وفقاً لتقرير أشرف عليه علماء من 50 دولة، فإن الكائنات الحية تنقرض أسرع من أي وقت مضى في تاريخ البشرية؛ إذ يواجه نحو مليون نوع من النباتات والحيوانات الانقراض؛ بسبب تغير المناخ، ومشاريع تهيئة السواحل، وقطع الأشجار، والزراعة، وصيد الأسماك.
ويدعو تقرير الأمم المتحدة المذكور أعلاه إلى اتخاذ إجراءات سريعة تهم مختلف المستويات، من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي؛ للحفاظ على الطبيعة وضمان دوامها. وثمة بعض الأخبار الجيدة؛ إذ يمكن للعديد من النظم البيئية المُعرَّضة حالياً للخطر أن تقدم خدمات جليلة، إذا حُمِيَتْ من الانقراض.
أعلم من خلال أبحاثي حول الموائل الساحلية أن أكبر عقبة أمام الاستثمار في البنيات التحتية الطبيعية؛ مثل الأراضي الرطبة والشعاب المرجانية، هي غياب طريقة لتقييم الجانب الاقتصادي لحماية هذه الموائل. لكن تقريراً جديداً شاركت فيه، نشره برنامج المخاطر الساحلية التابع للولايات المتحدة الأميركية، يُقدِّم حلاً لهذه المشكلة، من خلال دراسة المزايا الاقتصادية؛ لحماية أحد أكثر النظم البيئية تنوعاً في كوكبنا، وهي الشعاب المرجانية.
يوضح هذا التقرير أن الشعاب المرجانية في المياه الأميركية، من فلوريدا والبحر الكاريبي إلى هاواي وغوام، تقدم حماية من الفيضانات، تصل قيمتها السنوية إلى أكثر من 1.8 مليار دولار أميركي؛ فهي تقلل قيمة الأضرار التي تلحق بالممتلكات العامة والخاصة بأكثر من 800 مليون دولار سنوياً، وتجنبنا كثيراً من تكاليف الأرواح، التي تبلغ قيمتها مليار دولار، والتقييم الدقيق لمزايا الشعاب المرجانية بهذه الطريقة هو الخطوة الأولى نحو تعبئة الموارد لحمايتها.
إيقاف الأمواج ومنع الفيضانات
تتصرف الشعاب مثل حواجز الأمواج المغمورة؛ إذ توقف الأمواج، وتحول طاقتها بعيداً عن الشواطئ، قبل أن تغمر الممتلكات الموجودة على السواحل. هذه وظيفة قيّمة، خاصة إذا علمنا أن العواصف المدارية وحدها تسببت، في عام 2017، في أضرار تجاوزت قيمتها 265 مليار دولار في جميع أنحاء البلاد.
وتُلحِق الحواجز الاصطناعية، مثل الحواجز البحرية، الضرر بالموائل الساحلية والكائنات التي تعتمد عليها، وفي المقابل تحمي الشعاب المرجانية السواحل، وتسهم في إغناء مصايد الأسماك، وتعدُّ أماكن للترفيه، يمكن الغوص فيها، أو ركوب الأمواج.
تتشابه مزايا الشعاب المرجانية في الولايات المتحدة، وفي أكثر من 60 دولة أخرى؛ فوفقاً لتقديرات أجريتها وزملائي في دراسة منفصلة، فإن التكلفة العالمية لأضرار العواصف على السواحل ستكون مضاعفة، لولا الشعاب المرجانية.
اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصناعة زيت النخيل: تاريخٌ من العبودية وأضرارٌ للبيئة
تحديد القيمة المحلية للحماية من الفيضانات
تعتمد تقديراتنا للقيمة الاقتصادية، المترتبة على حماية الشعاب المرجانية للسواحل، على أحدث الأدوات التي يستخدمها المهندسون وشركات التأمين؛ لتقييم مخاطر الفيضانات ومنافعها.
باستخدام نموذج محاكاة حاسوبية، وبالاستناد إلى بيانات الأمواج المجمعة على مدار أكثر من 60 عاماً، في جميع الولايات والأقاليم الأميركية التي توجد بها شعاب مرجانية، تبلغ مساحتها الإجمالية أكثر من 3057.75 كم؛ طوَّرنا خرائط تعرض شدة تأثير الفيضانات خلال عواصف مختلفة، عادية وكارثية، في وجود الشعاب المرجانية، وفي غيابها. أجرينا هذه القياسات بعد تقسيم المساحات المدروسة إلى وحدات صغيرة حجمها 100 متر مربع فقط، أو نحو 1000 قدم مربع؛ أي ما يعادل مساحة منزل صغير. بعدها قارننا هذه النتائج مع أحدث بيانات مكتب الإحصاء الأميركي، والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ؛ لتحديد الأشخاص والممتلكات المعرضة للخطر -والمستفيدين من وجود الشعاب المرجانية- في تلك الأماكن.
وبفضل دقة النموذج المستعمل، يمكننا الآن تحديد فوائد الشعاب المرجانية والمناطق المستفيدة من وجودها؛ فعلى سبيل المثال، تتلقى فلوريدا حماية سنوية تفوق قيمتها 675 مليون دولار بفضل الشعاب المرجانية، أما بورتوريكو فتصل قيمة الحماية التي تستفيد منها سنوياً إلى 183 مليون دولار، وفي هونولولو وحدها وجدنا أن الشعاب المرجانية ستوفر حماية، تتجاوز قيمتها 435 مليون دولار، إذا تعرضت لعاصفة كارثية، وهي حدث كارثي لا يتوقع حدوثه إلا مرة واحدة كل 50 سنة.
ومن المعروف أن التغير المناخي يؤثر سلباً في الشعاب المرجانية؛ إذ يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيطات إلى ابيضاض الشعاب المرجانية، ويلحق التلوث والصيد الجائر أضراراً كبيرة بهذه الشعاب. وجاء في تقرير الأمم المتحدة، عن التنوع البيولوجي، أن الأرض فقدت ما يقرب من نصف غلافها المرجاني الحي، منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، وهو ما يهدد حياة ملايين السكان في المناطق الساحلية بسبب هلاك الموائل الساحلية.
اقرأ أيضا: أضرار التعدين على البيئة
الاستثمار في الدفاعات الطبيعية
كيف يمكن لدراسة التقييم التي أجريناها الإسهام في حماية الشعاب المرجانية؟
أولاً: تدعم هذه الدراسة استخدام الأموال المخصصة لدعم المناطق المتضررة من الكوارث؛ قصد إنعاش الدفاعات الساحلية الطبيعية. بعد إعصار ساندي في عام 2012، خُصِّص نحو 1% فقط من تلك الأموال لتعزيز قدرة الطبيعة على الانتعاش، بالرغم من أن الأبحاث أظهرت أن أهوار (البحيرات والمسطحات المائية) الشمال الشرقي للبلاد يمكن أن تقلل من أضرار الفيضانات بنحو 16% سنوياً.
خُصِّص أكثر من 100 مليار دولار لمواجهة أضرار الأعاصير: هارفي، وماريا، وإيرما. ومن المنطقي أن تُنفَق بعض هذه الأموال على إنعاش الشعاب المرجانية، وفي خطوة واعدة خلقت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ فرصاً لإدراج خدمات النظم البيئية؛ مثل الحماية من الفيضانات، وإنتاج مصايد الأسماك، في حسابات تحليل تكاليف التمويل اللازم للتخفيف من أضرار الفيضانات.
ثانياً: تلعب شركات التأمين دوراً مهماً في تقديم الحوافز، ودعم الاستثمارات الموجهة للدفاعات الطبيعية؛ إذ شرعت في إدراج الموائل ضمن النماذج المخصصة لدراسة المخاطر، وفي خلق فرص لتأمين الطبيعة؛ وبالتالي يمكن إعادة بناء الشعاب المرجانية في حالة تعرضها لأضرار بسبب العواصف، أو في حالة ثبوت كفاءتها في الحماية من الفيضانات.
ثالثاً: لدى الوكالات الفيدرالية حوافز للاستثمار في الشعاب المرجانية؛ باعتبارها توفر حماية لبنيات تحتية حيوية. تحمي الشعاب المرجانية القواعد العسكرية الواقعة على طول السواحل الاستوائية، إضافة إلى الطرق الساحلية التي تعد شريان الحياة للعديد من الاقتصادات، من هاواي إلى فلوريدا وبورتوريكو.
من خلال مبادرة «هندسة بالطبيعة» يلجأ سلاح المهندسين، التابع لجيش الولايات المتحدة الأميركية، إلى الحلول الطبيعية لتقليل مخاطر الفيضانات، وعلى المنوال نفسه، تدرس وزارة النقل الأميركية سبل حماية الطرق السريعة الساحلية باستخدام حلول طبيعية؛ مثل إحياء الأهوار. وتعدُّ هذه البرامج خطوة في الاتجاه الصحيح.
ويُحدِّد تقرير الأمم المتحدة الجديد بوضوح الأخطار الرئيسية التي تُهدِّد الأنواع والأنظمة البيئية، ويقدم عملنا تقييماً اجتماعياً واقتصادياً، يُحدِّد بدقة ما على المحك. وآمل وزملائي أن يحفز التقرير الأطراف المعنية؛ للاستثمار في حماية الشعاب المرجانية، وإنعاشها، وتعزيز قدرة السواحل على الصمود أمام الفيضانات.
تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن
اقرأ أيضا: 7 تعديلات ينبغي إدخالها على قانون حماية البيئة في أستراليا