منذ الأيام الأولى لانطلاقة مطعمنا "تشيز بانيسي"، عرفت مدى أهمية أن يكون طعامنا طازجاً وذو نكهة جيدة، ولكن لم يكن تناول الأطعمة في موسمها، أو ما أسميه "الموسمية"، هو الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي. لكن الحقيقة أننا كنا نكافح مع الموسمية كل يوم دون أن نعلم، ولم يكن هناك ما يجعلنا ملتزمين بمعرفة ما تعنيه.
جاء التحول إلى الطهي الموسمي في مطعم تشيز بانيسي مع اتصالنا بالمزارع "بوب كانّارد" وقيامه بجلب الأطعمة الطازجة دائماً من مزرعته إلى مطعمنا. يعود سبب قدرته على ذلك جزئياً إلى المناخ المحلي شبه الساحلي لمدينة سونوما حيث توجد مزرعة بوب، وإلى أنه كان يعرف بدقة أي الخضروات والفواكه يمكنه زراعتها بنجاح في مختلف الأوقات من العام. لقد كان يرسل لنا الخضروات التي لم نكن نعرف حتى أن هذا الوقت هو موسمها. كان توفر بعض الأطعمة في الشتاء، مثل الجزر أو الهندباء التي كان يرسلها بوب، والتي كانت جميلة جداً ولذيذة، بمثابة تعليم غذائي حقاً. لقد سمحت لنا الأطعمة التي كان يرسلها بإدراك أن هناك نكهات جديدة ومختلفة يمكن اكتشافها، وذلك بغض النظر عن الموسم الذي كنا فيه.
اختر الأطعمة الطازجة
النضج أساس الموسمية. للنضج خواص دقيقة، ويحتاج الأمر إلى خبرة لمعرفة متى يكون شيءٌ ما ناضجاً. على سبيل المثال، معرفة مقدار النضج المناسب لثمار الأفوكادو ولون ثمار المشمش ورائحة الماراكويا (فاكهة زهرة الآلام). يجب أن تتفحصها بعناية وتقيّم نكهتها وتستكشف رائحتها. فالقدرة على تمييز نضج الثمار ليس مجرد أن تقول "هذا جيد" أو "هذا سيئ". لفهم النضج، عليك أن تتعلم من خلال التجربة والخطأ، عليك أن تتذوق مراراً وتكراراً.
ستفهم النضج حقاً عندما تزرع الأطعمة بنفسك. يتعلم الأشخاص الذين يزرعون أو يملكون أشجار فواكه وحدائق خضروات في ساحات منازلهم -وحتى من يزرعون النباتات على سلالم النجاة- من خلال التجارب، وبعد عدة مواسم، يبدؤون في تمييز الطعام الناضج جيداً. على سبيل المثال، يعرف الأطفال في حديقة "إيديبل سكوليارد" التعليمية متى ينضج التوت والعليق، لأنهم تعلموا من الاستكشاف. قبل أن يبدؤوا المدرسة، لم يكن لديهم أي فكرة عن ماهية التوت! لكن عندما يعودون إلى المدرسة في منتصف أغسطس/آب، ويخرجون لحضور فصل العلوم الأول لهذا العام في الحديقة، يذهبون مباشرةً إلى التوت. النضج يجذبهم دائماً.
قد يعتقد البعض أن تناول الأطعمة في موسمها فقط أمر غير عملي، أو أن ذلك يعني حرمان أنفسنا من تناول الأطعمة التي اعتدنا عليها طوال العام. في الواقع، لقد تم تكييفنا لتوقع توفر طعام الصيف خلال جميع الفصول على الرغم من أن الطبيعة لا تعمل بهذه الطريقة. دائماً ما أقول ذلك، ولكن الحقيقة هي أنه عندما تأكل على مدار العام نفس فواكه وخضروات الدرجة الثانية التي يتم شحنها من الجانب الآخر من العالم أو تلك التي تتم زراعتها في بيوت بلاستيكية صناعية، لا يمكنك تجربتها في الواقع على حقيقتها عندما تنضج في موسمها الفعلي، أقصد عندما تكون طازجة ولذيذة. ستمل منها بحلول وقت نضجها. نحن نأكل بلا تفكير. لا يجب أن يكون التخلي عن هذا التوافر الدائم عائقاً. بل بالعكس، يتعلق الأمر بالتخلي عن تناول أطعمة الدرجة الثانية بشكلٍ أساسي. إنه أمر يجعلك تشعر بالارتياح.
خطط مسبقاً وتعلم كيفية الحفظ
هناك حجة أخرى أسمعها ضد الموسمية، وهي أنه لا يمكننا إطعام الجميع على هذا الكوكب إذا كان علينا أن نعيش على ما يزرع محلياً، لكني لا أؤمن بذلك. أنا مقتنعة بأن استخدام شبكات المزارع المحلية الصغيرة هو الطريقة الوحيدة لإطعام الجميع على نحو مستدام. ومع ذلك، دائماً ما يُقال لي: «لا بأس بالحديث عن الموسمية في بيركلي، لكني أعيش في ماين. لدينا شتاء طويل هنا. ماذا عليّ أن آكل؟». أدرك صعوبة التحدي. وهذا صحيح: ففي كاليفورنيا، تنمو بعض الفواكه والخضروات في الخارج طوال فصل الشتاء، ومزرعة بوب كانارد الاستثنائية خير دليل على ذلك. نحن محظوظون. ولكن من الممكن تناول الطعام في موسمه حتى في المناخات التي تبدو غير مضيافة. في الواقع، لم نعتد على تناول الطعام في موسمه لدرجة أننا نسينا الطرق التقليدية التي يحفظ بها الناس الطعام ويعدونه. أنا مندهشة من كمّ الطرق التي يمكننا من خلالها حفظ الأطعمة الموسمية: مثل تمليح السمك واللحوم وتخليل الملفوف والجزر واللفت وتعليب الطماطم أو الخوخ، وحتى الطهي باستخدام جميع الأصناف التي تُخزن بالطرق القديمة مثل الفاصوليا المجففة والعدس والمعكرونة والأرز والتوابل والمكسرات والتوت المجفف.
قبل 60 عاماً فقط، كان حفظ الأطعمة مهارةً تتقنها معظم العائلات. عندما تعرف كيفية طهي الأطعمة والحفاظ عليها، يمكنك استخدام هذه الأطعمة بطرق لا تعد ولا تحصى. يمكن تجميد الطعام لحفظه لبعض الوقت أيضاً، كما هو الحال مع المرق أو الفاكهة التي يمكن تحويلها إلى عصائر ومثلجات واستهلاكها في وقت لاحق من العام. يساعد حفظ الطعام على تقليل انعدام الأمن الغذائي لدينا. وعلى الرغم من أنني كرست نفسي للموسمية ولأولوية الأطعمة المحلية، إلا أنني أدرك فوائد فكرة عالم الاجتماع ومؤسس منظمة الوجبة البطيئة "كارلو بيتريني" عن العولمة الفاضلة التي تنطوي، على سبيل المثال، على شراء القهوة والشاي والتوابل والشوكولاتة والسلع الأخرى غير القابلة للتلف من أشخاص في بلدان أخرى تعتمد على أفضل ممارسات الزراعة والعمل.
العيش على الأطعمة الموسمية هو أمر مُمكّن، ويمكن أن يكون هناك ما يكفي من الطعام المحلي، حتى في الأشهر التي تكون فيها العناصر الطازجة أقل توفراً. يمكنك تحضير نفسك لهذا الأمر، ويجب أن يكون لديك أماكن باردة لتخزين البطاطا الحلوة والتفاح والمكسرات، ويجب عليك التفكير مسبقاً للاستفادة من وقت حصاد الأطعمة وحفظها في موسمها.
كما أن تناول الأطعمة في موسمها يتحدى أيضاً قدرتك على الابتكار. بالنسبة لي، أجد نفسي أهتم كثيراً بالمكونات عندما أتناول الأطعمة في موسمها، وأجد نفسي أقتصد أكثر أيضاً: فقد أتناول قشور البرتقال بدلاً من رميها، وقد أصنع مرقاً باستخدام أجزاء الخضروات الفجّة وقشور البصل. أنا لا أميل في الواقع إلى إضاعة أي جزء منها، لأنني أعلم أن هذا الوقت الوحيد الذي يمكنني فيه تناول حبوب البازلاء الربيعية الجميلة، أو التين في فصل الخريف. وأنا أقدر ذلك.
النبأ السار هو أن هناك أيضاً العديد من الطرق لتمديد موسم النمو بشكل طبيعي. الأمر ليس مثل شحن الطعام حول العالم أو بناء بيوتٍ محمية تعتمد على استخدام المبيدات. إنها طريقة للتعامل بشكل خلاق مع تغير الفصول. أحد البيوت المحمية العضوية الاستثنائية التي صادفتها موجودة في مدرسة باليمالوي " Ballymaloe Cookery" للطهي في أيرلندا؛ التنوع الهائل للنباتات فيها مذهل حقاً. إنها بمثابة مختبر عضوي. لقد أخذوا الزراعات المحلية من محيطهم وقاموا بتمديد وقت زراعتها خلال فصل الشتاء. لا تزال هناك قيودٌ بالطبع -حيث لا يمكنك الحصول على كرز ناضج من البيت المحمي في يناير/كانون الثاني على سبيل المثال- ولكن يمكن توسيع خياراتك من خلال ممارسات الزراعة العضوية والتجديدية الذكية، ويمكن تنفيذ ذلك في أي مكان في العالم.
كن صبوراً
من الواضح أن الصبر جزء مهم من استراتيجية تبني الأطعمة الموسمية أيضاً. قد لا نطيق انتظار موسم سمك تشينون اللذيذ في كاليفورنيا، مع ذلك فإننا ننتظر. وعندما يأتي موسمه أخيراً، يحل على مائدتنا طوال الوقت. الأهم من ذلك، يساعدنا الطهي على هذا النحو على تذكر أنه لا يمكننا توقع أن يستمر موسم السلمون كما كان عليه في السابق، حيث يختلف توافر السلمون المحلي كل عام بسبب الاحتباس الحراري والصيد الجائر والتغيرات البيئية الطبيعية. قبل عامين، كان السلمون المحلي متاحاً لمدة ستة أسابيع قصيرة فقط. علينا أن نتكيف مع تقلبات الطبيعة، وعندما نقوم بذلك، نصبح أكثر وعياً بالصورة الأكبر لما يحدث في نظامنا البيئي، الأمر الذي يدفعنا لمراعاته والاهتمام به أكثر.
من المهم للغاية تقبّل التغيير. تختلف الأشياء باختلاف الوقت: عندما نريد أن يكون العالم من حولنا هو نفسه دائماً، فإننا بذلك نسبح عكس التيار. تساعدنا الموسمية على توجيه أنفسنا وتدفعنا إلى تبني التغيير بدلاً من الخوف منه. عندما تتقبل أن هناك فصولاً، تشعر بمرور كل لحظة وتفهم كم هي الحياة سريعة وثمينة.