على الرغم من الأدلة الدامغة على أن تكنولوجيا السيارات الكهربائية يمكن أن تحقق فوائد اقتصادية وبيئية وصحية كبيرة، فإن المعلومات المضللة لا تزال تثير جدالاً عاماً في أستراليا.
ادّعى مقال في صحيفة «ذي أستراليا» أن السيارات الكهربائية مسؤولة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكثر من نظيراتها التي تعمل بالبنزين. استندت المقالة في مزاعمها إلى اعتماد أستراليا بدرجةٍ كبيرة على الطاقة المُولدة بالفحم لشحن السيارات الكهربائية، ولم يُنشر التقرير الذي استندت إليه المادة علناً، مما يجعل من الصعب التحقق من حقيقة ذلك الادعاء.
حسناً، للتحقق من هذا، دعونا نراجع ما لدينا من أدلةٍ متاحة
أولاً: لنتحدث بلغة الأرقام
تخلّف السيارات نوعين من الانبعاثات: غازات الدفيئة، وملوثات الهواء الضارة.
تنتج السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل معظم انبعاثاتها أثناء قيادتها، وتُعرف بغازات العوادم حيث لها دورٌ في التغير المناخي وانخفاض جودة الهواء على حدٍ سواء. كما تولّد المركبات التقليدية الانبعاثات خلال مرحلة إنتاج الوقود وتوزيعه، والمعروف بمصطلح «الانبعاثات غير المباشرة - well-to-tank».
وحتى نقيس إجمالي الانبعاثات الصادرة عن السيارة؛ ينبغي جمع الانبعاثات الصادرة عن العوادم والانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن مراحل إنتاج الوقود، حتى وصوله إلى خزّان الوقود في السيارة؛ لنحصل في النهاية بذلك على إجمالي الانبعاثات أو ما يُسمّى «well-to-wheel»، من وقت استخراج الوقود على شكل نفطٍ من آبار النفط، وحتى استهلاكه في محركّات السيارات، وتُسمّى أحياناً انبعاثات دورة حياة الوقود.
حقيقة انبعاثات السيارات الكهربائية
في الحقيقة، لا تصدر السيارات الكهربائية نفسها انبعاثات العادم؛ لأنها تستخدم مدخراتٍ كهربائية أثناء عملها. لذلك تعتبر الانبعاثات الناتجة عنها غير مباشرة، أي الانبعاثات الأولية المتأتية من إنتاج وتوزيع الطاقة المُستخدمة لشحنها.
في ورقة بحثية في أواخر العام الماضي، قدرنا أن مركبة البنزين الأسترالية النموذجية أنتجت 355 جراماً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر في انبعاثات دورة حياة الوقود في الواقع الحقيقي.
وبالمقارنة، فإن سيارة كهربائية نموذجية مشحونة باستخدام إحدى منافذ شحن الكهرباء الأسترالية النموذجية؛ تولّد انبعاثاتٍ أقل بنسبة 40%. أي بمقدار 213 جرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر.
أكثر نظافة حتى مع مصادر الطاقة غير النظيفة
تختلف انبعاثات السيارات الكهربائية اعتمادًا على مدى جودة توليد الكهرباء في منطقة. ومن خلال تطبيق عوامل معايير الدفيئة الوطنية المعتمدة لعام 2019، وبنفس المنهجية المستخدمة في الورقة البحثية الخاصة بنا؛ تم حساب انبعاثات السيارات الكهربائية في كل شبكة من شبكات الكهرباء في أستراليا.
تُعتبر «فيكتوريا» المدينة التي تمتلك أعلى معدلات الانبعاثات في أستراليا بسبب اعتمادها على الفحم البنّي في توليد الطاقة الكهربائية. لكن، وحتى في هذه الولاية، تبقى نسبة انبعاثات دورة حياة الوقود الناتجة عن السيارات الكهربائية النموذجية أقلّ بنسبة 20% من سيارات البنزين التقليدية. أما في مدينة «تسمانيا»، التي تعتمد على الطاقة المتجددة في أغلب مرافقها؛ فإن انبعاثات السيارات الكهربائية أقل بنسبة 88% من سيارات البنزين التقليدية.
حجم السيارات غير مهم
دعونا ندرس 4 سيارات كهربائية مختلفة الحجم في أستراليا، لنرى كيف تختلف انبعاثات دورة حياة الوقود الخاصة بها، بمكافئات انبعاثات مركبات البنزين. حتى عندما تُشحن السيارات الكهربائية الكبيرة باستخدام شبكة كهرباء مدينة فيكتوريا، تكون الانبعاثات أقل بنسبة 6 - 7% من الانبعاثات المكافئة من سيارات البنزين.
وبالرجوع إلى كلٍّ من تقديرات الانبعاثات في العالم الحقيقي وبيانات دليل المركبات الخضراء؛ تبين أن التحول من البنزين إلى المركبات الكهربائية يحقق انخفاضاً في الانبعاثات، بغض النظر عن مكان شحن السيارات في أستراليا.
وبالطبع، ستنخفض الانبعاثات الناتجة عن السيارات الكهربائية أكثر كلّما كان أسلوب توليد الطاقة أنظف.
على أي حال، العديد من السيارات الكهربائية لا تحتاج أن تشحن مدخراتها من شبكات الكهرباء، فقد تبين أن هناك الكثير من مالكي السيارات الكهربائية في أستراليا يشحنون سياراتهم من خلال أنظمة الطاقة الشمسية المُقامة على أسطح منازلهم، والتي لا تتسبب بأية انبعاثات.
قمنا عام 2018 باستبيان أكثر من 150 مالكاً للسيارات الكهربائية في أستراليا (ما يمثل 20% من عدد السيارات الكهربائية الكلي في أستراليا)، وقد وجدنا أن نسبة 80% من شحن مدخرات السيارات يحصل في المنزل، حيث يمتلك 73% من المشاركين بالمسح أنظمة طاقةٍ شمسية على أسطح منازلهم لتوليد الطاقة الكهربائية (تبلغ نسبة من يستخدم الطاقة الكهربائية المولدة بالطاقة الشمسية على المستوى الوطني 21.6% في المتوسط).
بالإضافة لذلك، كان لدى 22% من مالكي السيارات الكهربائية الذين شملهم الاستطلاع مدخراتٌ احتياطية ثابتة موصولةٌ بنظام توليد الطاقة الشمسية على أسطح منازلهم، وقد قال 53% منهم أنه ينوي تركيب مدخراتٍ أخرى إضافية في المستقبل القريب.
5 أسباب لتبنّي السيارات الكهربائية
1. اقتصادية: تكلفة تشغيل السيارات الكهربائية أقلّ بـ 70 - 90%، أي يمكن أن توفّر الأسرة الأسترالية أكثر من 2000 دولار أسترالي سنوياً.
2. فرصٌ للتنمية الاقتصادية: يمكن أن يستفيد القطاع الأسترالي الصناعي من صناعة هذه السيارات من خلال ازدياد الطلب على مدخرات الليثيوم (نظراً لتوفر الليثيوم بكثرة في أستراليا) على سبيل المثال، ودعم نشر هذه التكنولوجيا الرخيصة المُنتجة محلياً على مستوى العالم.
3. نظام تأمين وقود أكثر أماناً: تعتمد أستراليا على الوقود المستورد، وتحتفظ باحتياطاتٍ تكفي لمدة 90 يوماً في حال الطوارئ. لذلك كلما أسرعنا بالانتقال بالاعتماد على السيارات الكهربائية، حافظنا على نظام نقلٍ أكثر استقراراً.
4. دعم الشبكة الكهربائية: لدى السيارات الكهربائية إمكانيةٌ هائلة في دعم شبكة الكهرباء. فلو فرضنا أن سيارات أستراليا كلها البالغ عددها 14 مليون سيارة كانت كهربائية؛ فباستطاعتها تزويد أستراليا كلّها بالكهرباء من الطاقة المُخزنة في مدخراتها لمدة 24 ساعة على الأقل، وفي نفس الوقت تلبية حاجة تشغيلها العادية.
5. الفوائد الصحية: تؤثر الانبعاثات الضارة من المركبات التقليدية سلباً على صحتنا، وتُسهم في رفع معدلات الإصابة بالربو والأمراض المزمنة الأخرى. كما أن تلوث الهواء الناجم عنها يتسبب بالوفاة المبكرة أكثر مما تتسبب به حوادث الطرق في أستراليا بنسبةٍ مُقدرةٍ بنحو 40 - 60%. بالتالي، فإن استخدام السيارات الكهربائية يمكن أن يساهم بتخفيض نسبة الوفيات المبكرة كثيراً.