يمتد فالق سان أندرياس على مسافة 1200 كيلومتراً عبر كاليفورنيا، حيث تلتقي عنده صفيحتان تكتونيتان هائلتان؛ صفيحة أميركا الشمالية وصفيحة المحيط الهادئ. عندما تندفع تلك الصفائح وتنزلق إحداهما تحت الأخرى، قد يعاني البشر الذين يعيشون فوقها من زلازل مدمرة.
قد يكمن مفتاح فهم تلك الزلازل في منطقة خطر الفالق، داخل الجدران الزجاجية لمبنى إداري عادي في مينلو بارك، إحدى ضواحي شبه جزيرة سان فرانسيسكو. حيث يوجد هناك المكتب الإقليمي لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS)، والذي يدير بيانات المخاطر الزلزالية. يعد فالق سان فرانسيسكو أحد أكثر الفوالق التي تناولتها الدراسات على هذا الكوكب، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى الجيولوجيين العاملين في هذا المبنى.
ومع ذلك، فإن فهمنا لسلوك الأرض تحت السطح ما يزال بعيداً عن الاكتمال. من أجل كشف أسرار حركة الأرض، يبحث العلماء عبر ملايين السنين في الماضي. يمكن أن تساعدنا الاكتشافات التي قامت بها مجموعتان، والتي نُشرت إحداها في دورية «ساينس أدفانسس» والأخرى في «جيولوجي»، في التنبؤ بشكلٍ أفضل بمكان حدوث الزلزال القادم.
اقرأ أيضاً: المياه في باطن الأرض تسبب الزلازل وموجات تسونامي
نمذجة كيفية تحرك الجبال
يقع منتزه مينلو في ظلال جبال سانتا كروز. تفصل هذه القمم المتعرجة مثل ظهر التنين، والتي تُشتهر بكروم العنب، امتداد وادي السيليكون عن المحيط الهادئ.
في التقويم الجيولوجي، ما تزال هذه الجبال بمثابة طفل صغير. يفترض الجيولوجيون أن الجبال بدأت في الارتفاع منذ نحو 4 ملايين سنة، وهي تجلس على "عقدة" من منحنيات فالق سان أندرياس. ويعتقد الجيولوجيون أن المنحنيات هذه قد دفعت الجبال للارتفاع عبر سلسلة طويلة من الزلازل. ومع ذلك، فإن مسألة الزلازل التي تسببت في هذا الارتفاع لا تزال غامضة.
لحسن الحظ، كان العلماء في منطقة خليج سان فرانسيسكو يقيسون الزلازل ويجمعون عينات الصخور منذ عقود. لا تتوافق جميع البيانات معاً، لكنها ما زالت تجعل المنطقة "أحد الشواهد الطبيعية الرئيسية للإجابة عن بعض هذه الأسئلة"، كما يقول جورج هيلي عالم الجيولوجيا في جامعة ستانفورد وأحد مؤلفي الورقة البحثية التي نُشرت في «ساينس أدفانسس». جمعت تلك المجموعة أيضاً بياناتٍ خاصة بها؛ حيث أخذوا عيناتٍ من الصخور للاستقصاء عن الهيليوم، العنصر الذي ينبئ الجيولوجيين بزمن تشكل الصخور وتحت أي درجة حرارة حدث ذلك.
اعتماداً على هذه البيانات، ابتكر أحد طلاب هيلي، ويدعى كورتيس بادن، وزملاؤه نموذجاً رياضياً يُعتبر أحد النماذج الأولى التي تعتمد على الفيزياء الديناميكية، لإظهار كيفية تشكل الجبال. لقد استفادوا من البرامج التي يستخدمها المهندسون لدراسة كيفية تحمل المواد للأحمال المختلفة. وبهذه الطريقة، كان نموذجهم قادراً على إظهار كيفية انحناء الصخور وانكسارها وتشوهها بينما تدفع الزلازل الجبال إلى أعلى.
كشفت المحاكاة عن شيء مثير للدهشة. يقول هيلي: «إذا صدقت النماذج، يمكن أن يحدث جزء كبير من تكوّن الجبال في الفترات الفاصلة بين الزلازل وليس أثناء حدوثها».
في معظم الفوالق، تحاول الصفائح التكتونية المتحركة دفع نفسها لتتجاوز بعضها بعضاً. وتستمر لسنوات أو عقود أو حتى قرون بهذه الحركة الدفعية بهدوء، وبالتالي تراكم الطاقة عند حدود التقائها.
في النهاية، ستتحرر هذه الطاقة على شكل هزة أرضية مفاجئة؛ زلزال. ولكن وفقاً لهذه المحاكاة، يمكن أن تتدفق هذه الطاقة أيضاً إلى بناء الجبال بين زلزال وآخر.
ويقول المؤلفون إن البيانات من هذه المحاكاة يمكن أن تساعد في سد الفجوات حيث لا تتطابق الملاحظات الأخرى.
إنجاز في علم آثار الزلازل
عند الانتقال نحو 160 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من منطقة الخليج، إلى المنطقة القريبة من منتزه بيناكلز الوطني، ستجد أن طبيعة فالق سان أندرياس قد تغيرت. لا تشيع هنا الزلازل الكبيرة كما هو عليه الحال في الشمال أو الجنوب، حيث يمر الفالق عبر مدن لوس أنجلوس وإنلاند إمباير وبالم سبرينج.
وذلك لأن هذا الجزء من فالق سان أندرياس ليس مثل الأجزاء الأخرى. هنا، تدفع صفيحتا أميركا الشمالية والمحيط الهادئ بعضهما بعضاً باستمرار دون مراكمة الضغوط التي تسبب الزلازل العنيفة. يطلق الجيوفيزيائيون على هذا الجزء الفالق "الزاحف".
يمكن أن تحدث هزات طفيفة غير مؤذية نسبياً في منطقة سان أندرياس المركزية، ولكن لم يكن هناك هزة كبيرة في التاريخ المسجل- على الأقل منذ 2000 عاماً. ولكن لمجرد أن الفالق المركزي في سان أندرياس هو فالق زاحف لا يعني بالضرورة أنه كان دائماً كذلك. أراد العلماء التنقيب في الصخور والنظر إلى الماضي.
اعتمد العلماء على المؤشرات الحيوية؛ بقايا الكائنات الحية المحصورة في السجل الصخري والتي تغيرت طبيعتها الكيميائية بفعل الحرارة العالية. هذه هي الطريقة التي يتشكل بها النفط والغاز الطبيعي، والباحثون عن الوقود الأحفوري على دراية بفكرة استخدام المؤشرات الحيوية كأداة بحث.
تقول هيذر سافاج، عالمة الزلازل في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز ومؤلفة الورقة التي نُشرت في دورية «جيولوجي»: «لقد قلبنا هذه الفكرة رأساً على عقب. عندما تكون الجزيئات العضوية في مناطق الفالق، فإنها ستواجه حرارة عالية فقط ربما لبضع ثوان خلال الزلزال، ولكن يمكن أن تسخن حقاً، لذلك يجب أن نرى آثار بعض هذه التفاعلات تحدث».
حفر العلماء بعمق نحو 3200 متراً تحت الأرض، ووجدوا مؤشراتٍ حيوية تنبئ بتاريخ عنيف إلى حد ما. يبدو أن هذا الفالق الهادئ قد مزقته العديد من الزلازل العنيفة الكثيرة في الماضي. كشف العلماء أدلة على حدوث ما لا يقل عن 100 زلزالاً، بعضها يُحتمل أن قوته وصلت إلى 7 درجات على مقياس ريختر؛ أي أقوى من زلزال لوما برييتا عام 1989 وزلزال نورثريدج عام 1994 في كاليفورنيا.
يقول سافاج: «على حد علمنا، وحتى هذا العمل، لم نكن نعرف أنه ستكون هناك مثل هذه الزلازل الكبيرة إلى هذا الحد في القسم الزاحف من الفالق».
ربما حدثت هذه الزلازل في وقت ما منذ بضعة آلاف إلى 3.2 مليون سنة مضت، والآن تسعى سافاج وزملاؤها لتحديد وقت حدوث هذه الزلازل بدقة أكبر. لكن ذلك يشير إلى أن هذا الفالق ليس بالهدوء الذي قد يبدو عليه. إذا كان من الممكن حدوث هزات عنيفة في الماضي، فإن الظروف مهيأة لحدوثها مجدداً اليوم.
من علم الزلازل إلى التعديلات التحديثية الزلزالية
إن فهم تاريخ فالق سان أندرياس لا يقتصر فقط على تكوين صورة لما كانت تبدو عليه كاليفورنيا عندما جابت حيوانات الكسلان والقطط ذات الأسنان السابرة الأرض، منذ ملايين السنين. في الواقع، يمر الفالق في اثنتين من أكبر المناطق الحضرية في أميركا الشمالية، وتعرض الزلازل عشرات الملايين من الأشخاص للخطر.
يأمل الجيولوجيون أن تتمكن أبحاثهم، خلف جدران مكتب المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة، من تقييم التهديدات التي تتعرض لها المباني والأرواح بفعل الزلازل بشكلٍ أفضل.
عندما يقوم الخبراء التكتونيون بتقييم مخاطر الزلازل في منطقة معينة، فإنهم يأخذون في الاعتبار عدة أنواع مختلفة من البيانات؛ قياسات الأقمار الصناعية لشكل الأرض، أو أنماط الزلازل السابقة، أو التاريخ طويل المدى للفالق. في بعض الأحيان- كما هو الحال في جبال سانتا كروز اليوم - لا تتفق هذه البيانات مع بعضها بعضاً. وفي هذا الصدد، يأمل هيلي أن يتمكن نموذج مجموعته من حل هذه التناقضات من خلال إظهار كيفية ارتباط هذه البيانات بالعمليات نفسها.
ويمكن لأبحاث سان أندرياس المركزية أن تضيف فارقاً بسيطاً إلى نماذج المخاطر في وسط كاليفورنيا. تقول سافاج: «أعتقد أنه من خلال عملنا يمكننا أن نرى احتمال حدوث الزلازل هنا بالفعل، وأن هناك أدلة على حدوث العديد من الزلازل في هذا القسم من الفالق».