عندما تمشي دومينيك بول في الشارع، يتوقف الناس ويحدقون بها وهي ترتدي حذاء رياضياً فضياً، وشعراً مستعاراً ذا لون معدني، وثوباً برّاقاً.
إن هذا الثوب الذي ترتديه بول أكثر من مجرد عرض للأزياء، فهو ثوب يجعل التلوث مرئياً. كما تقيس الأداة الموصولة بحقيبة يدها الجسيمات التي يحملها الهواء، وتحدد لون الثوب بناء على مؤشر جودة الهواء الصادر عن الوكالة الأميركية لحماية البيئة.
عندما يكون الهواء آمناً للتنفس، يضيء ثوبها باللون الأخضر، وعندما يكون الهواء ملوثاً، يتحول لون الثوب إلى الأصفر أوالبرتقالي أوالأحمر أو الأرجواني، وهذا يتوقف على مستوى التلوث.
ظهرت بول بثوبها الجديد لأول مرة كجزء من عملها التطوعي مع مؤسسة آيدياس إكس لاب غير الربحية التي تستخدم الفنون لرفع مستوى الوعي بقضايا الصحة العامة. وقد ارتدت هذا الثوب في مسيرة في ساوث برونكس، وهو الحي الذي يحظى بأقل درجات الهواء جودة في مدينة نيويورك. وكان هدفها هو إثارة النقاش حول قضية تلوث الهواء.
وقد انضمت بول مؤخراً إلى مسيرة نظمتها مجموعة ساوث برونكس يونايت. وقد قاد رئيس المجموعة مايكال جونسون الحشود المتجمعة بين حيّي موت هافين و بورت موريس التابعين لمنطقة ساوث برونكس. وكانوا يتوقفون عند كل تجمع ليتحدثوا عن المشاكل البيئية والاقتصادية التي يواجهها السكان. وكانت بول تشرح كيف يقيس مقياس الهواء الموصول بحقيبتها الجسيمات الدقيقة وجزيئات التراب والدخان التي تسبح في الهواء. وتعتبر عوادم السيارات أحد مصادر هذه الجزيئات الدقيقة، وهي صغيرة بما يكفي لتدخل مع مجرى الدم وتسبب أمراض القلب والرئة.
وكانت بول تشرح عمل مؤشر جودة الهواء للمجتمعين أثناء مسيرها. وكانت تقول: "اللون الأخضر مؤشر جيد، والأصفر أسوأ، أما البرتقالي فيعني أن الأطفال والمسنين في خطر، وأما الأحمر فيعني أن الجميع قد يواجهون مشاكل صحية. ولذلك عندما يكون اللون أحمر فسيكون عليك أن ترتدي قناعاً". كانت تقول ذلك وهي ترفع نموذج قناع التنفس في مشهد يحاكي طريقة شرح إجراءات السلامة في الرحلات الجوية قبل إقلاع الطائرة.
"تبدو النتائج طيبة حتى الآن" تقولها بول وهي تشير إلى الألوان على ثوبها التي تتأرجح بين الأخضر والأصفر. كان ذلك في صباح نهاية الأسبوع، وهو وقت لا يمثل ساعات ذروة الزحام. وكان هناك حركة للرياح في ذلك الوقت.
لكن، وبينما كانت الحشود تتوقف عند ممر المشاة على الطريق السريع لشارع ميجور ديجان، بدأت ألوان ثوب بول تتأرجح بين الأصفر والبرتقالي. فمنطقة ساوث برونكس محاطة بالطرق السريعة، و تغزوها شاحنات القمامة التي تعمل على الديزل. ويعتبر معدل العلاج في المستشفيات بسبب مرض الربو في حيّي موت هافين وبورت موريس ثلاثة أضعاف مثيله في مدينة نيويورك.
وليس هذا الثوب الذي يقيس جودة الهواء الأول من نوعه في مسيرة بول، فقد سبقه ثوب آخر تتغير ألوانه ليشير إلى متوسط دخل الأسرة السنوي. حيث يشير اللونان الأحمر والبرتقالي إلى الأحياء الأكثر فقراً ، أما الأحياء الأغنى فيمثلهما اللونان الأصفر والأخضر. وقد لاحظت بول أنه يمكن التبديل تقريباً بين هذين الثوبين اللذين يقيسان متوسط الدخل وجودة الهواء.
فالأحياءالأكثر فقراً هي غالباً الأحياء الأكثر تلوثاً، ويتحول الثوبان فيها إلى اللون الأحمر. وتعتبر منطقة ساوث برونكس الملوثة بشدة أحد أفقر الأحياء في نيويورك.
كان جونسون يرفع مكبر الصوت ويصيح في خضم هدير الزحام: "سنقوم بمراقبة الهواء هنا، والذي نعتقد أنه يحتوي على معدلات عالية جداً من الكربون الأسود والجسيمات الصغيرة وغيرها من المواد المسرطنة الموجودة في عوادم السيارات". وكان جونسون يشير إلى مركز التوزيع التابع لمحلات فريش دايريكت للبقالة المبني على النهر، والذي جلب - بحسب جونسون- المزيد من الشاحنات إلى الحي.
ثم قام جونسون بتقديم ماركوس هيلبيرت، الأستاذ المساعد في علوم الصحة البيئية بجامعة كولومبيا، والذي يساهم مع مجموعة ساوث برنكس يونايت في دراسة جودة الهواء. وكما فعلت بول، قام هيلبيرت بارتداء مقياس جودة الهواء. ثم أخذ مكبر الصوت وشرح أن هذه الدراسة سوف تقيس تلوث الهواء وحركة مرور الشاحنات في المنطقة.
يقول هيلببيرت: "الأمر غير الاعتيادي هو أن لديك شرايين المرور الرئيسية التي تعمل داخل نطاق سكنك. وهو ما يجلب إليك حوالي مائة ألف عربة كل يوم". ويتابع هليبريت مشيراً بأصابع يده: "هذا يعني أنه يوجد عربة واحدة تعبر كل ثانية".
وكانت بول تقف إلى جانب هيلبيرت رافعة القناع إلى وجهها، بينما كان الثوب ينبض بالألوان، لافتاً انتباه المجتمعين. تقول بول: "بإمكانك إيقاف الناس في الشارع وأنت ترتدي هذا اللباس. وهناك شيء ما يتعلق بالتكنولوجيا والأضواء متغيرة الألوان التي تجذب انتباه الناس. وعندما تجذب انتباههم - إذا ربطت المشكلة ببيئتهم- فسوف يخبرونك بقصصهم المتعلقة بهذه المشكلة".