نباتات تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون مناسبة لزراعتها في المدن العربية

نباتات تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون مناسبة لزراعتها في المدن العربية
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Piyaset
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما نشهده من ظروف مناخية متطرفة، سواء كانت أعاصير أو موجات حر أو فيضانات، ليست سوى بداية الآثار الكبيرة للاحتباس الحراري الناجم عن زيادة كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون (Co2) وغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ويعلم الجميع أن معالجة التغيّر المناخي تتطلب العديد من الحلول، وأحد أهم هذه الحلول هو حماية الغابات وزراعة الأشجار والنباتات واستعادة الأعشاب البحرية؛ إذ يسهم الغطاء النباتي في تنظيف كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. 

في الواقع، حماية الغطاء النباتي وزراعة المزيد منه تلطّف المناخ بنسبة تصل إلى 37% من أجل تحقيق أهداف اتفاقية باريس رقم 203. وإذا أردنا أن نزرع، يمكننا أن نزرع أنواع النباتات التي تمتصُّ كميات أكبر من ثاني أوكسيد الكربون، وإليك أهم هذه الأنواع والمناسبة لمنطقتنا العربية.

اقرأ أيضاً: أهم المحاصيل الزراعية التي تنمو في التربة الصحراوية

هل تمتصُّ النباتات غاز ثاني أوكسيد الكربون على نحو مختلف؟

من المعلوم أن النباتات تمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون في عملية التمثيل الضوئي لتصنيع الغلوكوز، حيث يحتاج تصنيع كل جزيء من الغلوكوز إلى 6 جزيئات من غاز ثاني أوكسيد الكربون. يستخدم النبات جزيئات الغلوكوز للحصول على الطاقة اللازمة للنمو وتكوين هيكله. هذا التفاعل الحيوي ثابت وموحد بين أنواع النباتات جميعها، لكن كلما كانت سرعة نمو النبات أكبر، زاد استهلاك ثاني أوكسيد الكربون في الثانية.

إذاً، ووفقاً لهذه المعادلة، يكون نبات الخيزران سريع النمو هو الأفضل في امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون. لكن، لا تميلُ النباتات سريعة النمو للعيش فترات طويلة، وعند موت النبات، تقوم الحشرات والفطريات والميكروبات بتكسير الكربون الموجود فيها لينطلق غاز ثاني أوكسيد الكربون مجدداً في الهواء. لذلك، يمكن القول إن النباتات الأطول عمراً التي تملك كتلة أكبر من الخشب الصلب هي الأكثر مهارة في عزل غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي. لكن من بين آلاف أنواع الأشجار والنباتات، أيها الأفضل للزراعة في المنطقة العربية؟

اقرأ أيضاً: ما هو الكربون البنيّ الغامق؟ وما تأثيره في البيئة؟

أهم أنواع النباتات التي تمتصُّ غاز ثاني أوكسيد الكربون والمناسبة لمناخ المنطقة العربية

يختلف المناخ قليلاً بين دولة عربية وأخرى، لكن عموماً، يُعد المناخ جافاً في أكثر من 89% من المنطقة، وشبه جاف في 11% منها. وإليك أهم النباتات القادرة على النمو في مثل هذه الظروف: 

النخيل

 تُعد من أشهر الأشجار في عالمنا العربي وتحديداً في منطقة الخليج العربي؛ حيث تنمو في بيئة مناخية قاسية وقادرة على تحمل الرمال شديدة الملوحة، كما أن النخيل يمتصُّ غاز ثاني أوكسيد الكربون بدرجة أكبر مقارنة ببقية الأشجار، وذلك بسبب حجمه الكبير، بالإضافة إلى أنها تخزّن كمية أكبر من الكربون بالمتوسط مقارنة بأنواع الأشجار الأخرى ذات الحجم المماثل.  

ففي دراسة منشورة في دورية هيليون (Heliyon) عام 2022، أجرتها مجموعة من الباحثين بقيادة مولوغيتا بيتيماريام (Mulugeta Betemariyam) من جامعة مادا في إثيوبيا، تبين أن أشجار النخيل التي يزيد عمرها على 20 عاماً تحتوي على مخزون من الكربون في الكتلة الحيوية الموجودة فوق التربة (جذع وأوراق وفروع) يبلغ بالمتوسط نحو 159.50 كيلوغراماً لكل شجرة، وأوضحت الدراسة أن أشجار النخيل التي يزيد عمرها على 10 سنوات تحديداً تسهم على نحو كبير في خفض نسبة ثاني أوكسيد الكربون من الجو.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Sergei25

اقرأ أيضاً: تغيّر المناخ يجرد المحيطات من الأوكسجين ويعرض الحياة البحرية للخطر

المانغروف 

المانغروف (Mangrove) شجرة أو شجيرة استوائية وشبه استوائية، قادرة على العيش في المياه المالحة والفقيرة بالأوكسجين، كما تعيش متجمعة حول المياه قليلة الملوحة في مصبات الأنهار. يمكن رؤية أشجار المانغروف في البحر الأحمر قبالة سواحل المملكة العربية السعودية، وهي “تستطيع عزل كميات أكبر من غاز ثاني أوكسيد الكربون مقارنة بالغابات المطيرة”، على حد قول البروفيسور كارلوس دوارتي (Carlos Duarte)، عالم البيئة البحرية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية.

وقد أشارت دراسة منشورة في دورية علوم الأرض الطبيعية (Nature Geoscience)، إلى أن هكتاراً واحداً (10 آلاف متر مربع) من غابات المانغروف تخزّن سنوياً 1023 ميغاغراماً على نحو متوسط من الكربون (ما يعادل ألف طن من الكربون لكل هكتار). 

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Nattapon Ponbumrungwong

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى 8 أنواع نباتية لا تنمو إلّا في مكان واحد في العالم

الصباريات

الصبار من أفضل النباتات المناسبة للنمو في المناخ الجاف، وهو عبارة عن نباتات مكونة من سيقان أو فروع عصارية ذات قشور وأشواك بدلاً من الأوراق. تتميز الصباريات بنظام تمثيل ضوئي مختلف قليلاً عن باقي النباتات، حيث تفتح الثغور (الثقوب الصغيرة الموجودة على الأوراق) ليلاً فقط عندما يكون النبات بارداً نسبياً والنتح أقل، ثم تمتصُّ كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد وتخزّنه داخل النباتات حتى شروق الشمس، وعندها تغلق هذه الثغور، ويبدأ النبات باستخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون المخزن في عملية التمثيل الضوئي طيلة فترة النهار. 

ومن الأنواع الشهيرة للصبار التين الشوكي، الذي له ثمار حلوة الطعم. يُعد الصبار مخزناً طبيعياً للكربون وله قدرة كبيرة على عزل غاز ثاني أوكسيد الكربون، ويبدو أن مساحة مزروعة بالصبار تبلغ 56,655 متراً مربعاً ستكون قادرة على امتصاص نحو 8,100 طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، كما أن زراعتها سهلة وبسيطة، وتتم من خلال قطع أجزاء من الفروع الناضجة وزراعتها.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Barbara Ash

 الألوفيرا

 يتميز نبات الألوفيرا (Aloe Vera) بقدرةٍ أكبر من غيره من النباتات على امتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون، ففي دراسة منشورة في دورية الهندسة والتكنولوجيا النظيفة (Cleaner Engineering and Technology) عام 2020، قُورن بين قدرة عدة أنواع من النباتات على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون، تبين أن الألوفيرا تعمل بكفاءة أكبر مقارنة بالأنواع الأخرى في خفض تركيز ثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى أن كمية ثاني أوكسيد الكربون التي تنبعث منه بعد فترة الامتصاص التي تبلغ 8 ساعات هي أقل من بقية النباتات. وقد نوهت الدراسة وفقاً لهذه النتائج بأهمية زراعة نبات الألوفيرا لخفض تركيز ثاني أوكسيد الكربون من الجو ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، خصوصاً أن الألوفيرا ينمو جيداً في المناخ الجاف.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ PinkyShopGrapher PHOTO

اقرأ أيضاً: بيانات جديدة: التغيّر المناخي هو السبب الرئيسي لموجات الحر التي حدثت في شهر يوليو 2023

النيم

يستطيع شجر النيم (Azadirachta indica) النمو في المناطق الحارة والجافة، وهو مميز من الناحية البيئية؛ إذ يستطيع تحمل مستويات عالية جداً من التلوث، بالإضافة إلى قدرته العالية على التعافي حتى لو سقطت معظم أوراقه. ويُعد شجر النيم واحداً من أكثر الأنواع المناسبة للتقليل من التلوث الحضري في المواقع الصناعية؛ إذ تعمل الأشجار مثل مرشحات هواء طبيعية فعّالة جداً في حبس جزيئات الغبار وامتصاص الملوثات الغازية، بالإضافة إلى تمتعها بكفاءة عالية نسبياً في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الجو.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Srinivasan.Clicks

 الأوكالبتوس

تُعد أشجار الأوكالبتوس (Eucalyptus spp) خياراً فعّالاً عندما يتعلق الأمر بتعويض انبعاثات الكربون؛ فهي سريعة النمو دائمة الخضرة وتنمو جيداً في الظروف الجافة والقاحلة وتمتصُّ بسرعة كميات كبيرة من الكربون، بالإضافة إلى أنها تخزّن كميات كبيرة منه طوال حياتها. في الواقع، يمكن لهكتار واحد من أشجار الأوكالبتوس تخزين ما يصل إلى 15.7 طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، وذلك بعد 4 سنوات على زراعتها. وفي الوقت الذي تصل فيه هذه الأشجار إلى عمر 14 عاماً، يرتفع هذا الرقم إلى 25.3 طن من ثاني أوكسيد الكربون. ومع ذلك، تتطلب زراعة الأوكالبتوس إدارة حذرة بسبب استهلاكها العالي للمياه، وهو ما ينبغي أخذه في الاعتبار في المناطق التي تعاني ندرة المياه.

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Ammak

 الزيتون

 تُزرع شجرة الزيتون على نحو أساسي في منطقة حوض البحر المتوسط، أي دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تحتاج إلى متوسط درجة حرارة ما بين 15-20 درجة مئوية. وبالطبع يختلف معدل امتصاص ثاني أوكسيد الكربون لشجرة الزيتون بناءً على عوامل عدة؛ مثل عمرها وصحتها وظروفها البيئية وموقعها، لكن على نحو متوسط، تستطيع شجرة الزيتون الواحدة خلال فترة حياتها امتصاص نحو 570 كلغ من ثاني أوكسيد الكربون. 

حقوق الصورة: shutterstock.com/ Studiovd

اقرأ أيضاً: كيف يستنزف التلوث المياه العذبة؟

ختاماً، يمكن القول إنه مهما اختلف نوع الشجرة التي تزرعها تأكد من أنها ستشكّل بصمة إيجابية في رحلة امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، لكن من المهم عند اختيار النباتات المراد زراعتها مراعاة الظروف المحلية، مثل توافر المياه، ونوع التربة، ودرجات الحرارة القصوى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمزيج متنوع من الأنواع النباتية أن يساعد على خلق بيئة حضرية أكثر مرونة واستدامة مع التخفيف من مستويات ثاني أوكسيد الكربون. يمكن للتعاون مع خبراء البستنة المحليين والمنظمات البيئية أن يوفّر رؤى قيمة لاختيار النباتات الفعّالة وممارسات الزراعة في المنطقة العربية ومدنها.