هل نحن مستعدون للعيش بدون قهوة أو شوكولاتة؟

4 دقائق

«الآن عليّ أن أنحّي كل شطحات الشباب جانباً، لأنصت جيداً لهذه الحقيقة المزعجة، لذا عليّ أن أتحرك، أن أتغير، أن أنتفض، وأن أصرخ بأعلى صوتي، لعل شيئاّ ما يتكسر، لقد غفوت لوقتٍ طويل، وعليّ الآن أن أستيقظ»

بهذه العبارة تغنت الفنانة الأمريكية «ميليسا إيثريدج» في الفيلم الوثائقي الشهير An Inconvenient Truth من إنتاج عام 2006، والذي دق به نائب الرئيس الأمريكي الأسبق «آل جور» أول ناقوس خطر حقيقي، محذراً من الخطر الجسيم الذي يمثله الاحتباس الحراري في كوكبنا، والتغيرات الكبيرة التي حدثت فيه بسببنا نحن البشر.

يُعدّ الاحتباس الحراري الخطر الأكبر الذي يعاني منه كوكبنا، وتأثيره لا يقتصر فقط على ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، وبالتالي ارتفاع منسوب مياه المحيطات والأنهار، ما يتسبب في الفيضانات، لكنه يتسبب أيضاً في ارتفاع معدل حرائق الغابات تبعاً للارتفاع الكبير في درجات الحرارة، إلى جانب الأعاصير. كما سيؤدي إرتفاع درجة الحرارة إلى زيادة انتشار الأمراض التي تسببها الحشرات، والتي تتكاثر وتنتشر في أجواء مماثلة، ما يؤدي إلى زيادة معدل انتشار الأمراض في النباتات والحيوانات.

لكن هل يمكن أن يتسبب الاحتباس الحراري في انقراض الشوكولاتة والقهوة؟

تُعد القهوة من الأمور الأساسية في حياة الملايين من سكان العالم، ليس فقط بالنسبة للمعتادين على احتساء قدحٍ من القهوة في الصباح الباكر قبل الذهاب لعملهم، بل يعتمد مصدر رزق الكثيرين  على زراعة حبوب البن في مزارعهم في أميركا الوسطى والجنوبية، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا.

في تقرير نشرته المجلة العلمية المفتوحة الصادرة عن المكتبة العامة للعلوم – وهو مشروع للنشر العلمي المفتوح غير ربحي يهدف إلى إنشاء للمجالات العلمية المفتوحة الوصول والمؤلفات العلمية الأخرى ونشرتها مجلتها العلمية عام 2006 – ذُكر فيه أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن تتقلص كميات حبوب البن العربي  بنسبة 25% (تمثل نسبة حبوب البن العربي 75% من إجمالي حبوب البن المنتجة في العالم) في بعض الدول التي تنتجها. 

كما يشير التقرير إلى أن القطاع الزراعي سيواجه مشاكل جمة في العقود القادمة، على مستوى تحمل حبوب البن للتغيرات المناخية والحرارة العالية ونقص المياه. فدول الصدارة في إنتاج البن مثل البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا وفيتنام؛ من المتوقع لها أن ينقص حجم إنتاجها من البن، إن استمر الحال على ما هو عليه الآن من تغيرات مناخية كبيرة، وإذا لم تتخذ أي إجراءات للحد من تأثيره على زراعة البن. 

هذه الإجراءات تتمثل في نقل أماكن زراعته إلى مرتفعاتٍ عالية، أو تعديل الجينات الوراثية للحبوب كي تتمكن من مقاومة الأمراض والطقس الحار. فعلماء الطقس يتوقعون أن تزداد درجات الحرارة بمعدل درجة أو درجتين ونصف حتى منتصف القرن الحالي. والطقس الحار هو عدو حبوب البن الرئيسي، لأنها لا تتحمل التغير الطفيف في درجات الحرارة في الحقول التي تزرع فيها، وارتفاع مثل هذا من شأنه أن يهدد وجودها واستمرار زراعتها، الأمر الذي بدأ يحدث فعلاً، حيث أثرت درجات الحرارة العالية الحالية على حقول البن، بخلاف أنها تسببت في زيادة انتشار الحشرات والأمراض، ما أثر بالسلب على إنتاج البن.

تحتاج حبوب البن إلى بيئةٍ ملائمة كي تنمو بشكلٍ جيد، وتحتفظ بمذاقها ونكهتها المميزة. هذه المناطق متوفرة في منطقة تعرف باسم حزام الحبوب. هذا الحزام يضم دول كولومبيا والبرازيل والمكسيك وإثيوبيا وفيتنام، وهي أكثر دول منتجة للبن. تأثرت الأراضي الزراعية المنتجة للبن في هذه الدول بشكلٍ كبير بسبب تغير المناخ.

حانت لحظة المواجهة

مثّل هذا الأمر تهديداً كبيراً لكبار مُصنعي القهوة في العالم، حيث تعاونت كبرى شركات تصنيع القهوة في العالم، وأنشأت مركز الأبحاث الدولي للقهوة، وشعاره الأساسي هو «إنتاج، وحماية، وتعزيز جودة القهوة، وأيضاً تحسين حياة العائلات التي تنتجها». تنفق هذه الشركات مبالغ كبيرة لحماية تلك الحبوب الثمينة، التي تُعد السبب الرئيسي في وجود شركاتهم.

أشارت المتحدثة الرسمية باسم شركة ستارباكس «هالي درايج»، إلى أن الشركة تقدم لمزارعي البن حول العالم برامج ودعم مادي كبير؛ لمساعدتهم في العناية بمزارعهم والاستمرار في إنتاج البن. وبالنسبة إليهم، يُعد هذا الأمر أكثر أهمية من الاهتمام فقط بالمنتج المقدم للمستهلك؛ لأنه دون وجود بن، لن توجد ستارباكس نفسها.

أشاد «دوج والش» نائب رئيس شركة بيت للقهوة، إحدى أشهر الشركات المُصنعة للقهوة في الولايات المتحدة، والتي تأسست عام 1966، بالدور الذي يقوم به مركز الأبحاث العالمي للقهوة في حماية حبوب البن من الانقراض بسبب الاحتباس الحراري، حيث قال أنه من المستحيل على شركة واحدة أن تقوم بحماية البن من هذا الخطر المحدق، وعلى الجميع أن يتكاتف لتقديم العون.

مصدر السعادة يتلاشى

يواجه هذا الخطر نفسه ما يعده الكثيرون حول العالم المصدر الرئيسي للسعادة والبهجة. حيث تُعد الشوكولاتة من أكثر المواد المستهلكة حول العالم، ولا يتخيل أحد أنه قد يأتي اليوم الذي قد تختفي فيه تماماً بسبب الاحتباس الحراري.

أشار العلماء في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة أنه إن ظلت درجات الحرارة ترتفع بهذه الوتيرة العالية حول العالم، فإن أكبر دولتين مُنتجتين لحبوب الكاكاو، وتُعد المصدر الرئيسي لصناعة الشوكولاتة، وهما ساحل العاج وغانا، اللتان تنتجان وحدهما أكثر من نصف إنتاج العالم من الكاكاو، ستخسران مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التي يتم زراعة الكاكاو فيها، وصولاً إلى عام 2050.

ليس فقط الاحتباس الحراري هو ما يؤثر على قلة إنتاج الكاكاو، فإن انتشار الأمراض الفطرية يُعد من الأخطار الرئيسية التي يواجهها مزارعي الكاكاو. يرجع العلماء زيادة وتيرة هذه الأمراض بهذا الشكل إلى التغير المناخي، وما حدث من تغيرات بيولوجية كبيرة حول العالم.

مثلما حدث مع أزمة القهوة، أطلق البروفيسور «ميونج جي شو»، مدير قسم علوم الجينوم النباتي بجامعة كاليفورنيا مبادرة بالتعاون مع شركة مارس، عملاقة صناعة الشوكولاتة في العالم، لبدء تقنية قد تكون الحل لحماية حبوب الكاكاو من خطر الانقراض. تعرف هذه التقنية اختصاراً باسم كريسبر، وسيحاول من خلالها العلماء تغيير الجينات الخاصة بحبوب الكاكاو، وإنتاج حبوب جديدة قادرة على مقاومة الأمراض، وأن تزرع في بيئات مختلفة غير البيئة المعتاد فيها زراعة الكاكاو، حيث من الممكن زراعتها في بيئات جافة وساخنة.

هل القهوة والشوكولاتة هما المهددان الوحيدان بالانقراض؟

أشياء كثيرة قد تحدث خلال 40 عاماً من الآن، وربما تصمد حبوب البن والكاكاو وتبقى موجودة، لكنها بالتأكيد ستصبح أغلى سعراً وأكثر قيمة، وقد تغدو بنفس غلاء الذهب وربما أكثر. الأكيد في الأمر أن التغير المناخي لن يؤثر في البن والكاكاو وحسب، بل سيؤثر في أنواع الطعام الذي نتناوله، وليس معنى أنه متوفر في متاجرنا، أنه سيكون باستطاعتنا شراؤه أو توفيره بسهولة.

فالتغير المناخي سيؤثر في المستقبل على حبوبٍ أكثر أهمية لحياتنا اليومية من البن والكاكاو، قد نرى اليوم الذي يختفي فيه القمح بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقد يؤثر ارتفاع منسوب المياه في المحيطات والبحار والأنهار إلى اختفاء أنواعٍ من الأسماك.

ويمكن في النهاية أن نختم بتحذير آخر لآل جور قاله في الفيلم الذي ذكرناه في المقدمة:

«الأشياء التي نتعامل معها أنها مضمونة الوجود اليوم، قد لا تكون كذلك بالنسبة لأولادنا في المستقبل، فأبناؤنا حتماً سيتساءلون ذات يوم: ما الذي كان يُفكر فيه آباؤنا؟ لماذا لم يُحركوا ساكناً عندما أتيحت لهم الفرصة؟ .. ينبغي علينا أن ننصت لهذا السؤال منهم .. ونحن في وقتنا هذا».

المحتوى محمي