هل تتحلل الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل؟

4 دقائق

مع انتشار حملات التوعية بأخطار البلاستيك، والدعوة إلى الحد من الاعتماد على المنتجات البلاستيكية للحفاظ على البيئة والحياة البحرية، والبرية وحياتنا كبشر، اتجه العديد من الأفراد إلى البحث عن بدائل للبلاستيك المستخدم في حياتهم اليومية.

رحلة البحث لم تكن سهلة، لكن مع ظهور الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل مؤخراً، اعتقد الكثيرون أنهم قد وجدوا بديلاً صديقاً للبيئة يحل جزءً من المشكلة، ويقلل شعورهم بالذنب. لكن للأسف، فالأمر ليس كما يبدو عليه.

هذا ما يخبرنا به الباحثون من وحدة أبحاث النفايات البحرية الدولية بجامعة بليموث، بعد دراسة أجروها لمعرفة ما إذا كان من الممكن الاعتماد على المنتجات القابلة للتحلل الحيوي، وإن كانت تقدم حلاً واقعياً لمشكلة القمامة البلاستيكية.

قام الباحثون لأول مرة باختبار 3 أنواع من الأكياس كالآتي: أكياس قابلة للتسميد، واثنين من الأكياس القابلة للتحلل الحيوي، وكيس بلاستيكي تقليدي. بعد ذلك قاموا بوضع هذه الأكياس مدة 3 سنوات في 3 بيئات طبيعية مختلفة: مدفونة في الأرض، معرضة للهواء الطلق وأشعة الشمس، ومغمورة بالمياه في البحر.

كشفت الدراسة أن الأكياس البلاستيكية التى تدعي الشركات المصنعة لها أنها قابلة للتحلل؛ كانت لا تزال سليمة وقادرة على حمل منتجات التسوق بدون أن تنقطع أو تهترئ. تراوحت النتائج التي وصلوا لها فيما يتعلق بكل نوع من المنتجات القابلة للتحلل الحيوي، لكن النتيجة التي جمعتهم هي أنه لا توجد أكياس متحللة بالكامل في جميع البيئات، وبالأخص الأكياس القابلة للتحلل الحيوي، والتي ظلت كما هي تقريباً دون أن تتعرض لأي ضرر.

أما عن الأكياس القابلة للتسميد، فأظهر البحث أن الطريقة التي يتم بها التخلص من هذا النوع من الأكياس مهمة. فيجب أن تتحلل في ظل عملية تسميد منظمة، من خلال عمل الكائنات الحية الدقيقة التي تحدث بشكل طبيعي. لكن التقرير أفاد أن هذا يتطلب مجرى نفايات مخصص للنفايات القابلة للتسميد - وهو ما لا تملكه المملكة المتحدة.

خدعة تسويقية وتضليل للمستهلكين؟

يتم تسويق العديد من المنتجات القابلة للتحلل الحيوي، والتي يطلق البعض عليها اسم «المواد البلاستيكية الخضراء»، على أنها بديل مستدام من شأنه أن يقلل كمية النفايات الهائلة التي تنتهي في البحر بعد إلقائها، واستخدام عبارات تسويقية لها مثل: «يمكن إعادة تدويرها إلى الطبيعة بسرعة أكبر بكثير من البلاستيك العادي» أو «البدائل النباتية من البلاستيك».

في حين تقول «إيموجين نابر»، إحدى القائمين على الدراسة: "أظهرت النتائج أنه من غير الواضح ما إذا كانت تركيبات الأكياس القابلة للتحلل البيولوجي، أو القابلة للتحلل الحيوي توفر معدلات تحلل متقدمة بما فيه الكفاية لتصبح مفيدة في سياق الحد من القمامة البحرية، مقارنةً بالأكياس البلاستيكية التقليدية". ويضيف «ريتشارد تومبسون»: "إن البحث أثار تساؤلات حول ما إذا كان قد تم تضليل الجمهور"!

ما يرجعنا إلى التقرير الذي نشرته الأمم المتحدة الذي صدر منذ عامين تقريباً، وحذر فيه علماء البيئة في الأمم المتحدة من أن زجاجات المياه البلاستيكية وأكياس التسوق القابلة للتحلل الحيوي، لا يمثلون سوى حلاً زائفاً لمشكلة انتشار القمامة البلاستيكية في مختلف أرجاء المحيطات. وأن معظم هذه المواد البلاستيكية شديدة التحمل، وربما ستزيد الأمر سوءاً حيث ستؤدي إلى انتشار قطع وأجزاء البلاستيك الكبيرة وأجزاء أخرى صغيرة متناثرة من البلاستيك بعد تفككه، والتي ستجد طريقها للتراكم والانتشار عبر التيارات إلى المحيطات من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي.

تقول «جاكلين ماكجليد»، كبيرة العلماء في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وفقاً لصحيفة الجارديان: "ربما كان حلاً حسن النية ولكنه خاطئ. الكثير من المواد البلاستيكية القابلة للتحلل مثل أكياس التسوق تنهار فقط في درجات حرارة 50 مئوية، والأمر ليس كذلك في المحيط. كما أنها ليست قابلة للطفو، وبالتالي ستغرق ولن تتعرض للأشعة فوق البنفسجية وتتحلل".

البلاستيك صديق البيئة.. ليس صديقاً جيداً بما يكفي

يُصنع البلاستيك من جزيئات طويلة جداً تسمى البوليمرات، والتي تتكون بارتباط عدة آلاف من الذرات ببعضها البعض في سلسلة. بفضل حجم جزئيات البوليمرات الكبير، يكتسب البلاستيك خصائصه المعروفة، مثل الصلابة والقدرة على التحمل والمرونة. العديد من المواد البلاستيكية التي نستخدمها كل يوم مقاومة للتفاعل مع المواد الكيميائية الأخرى، وهذا هو السبب في بقائها. ولكن هذه المميزات تعتبر عيوباً عندما تصل النفايات البلاستيكية إلى المحيطات أو تتخذ مكانها تحت الأرض لمئات السنوات، فتتسبب في مشاكل بيئية خطيرة.

أما البلاستيك الذي يعرف بأنه «قابل للتحلل» فيُصنع من جزيئات يمكنها أن تتحلل بشكل طبيعي، ولكن لا يوجد جدول زمني محدد لهذا التحلل. ففي بعض الظروف قد يستغرق سنوات عديدة، وهناك أنواع مختلفة من المواد البلاستيكية القابلة للتحلل بدرجات متفاوتة من التحلل، والتي تتطلب في العموم ظروفًا محددة من أجل القيام بذلك.

أشهر هذه الأنواع البلاستيك القابل للتحلل هي «Biodegradable plastics». في كثير من الأحيان تكون كلمة «bio» أو حيوي التي تأتي قبل الكلام مضللة. فأنواع البلاستيك القابلة للتحلل الحيوي، يتم تصنيعها من نفس المواد التي تعتمد عليها المواد البلاستيكية التقليدية القائمة على النفط، لكن مع إضافة مواد كيميائية أكثر تعمل على تحلل البلاستيك بسرعة أكبر عندما يتعرض للهواء والضوء.

بعض أجزاء البلاستيك القابلة للتحلل الحيوي تتفكك بدلاً من تحللها، وذلك بسبب إضافة عوامل مؤكسدة (موجودة في أنواع المواد البلاستيكية القابلة للتحلل بالأكسدة). وبالتالي، فإنها تنقسم إلى قطع صغيرة يمكنها تلويث التربة، وزيادة خطر ابتلاع الحيوانات لها، والاستقرار في المحيطات والممرات المائية. كل ذلك بالإضافة إلى أنه يستحيل استرداد هذا النوع من البلاستيك من أجل إعادة التدوير، كما أنه غير مناسب للسماد في التربة بسبب المواد الكيميائية المضافة إليه.

أما اللدائن الحيوية والبلاستيك القابل للتسميد «Bioplastics and compostable plastics» فيتم تصنيعها من الكتلة الحيوية النباتية، مثل نشا الذرة أو قصب السكر أو القمح، والتي من المفترض أن تتحلل بيولوجياً بالكامل في وقتٍ قصير، أو تكون قابلة للتسميد. التحلل البيولوجي يعني أن تنقسم تلك المواد إلى عناصر بيولوجية على عكس المواد البلاستيكية التقليدية. وعلى الرغم من أن بعض البلاستيك الحيوي يمكن تسميده ولا يضر بجودة السماد العضوي، فإن البعض الآخر يترك بقايا سامة أو شظايا بلاستيكية وراءه، ما يجعلها غير مناسبة في حالة كان هذا السماد الخاص سيستخدم لزراعة الطعام.

سباق مع الوقت

مشكلة البلاستيك أصبحت في مقام الكارثة المنتظر وقوعها، معقدة ومتعددة الأطراف. فكل حلٍ مطروح يواجه اعتراضات وعقبات. فالأمر يتدخل فيه عوامل أخرى منها تكاليف إنتاج البدائل، ومقارنة خصائص كل منهم بالآخر في كل شيء بدءاً من الوزن والقدرة على التحمل وتكلفة النقل، وصولاً إلى انبعاثات الوقود المرتبطة بالأمر برمته.

تظل الحقيقة الثابتة هي أن الوقت يداهمنا، والحل مطلوب اليوم قبل غد. ففي الوقت الحالي، يتحول ما يقرب من ثلث العبوات البلاستيكية في جميع أنحاء العالم إلى نفايات بلاستيكية لا يمكننا التخلص منها. ومن دون حدوث تغييرات كبيرة، سيتخطى وزن كميات البلاستيك وزن الأسماك في المحيطات بحلول عام 2050.

المحتوى محمي