هذه البكتيريا قد تزيد من استطاعة الألواح الشمسية في الأيام الغائمة

4 دقائق
ألواح شمسية

يوجد الكثير مما يعجبنا في الطاقة الشمسية. فهي تساعد العالم على التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهي نظيفة ومتوافرة بكثرة، كما أنها لا تترك أثراً كربونياً. ولكن توليدها بطبيعة الحال يحتاج إلى الشمس، ما يجعلها خياراً غير عملي في الأماكن التي يكفهر فيها الطقس بكثرة.

قد يتغير هذا الواقع عن طريق بكتيريا معدلة جينياً تستخدم صبغة تحول الضوء إلى طاقة. فقد بنى العلماء في كولومبيا البريطانية –التي تكثر فيها الأيام الغائمة- خلية شمسية مستدامة ورخيصة التكلفة من بكتيريا إيكولاي، بحيث حصلوا على خلية شمسية وصفت بأنها "حيوية" لأنها مصنوعة من كائن حي. ليست هذه الخلية الشمسية التجريبية الحيوية الأولى من نوعها، ولكنها تختلف عن غيرها، كما أنها تنتج تياراً أكثر قوة، كما يقول الباحثون. إضافة إلى هذا، فهي تعمل في الضوء الخافت كما تعمل في الضوء الساطع.

حتى تستخدم مادة ما في الخلايا الشمسية لتوليد الكهرباء، يجب أن يكون من الممكن "إثارتها" أو شحنها ضوئياً بما يكفي من الطاقة لإطلاق الإلكترونات. وفي حالة الخلايا الشمسية الحيوية، فإن المادة المثارة ضوئياً هي مادة حيوية –أي الصبغة في هذه الحالة- بالمقارنة مع الخلايا الشمسية التقليدية غير الحيوية، والتي تعتمد في توليد الكهرباء على السيليكون المتبلور.

سماء ملبدة بالغيوم في كولومبيا البريطانية
مصدر الصورة: بي إكس هير

يقول فيكراماديتيا ياداف، بروفسور في قسم الهندسة الكيميائية والحيوية في جامعة كولومبيا البريطانية (أحد مقاطعات كندا): "تطمح كولومبيا البريطانية لأن تصبح من الاقتصادات الرائدة الخالية من الكربون حول العالم. ومن الضروري تحقيق توليد وتزويد للطاقة النظيفة بشكل موثوق للوصول إلى هذا الهدف، وتعتبر الطاقة الشمسية من أهم المرشحين لإزالة الكربون من قطاع الطاقة. غير أن كثرة الغيوم الشتوية في كولومبيا البريطانية تمثل تحدياً فريداً من نوعه للمواد الضوئية الفولتية المستخدمة لاستخلاص الطاقة الشمسية".

يقول ياداف أن الحل الذي توصلوا إليه غير مكلف، وفي نهاية المطاف "قد يحقق أداء يضاهي أداء المواد الضوئية الفولتية التقليدية". وحتى لو لم تصل هذه الخلايا إلى مستوى قوة الخلايا التقليدية، يعتقد الباحثون أنها قد تلعب دوراً هاماً في بعض الأماكن ضعيفة الإضاءة، مثل المناجم أو عمليات الاستكشاف في أعماق البحار.

يضيف ياداف: "نعتقد أن الخلايا الشمسية الحيوية ستكون مكملاً هاماً لتكنولوجيا الخلايا اللاعضوية. وعلى الرغم من أن هذه التقنية ما زالت في البدايات، فإنها تبشر منذ الآن ببعض التطبيقات الواعدة. حيث أن استكشاف البيئات منخفضة الإضاءة، مثل المناجم، يتطلب استخدام حساسات يمكن تزويدها بالطاقة عن طريق الخلايا الحيوية مثل التي قمنا بتطويرها".

شكل توضيحي يظهر مصعد خلية شمسية، مؤلفاً من مواد حيوية من البكتيريا المنتجة للايكوبين (الكرات البرتقالية) والمغطاة بالجسيمات النانوية من التيتانيا.
مصدر الصورة: فيكراماديتيا ياداف

ركزت المحاولات السابقة لإنتاج الخلايا الشمسية الحيوية على استخلاص الصبغة الطبيعية التي تستخدمها البكتيريا من أجل التمثيل الضوئي. وهي عملية مكلفة ومعقدة، وتعتمد على مواد سامة يمكن أن تلحق الضرر بالصبغة. وقد قرر الباحثون الكنديون اعتماد طريقة مختلفة بعض الشيء، فتركوا الصبغة في البكتيريا، وتعاملوا مع المتعضيات نفسها لتحريضها على إنتاج كميات كبيرة من اللايكوبين، وهي الصبغة الطبيعية الموجودة في الطماطم والفواكه الحمراء. بعد ذلك، قام الباحثون بتغطية البكتيريا بمادة معدنية تلعب دور نصف الناقل، ووضعوا المزيج على سطح زجاجي. وبوجود الزجاج المغلف في أحد طرفي الخلية ليلعب دور المصعد، أي القطب الموجب للخلية، تتولد كثافة تيار أعلى مما حققه الآخرون في هذا المجال، وذلك بقيمة 0.686 ميلي أمبير للسنتمتر المربع، مقارنة مع قيمة 0.362. نشر هذا البحث في مجلة Small.

صورة بالجهر الإلكتروني للخلايا.
مصدر الصورة: فيكراماديتيا ياداف

ليس استخدام الصبغة الحساسة للضوء بالفكرة الجديدة، ولكنها تعرضت للكثير من العوائق من قبل. ففي 1988، استخدم مايكل جراتزل، وهو عالم سويسري، صبغات حساسة للضوء لتطوير خلية شمسية أطلق عليها اسم الخلية الشمسية ذات الصبغة الحساسة للضوء، أو "DSSC" اختصاراً. يقول ياداف: "تعاني معظم هذه الخلايا الشمسية من مشكلة واضحة. حيث أن استخلاص الصبغة من مصدرها الطبيعي يتطلب استخدام مواد محلة سامة وطاقة، كما أن حساسية الصبغة للضوء تتسبب بتحلل الكثير منها قبل أن تضاف إلى الخلايا الشمسية. وقد طورنا خليتنا خصيصاً لمواجهة هذه المشاكل، والسعي لجعل تصنيعها أقل كلفة، خصوصاً للاستخدام في البيئات ضعيفة الإضاءة".

غير أن هذه الخلايا ليست جاهزة تماماً بعد. حيث أن البكتيريا تموت أثناء العملية، وبالتالي فإن إيجاد طريقة للحفاظ على حياتها سيؤدي إلى عملية تصنيع أكثر فعالية للخلايا، لأن البكتيريا ستتمكن من إنتاج الصبغة بشكل دائم. أيضاً، يخطط العلماء لمعايرة الخلايا بشكل دقيق، بحيث تصبح كمية الطاقة الناتجة عنها أقرب ما يمكن من الخلايا التقليدية. يقول ياداف: "يعتبر اختراعنا نموذجاً أولياً من الجيل الأول، وهو بحاجة إلى تحسينات كبيرة قبل أن يصل إلى مستوى الخلايا الشمسية السيليكونية القادرة على إنتاج كثافة تيار تساوي 25 ضعفاً من إنتاج الخلايا الشمسية البكتيرية. لا نعتبر أن تقنيتنا منافسة للخلايا الشمسية التقليدية على الإطلاق، على الأقل حالياً".

اختبار خلية شمسية في جهاز لمحاكاة الشمس، وذلك لتقييم أداة الخلية في الظروف الواقعية.
مصدر الصورة: أرمان بوناكداربور وديفيد ويلكنسون

وعلى غرار أغلب الاكتشافات العلمية، فقد توصل الباحثون إلى هذا الاكتشاف بالصدفة. يقول ياداف: "كان الهدف الأصلي لعملنا تطوير "مصانع صغيرة" بكتيرية لإنتاج كميات كبيرة من اللايكوبين وغيرها من جزيئات الكاروتينات المستخدمة كمكملات غذائية"، مشيراً إلى المواد التي تضاف إلى الغذاء لزيادة الفائدة الصحية، "غير أن فريقنا عانى من مشكلة تتعلق بتخزين اللايكوبين حديث الإنتاج".

بدأ اللايكوبين بالتحلل بسرعة عند تخزينه في عبوات زجاجية شفافة، فانتقل الفريق إلى استخدام العبوات العاتمة. ولكن تحلل اللايكوبين عند التعرض للضوء أثار المزيد من التساؤلات العلمية، ومجالاً جديداً للبحث. يقول ياداف: "في الكيمياء، يعني التحلل عادة إطلاق الإلكترونات، ولهذا تساءلنا: هل كان معدل إطلاق الإلكترونات كافياً لتوليد تيار محسوس؟ وقد تعجب أحد الطلاب في المجموعة من سهولة تحلل اللايكوبين نتيجة التعرض للضوء، متسائلاً ما يمكن أن يحدث بوضعه داخل خلية شمسية، وهو السؤال الذي أثار اهتمامنا بتطوير خلايا شمسية ذات صبغة حساسة للضوء. لقد قررنا أن نراهن على إمكانية استخدام البكتيريا بشكل مباشر مع التغليف المعدني، ونجحت هذه المراهنة. إن الصدفة الحسنة من أفضل أصدقاء العلم، ونحن ندين لها بالكثير، كما ندين بالكثير لطلابنا الفضوليين الذين بحثوا عن فائدة الظاهرة بدلاً من مجرد محاولة تفسيرها".

المحتوى محمي