نوع نادر من الماس يكشف عن بيئة مائية يحتمل وجوها في أعماق الأرض السحيقة

3 دقائق
نوع نادر من الماس يكشف عن بيئة مائية يحتمل وجوها في أعماق الأرض السحيقة
تكشف قطعة ألماس من عيار 1.5 قيراط الأسرار الغامضة لطبقة الوشاح. تينغتينغ جو

لن تكون الأرض الكوكب الذي نعرفه ونحبه بدون الماء، فبعد كل شيء، يغطي هذا السائل الذي يدعم حياتنا 70% من سطح كوكبنا. من السهل دراسة المياه الموجودة على سطح الأرض ورؤيتها، لكن هناك مياهاً تجري تحت أقدامنا في دورة أكثر غموضاً تدعى "دورة المياه العميقة". تُدعى دورة المياه هذه أيضاً "دورة المياه الجيولوجية"، وهي عملية تصف تبادل المياه بين طبقة الأرض السطحية والطبقة الثانية التي تسمى الوشاح. من المثير للاهتمام أن المعادن المحبة للماء يمكنها نقل مياه المحيطات عميقاً داخل باطن الأرض قبل أن تعود إلى السطح مجدداً عبر ثورات البراكين أو النشاطات الزلزالية الأخرى.

صعوبة دراسة دورة المياه العميقة

كان من الصعب على العلماء في السابق فهم دورة المياه العميقة تماماً، خصوصاً وأن أعمق ثقب سبرٍ (الثقوب الضيقة التي يصنعها العلماء في الأرض لسبر أعماقها) معروف لا يزيد عمقه على 12 كيلومتراً إلا قليلاً. مع ذلك، تشير دراسة جديدة نُشرت أمس في مجلة "نيتشر جيوساينس" إلى وجود بيئة رطبة في طبقة الوشاح السفلى على عمق أكبر مما كان يُعتقد سابقاً.

درس الفريق المنطقة الانتقالية من الأرض (TZ)، والتي تقع على عمق يتراوح بين 410 إلى 660 كيلومتراً تحت الأرض في المنطقة الفاصلة بين طبقة الوشاح العلوي والوشاح السفلي. هناك ضغط هائل في هذه المنطقة يكفي لتغيير هيكل معدن الأوليفين البلوري (يُدعى هذا المعدن بالزبرجد أيضاً). يشكّل الأوليفين نحو 70% من طبقة الوشاح العلوي، لذلك فإن هذا النوع من التغيير يمثل مشكلة كبيرة لكل من التركيب المعدني والكيميائي للوشاح.

يقول مؤلف الدراسة والأستاذ الجامعي بجامعة جوته في فرانكفورت، فرانك برينكر، من معهد علوم الأرض في بيان صحفي: «تعيق هذه التحولات المعدنية بشكل كبير تحركات الصخور في الوشاح». يشير برينكر إلى أن أعمدة الصخور الساخنة الصاعدة من أعماق منطقة الوشاح (تسمى أعمدة الوشاح) تتوقف أحياناً أسفل المنطقة الانتقالية مباشرةً.

يقول برينكر موضحاً: «تواجه صفيحات الاندساس صعوبة في اختراق المنطقة الانتقالية بأكملها، لذلك نشأت "مقبرة" كاملة من هذه الصفيحات في المنطقة الواقعة تحت أوروبا».

ماسة نادرة تكشف أسرار طبقة الوشاح

للبحث عن دليل على وجود الماء، قام الفريق بتحليل ماسة نادرة جداً تم استخراجها من عمق 660 كيلومتراً تحت سطح الأرض، وقد عُثر عليها في منجم كاروي في بوتسوانا.

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة، تينغتينغ جو، لمجلة العلوم للعموم إنها عندما كانت تعمل كزميلة باحثة في المعهد الأميركي للأحجار الكريمة (GIA)، كان الفريق يتطلع لمعرفة أصل هذه الماسة وشوائب النيتروجين المتراكمة بها: «كنا نشعر بالفضول بشأن أصلها».

اكتشف الفريق شوائب تحيط بالماسة. تتكون الشوائب من أجزاء صغيرة من معادن أخرى، مثل الرينغوودايت، يمكن أن تحتوي على المزيد من الماء. يشيع معدن الرينغوودايت في الطبقة الانتقالية.
المثير للدهشة أن أشكالاً أخرى من المعادن التي تشيع عادةً في الوشاح السفلي كانت تحيط بمعدن الرينغوودايت بدلاً من أن تحيط بها معادن توجد في الطبقة الانتقالية. وفقاً للمؤلفين، يمكن أن يحتوي الرينغوودايت على كمية أكبر بكثير من الماء من المعادن التي يُعتقد أنها سائدة في الوشاح السفلي، مثل البريدجمانيت والفيروبيريكلاز. حافظت الماسة المحيطة بالمعادن على سلامة خصائصها، ما مكّن الباحثين من معرفة سبب وجود الماس بالقرب من الحدود الخارجية للطبقة الانتقالية.

نوع نادر من الماس يكشف عن بيئة مائية يحتمل وجودها في أعماق الأرض السحيقة
يشمل التضمين المعدني على تجمعات من الرينغوودايت والإنستاتيت والفيروبيريكلاز. عرض الرؤية 0.91 ملم. صورة مأخوذة في معهد الأحجار الكريمة في كارلسباد. حقوق الصورة: ناثان رينفرو وتينغينغ جو.

تشير النتائج إلى أن الماء قد يكون موجوداً على أعماق أكبر في الأرض مما كان يعتقد العلماء في السابق، ما قد يحسّن فهمنا لتكتونية الصفائح ودورة المياه العميقة الغامضة. استخدم الفريق وسائل "لا إتلافية" لتحليل نمط الماس النادر جداً "Iab" (الماس الذي يحتوي على النيتروجين حتى 500 جزء بالمليون، ونسبته في الطبيعة 0.1% فقط)، مثل أشعة الليزر غير الغازية التي يمكنها الكشف عن الخصائص الفيزيائية وتقنيات حيود الأشعة السينية التي يمكنها فحص البنية الداخلية للصخور دون الحاجة إلى تحطيمها.

تقول تينغتينغ جو (حالياً في جامعة بوردو) لمجلة العلوم للعموم: «بشكل غير متوقع، وجدنا معدن الرينغوودايت في هذه الماسة، وهذه المرة الثانية التي يتم فيها اكتشاف الرينغوودايت في الماس. الأهم من ذلك أننا عثرنا على هذا المعدن مع معدنين آخرين من المعادن المهمة الأخرى الموجودة في أعماق الأرض، وتحتوي على الماء. يؤكد وجود هذين المعدنين معاً أن أصل هذه الماسة يعود إلى عمق 660 كيلومتراً تحت سطح الأرض، حيث لا تزال البيئة هناك رطبة».

اكتشف معدن الرينغوودايت المحب للماء أول مرة في أوائل عام 2014 في ماسةٍ استخرجت من الطبقة الانتقالية. كان برينكر قد شارك في تلك الدراسة، ولكن لم يكن بوسع الفريق تحديد التركيب الكيميائي لهذا الحجر بالنظر إلى صغر العينة. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان من الممكن اعتبار هذا الجزء المعدني الصغير يمثل بشكل كافٍ التكوين الجيولوجي للوشاح السفلي، نظراً لأن المحتوى المائي لتلك الماسة قد يكون ناتجاً أيضاً عن "بيئة كيميائية غريبة". كانت ماسة بوتسوانا المستخدمة في الدراسة كبيرة الحجم إلى درجة سمحت للعلماء بتحديد تركيبها الكيميائي الدقيق وتأكيد النتائج الأولية.

المحتوى محمي