدة من طبقة الوشاح العميقة. خلصت هي وفريقها إلى أن فهم كيفية تشكل هذه النقاط البركانية قد يقدّم أدلة مهمة حول العمليات الجيولوجية التي تحصل في أعماق غير سحيقة تحت سطح الأرض.
يحدث معظم النشاط البركاني في العالم عند الحدود بين الصفائح التكتونية، حيث توجد السلاسل الجبلية التي تسمى حواف وسط المحيط. تقول ليثغو-بيرتيلوني: "في هذه الجبال، ترتفع المادة الموجودة تحت القشرة التي نعيش عليها وتذوب، وتتسبب بالظواهر البركانية، وكنتيجة لذلك، تنفصل الصفائح وتشكّل قاعاً محيطياً جديداً"، وتضيف: "إنه تجلي للحركات واسعة النطاق التي تحدث داخل باطن [الكوكب]".
مع ذلك، وفي حالات نادرة، تنشأ البراكين من خلال عمليات مختلفة تحدث بعيداً عن حواف وسط المحيط. تشمل هذه الفئة الثانية جزر هاواي وجزر غالاباغوس البركانية. التفسير الأكثر شيوعاً هو أنه في هذه النقاط، ترتفع أعمدة حرارية ساخنة للغاية من أعماق سحيقة، ربما حتى من الحدود بين الوشاح الصخري ولب الأرض. تعمل الأعمدة الحرارية على إذابة الصخور المحيطة لتكوين الحمم، والتي تخرج في النهاية من السطح. عندما تتحرك الصفيحة التكتونية التي تعلو العمود الحراري، تتشكل سلسلة من البراكين بمرور الوقت.
خصائص كيميائية مختلفة للبازلت الناتج
وجد العلماء أن الصخور البازلتية التي تتشكّل عندما تبرد الحمم البركانية في هذه المواقع لها خصائص كيميائية مختلفة عن البازلت المتكون على طول حواف وسط المحيط. تقول ليثغو-بيرتيلوني: "إذا كانت تأتي هذه الصخور من مواد ساخنة مصدرها الأعماق، فإنها تمنحنا فرصة لمعرفة التركيب الكيميائي لطبقات الأرض العميقة التي ليس لدينا طريقة أخرى للوصول إليها، وكذلك لمعرفة المزيد عن التطور الكيميائي للكوكب".
تفيد ليثغو-بيرتيلوني بأن درجة حرارة حواف وسط المحيط يجب أن تمثل درجات الحرارة النموذجية داخل طبقة الوشاح. حتى تتدفق الأعمدة الحرارية للأعلى، يجب أن تكون أسخن من الصخور المحيطة بها بـ 100-150 درجة مئوية. تقول ليثغو-بيرتيلوني: "يجب أن تكون أكثر سخونة لتكون قادرة على الصعود عبر طبقة الوشاح بأكملها، وبالتالي يجب أن تكون أكثر سخونة من سلاسل حواف وسط المحيط بأكملها".
قدر الباحثون أن البازلت الساخن ذاب في درجات حرارة أعلى من تلك الموجودة في حواف وسط المحيط بـ 100-300 درجة مئوية. مع ذلك، تقول ليثغو-بيرتيلوني إن تقديرات درجة حرارة نقطة نشطة بركانياً غالباً ما تكون غير متسقة وتعكس فقط درجات الحرارة داخل الجزء العلوي من الوشاح، وهو عمق أقل بكثير من الأعماق التي تنشأ عندها الأعمدة الحرارية.
دور الزلازل في مثل هذه الدراسات
تضيف ليثغو-بيرتيلوني أن سر تحديد درجات الحرارة حتى 600 كيلومتر تحت حواف وسط المحيط والبقع الساخنة البركانية هو الزلازل. عندما يحدث زلزال، فإنه يطلق كميات هائلة من الطاقة على شكل موجات زلزالية. تختلف السرعة التي تنتقل بها هذه الموجات والتي تصل بها إلى مقاييس الزلازل اعتماداً على تركيب الصخور المحيطة وعمقها ودرجة حرارتها.
استخدم الباحثون نموذجاً اعتمد على القياسات الزلزالية من جميع أنحاء العالم لاستنتاج درجة الحرارة في جميع نقاط البراكين النشطة المحيطية المعروفة، والبالغ عددها 46 نقطة. حسب الفريق أيضاً أن متوسط درجة الحرارة عند حواف وسط المحيط بلغ نحو 1388 درجة مئوية.
تقول ليثغو-بيرتيلوني: "ما وجدناه مثيراً للاهتمام ومفاجئاً بحق هو أن معظم نقاط البراكين النشطة ليست ساخنة للغاية".
حددت ليثغو-بيرتيلوني وزملاؤها 3 مجموعات متميزة من النقاط البركانية النشطة. عندما ركزوا على 26 نقطة ترتبط بأعمدة حرارية تم قياسها، حدد الباحثون أن 12 نقطة منها كانت حارة حقاً، مع درجات حرارة أعلى من درجات حرارة حواف وسط المحيط بـ 155 درجة مئوية أو أكثر. مع ذلك، كانت 10 نقاط فقط دافئة، مع درجات حرارة أعلى من درجات حرارة الحواف بـ 50-136 درجة مئوية، بينما كانت 4 نقاط أخرى باردة تماماً، مع درجات حرارة مماثلة أو أقل من درجات حرارة حواف وسط المحيط.
تضمّنت مجموعة النقاط الأكثر سخونة براكين آيسلندا وساموا وغالاباغوس وهاواي. وُجدت نقاط دافئة في برمودا وجزر الكناري، بينما وجدت نقاط باردة في الكاميرون وجزيرة أسينشن وجبل "النيزك العظيم" البحري في شمال المحيط الأطلسي.
تقول ليثغو-بيرتيلوني: "لا يزال هناك نقاط ساخنة، وهي تعكس وجود مواد عميقة في مواقع قديمة، ولكن لا يوجد الكثير منها"، وتضيف: "بقية النقاط مختلفة، ما يعني أننا اكتشفنا شيئاً جديداً".
أحد التفسيرات هو أن النقاط الباردة والدافئة قد تنشأ في أعماق غير سحيقة نسبياً داخل طبقة الوشاح. تقول ليثغو-بيرتيلوني: "لقد اقترحنا أيضاً أن هذه الأعمدة [العميقة] ربما كانت ساخنة ثم حوصرت بمواد باردة"، وتضيف: "لا توقف المواد الباردة هذه الأعمدة، إذ أنها تظل قادرة على التدفق للأعلى، لكنها تصبح أبرد وتنخفض سرعتها في الصعود".
أحد الأسباب التي تجعل الباحثين غير متأكدين حول تقديرات درجة الحرارة التي طوّروها هو أن الزلازل ومقاييس الزلازل ليست موزّعة بتساوي في الأرض. تقول ليثغو-بيرتيلوني: "لذلك، فتغطيتنا للطبقات الداخلية للأرض ليست مكتملة".
تضيف ليثغو-بيرتيلوني أنه مع ذلك، تشير النتائج الجديدة إلى أن الجزر البركانية التي تبدو شبيهة بسطح الأرض لها منشأ مختلف للغاية. سيكتشف الباحثون كخطوة تالية الفرق بين المواقع البركانية في المحيط الهادئ، والأطلسي، والهندي.
تقول ليثغو-بيرتيلوني: "تسجل حواف وسط المحيط التاريخ التكتوني القديم ... للكوكب"، وهذا التاريخ "قابل للكشف من خلال درجات حرارة الحواف، والاختلافات في درجات الحرارة بينها وبين نقاط البراكين النشطة في أحواض المحيطات".