من الصعب أن نتتبع بالضبط مقدار البلاستيك الذي نرميه في المحيطات، كما أننا سمعنا جميعاً عن دوامات القمامة العائمة في المحيط الهادي، غير أن مشكلة النفايات تفاقمت إلى درجة تتحدى الإحصائيات.
يقدر العلماء كمية النفايات البلاستيكية التي ترمى في المحيط بما يتراوح بين 5 و 13 طن. ويبقى قسم صغير من هذه الكمية عائماً فوق الماء، أما ما تبقى فيعود إلى الشواطئ، أو يبقى معلقاً تحت الماء، أو يغوص إلى قعر البحر، ولكن لا أحد يعرف التوزع الدقيق لهذه الكميات.
ترغب المنظمة البريطانية اللاربحية ذا بلاستيك تايد بجمع معلومات أكثر دقة عن هذا البلاستيك. أسس هذه المنظمة بيتر كوهلر البالغ من العمر 34 عاماً، وتعمل المجموعة على تطوير طريقة لقياس النفايات البحرية، ويأملون بأن ينتشر استخدامها حول العالم.
يقول كوهلر: "نحن نحاول أن ننشئ أساليب المراقبة والتحليل لتتبع التلوث بالبلاستيك". تلعب الكاميرات المثبتة على الطائرات المسيرة دور الأعين التي تقوم بالمراقبة، وتلتقط الآلاف من الصور الجوية. أما الدماغ الذي يقوم بالتحليل فهو خوارزمية تعلم آلي، يعمل كوهلر وزملاؤه على تدريبها على التعرف على القطع البلاستيكية.
إذا طلب منك موقع ويب أن تنقر على جميع الصور التي تحوي لافتات توقف لتأكيد هويتك البشرية، وأنك لست آلياً، فهذا يعني أنك ساعدت خوارزمية تعلم آلي على التعرف على لافتات التوقف في الشوارع. أما في هذه الحالة، فتحتاج الخوارزمية إلى التعرف على سدادات الزجاجات، والأكياس البلاستيكية، والأدوات الصحية النسائية، وغيرها من القطع البلاستيكية، وتمييزها عن الرمال، والأصداف، والصخور، والخشب العائم، وغيرها من المهملات غير الضارة التي ينتهي بها المطاف على الشواطئ.
يتطلب تدريب الخوارزمية الكثير من الصور للشواطئ، والكثير من الأعين البشرية لتحديد البلاستيك في هذه الصور. قامت المنظمة بتحميل جميع الصور التي جمعتها على زونيفيرس، وهي بوابة للعلم الشعبي (أي المساهمة العلمية للناس العاديين من هواة العلم)، بحيث يمكن لأي شخص أن يدخل إلى الموقع ويقوم بوضع علامات على البلاستيك. وفي مارس المنصرم، خلال الأسبوع العلمي البريطاني، حصلت هذه الجهود على دفعة إضافية عندما قام الطلاب في جميع أنحاء المملكة المتحدة بتحديد أكثر من 1.5 مليون قطعة بلاستيكية في الصور.
كانت نسبة كبيرة من هذه الصور من خارج بريطانيا، وبالتحديد من شاطئ نيوجيرسي في الناحية الأخرى من المحيط الأطلسي. قام موريس إينيارت، والبالغ من العمر 72 عاماً، بالتقاط هذه الصور، وقدم للمنظمة أكثر من 7,000 صورة. كان بوسع إينيارت أن يتقاعد منذ سنتين عندما باع شركته لتصميم مواقع الويب، لكنه فضل البحث عن مشروع جديد، ويقول: "أرغب بفعل شيء جديد، شيء ينطوي على التحدي، ويفيد الآخرين".
بدأ إينيارت بالحصول على رخصة قائد للطائرات المسيرة التجارية، ووضع خطة لمسح تجمعات القمامة على شاطئه المفضل في نيو جيرسي. ولكنه أدرك بسرعة أن المسح بالتصوير ليس ذا فائدة تذكر. ويقول: "يمكنني أن أقود الطائرة المسيرة، ويمكنني أن ألتقط الصور، ولكن ما فائدة كل هذا سوى تجميع الصور؟ هنا يأتي دور التعلم الآلي الذي غير كل شيء".
رأى إينيارت الموقع الإلكتروني لمنظمة ذا بلاستيك تايد بالصدفة، وأدرك بسرعة فائدة استخدام التعلم الآلي في مشروعه، واتصل هاتفياً ببيتر كوهلر. ومنذ ذلك الحين، أجرى إينيارت أكثر من 100 مسح لمتنزه آيلاند بيتش الحكومي قرب منزله في بارنيجات في نيو جيرسي، وقام بتحميل الآلاف من الصور للمساعدة على تدريب خوارزمية ذا بلاستيك تايد.
استجابة للاهتمام الذي وجده لدى إينيارت وغيره، أسس كوهلر اتحاداً عالمياً من العلماء وهواة الطائرات المسيرة باسم مارين ليتر درونيت، ومهمته تطوير المعايير العالمية لمسح تجمعات القمامة بالطائرات المسيرة. يقول كوهلر: "لا داعي للبدء من الصفر إن كنت قادراً على التعلم من الآخرين"، وحالياً، يتوزع الأعضاء على 14 دولة.
يقول كوهلر: "قد تجد شخصاً من سفالبارد جاهزاً للعمل من المنطقة القطبية الشمالية، وشخصاً في نيوزيلندا، وآخر من أستراليا. إنه تحالف دولي رائع من الأفكار والتشاركية في سبيل هذه القضية الهامة".
حالياً، تستطيع خوارزمية التعلم الآلي التعرف على البلاستيك بنسبة 25% فقط بالمقارنة مع البشر، ولكن كوهلر يأمل برفع هذه النسبة إلى 85% في العام المقبل. وما أن تصبح الخوارزمية وبروتوكولات المسح جاهزة، يخطط كوهلر لنشرها للجميع، على أمل أن تستخدم الحكومات هذه التقنية لمسح أجزاء كبيرة من الساحل بالطائرات المسيرة ذاتية التحكم.
يقول كوهلر أنه يمكن للحكومات الاستفادة من هذه البيانات لتحديد الشواطئ الأسوأ حالاً لاستهدافها بعمليات التنظيف، كما يمكن الاستفادة منها أيضاً لمساعدة صانعي السياسات على معرفة أنواع البلاستيك الأكثر ضرراً، وتحويل هذه المعلومات إلى إجراءات عملية. ويمكن لفرض حظر على زجاجات البلاستيك، على سبيل المثال، أن يوقف أحد أكبر مصادر التلوث البلاستيكي الذي يتدفق إلى المحيط. يقول كوهلر: "باختصار، يمكنك أن تعرف مصادر المخلفات البلاستيكية التي يجب إغلاقها على البر من أجل تحقيق أكبر أثر في البحر".
يأمل كوهلر وزملاؤه بأن يتمكنوا من تكييف هذه التقنية لتتبع التلوث على سطح البحر وقعر البحر. ويمكن أن تستخدم يوماً ما لتتبع توزع البلاستيك حول العالم. غير أنهم حالياً يركزون على جمع المزيد من الصور لتحسين أداء الخوارزمية.
مؤخراً، وفي صباح ربيعي، كان إينيارت يراجع قائمة الاستعداد للتحليق من أجل الرحلة رقم 128 في متنزه آيلاند بيتش الحكومي. وقام بتسجيل خط الطول وخط العرض لنقطة البداية، ودرجة الحرارة، وكثافة الغيوم، وسرعة الرياح، ووضع المد البحري. وقام بقياس قسم بطول 91 متر تقريباً، وحدده بعلامات برتقالية، وتفقد مراوح الطائرة المسيرة قبل إطلاقها. وما أن أقلعت حتى أخذ موريس يحلق بها فوق الشاطئ جيئة وذهاباً، مع التقاط الصور بالكاميرا لتحويل هذا الامتداد الهائل من الرمال والنفايات البلاستيكية إلى قطع سهلة المعالجة.
يقول إينيارت: "يوجد لدى أغلب الناس مهارة يمكن الاستفادة منها، حتى لو كانت تقتصر على التواصل مع الآخرين لإقناعهم بخطورة المشكلة".