على مر التاريخ، أثبتت الطبيعة مراراً وتكراراً أنها قادرة على ترميم نفسها. حتى خلال أكبر الكوارث التي شهدها العالم، من حوادث تسرب النفط إلى انهيار المفاعلات النووية، بيّنت الطبيعة أن هناك دائماً إمكانية للإصلاح. ولكن، هناك حد لما تستطيع الأنظمة البيئية تحمّله قبل أن تصل إلى نقطة التحوّل (وهي المرحلة التي تصبح فيها التأثيرات الطفيفة مؤثرة بما يكفي لتتسبب في تغيرات خطيرة).
الخطر يداهم غابات الأمازون بسرعة
بالنسبة لغابات الأمازون المطيرة، والتي تشكل واحة تبلغ مساحتها 5.4 مليون كيلومتر مربع وتمتد عبر النصف العلوي من قارة أميركا الجنوبية، والتي كانت تمثل بالوعة ضخمة للكربون (أي، منطقة تمتص كمية من الكربون من الجو أكبر من التي تطلقها) لسنوات طويلة، يمكن أن تكون نقطة التحوّل قريبة للغاية. فقد كشفت دراسة جديدة نُشرت في 7 مارس/آذار 2022 في دورية «نيتشر كلايميت تشينج» عن مدى قابلية غابة الأمازون للتكيف مع التغير المناخي، وكيف أضرت الأحداث المناخية الهائلة والنشاط البشري بقدرتها على التعافي من الكوارث.
استخدم فريق الباحثين تقنية خاصة تعتمد على الأقمار الصناعية تسمى «العمق البصري للنباتات» لتحديد مقدار الكتلة الحيوية التي حافظت عليها غابة الأمازون المطيرة بين عامي 1991 و2016. باستخدام هذه النتائج، جنباً إلى جنب مع المؤشرات الإحصائية على الاستقرار التي تم استخدامها لتقييم حالة النظم البيئية الأخرى المتغيرة بسرعة، مثل الصفائح الجليدية في جزيرة غرينلاند، اكتشف الفريق أنه منذ عام 2000، أصبحت نسبة 75% من الغابة أقل مقاومة للاضطرابات مثل حرائق الغابات والجفاف. تبين النتائج أن أجزاء الغابة القريبة من المزارع والمناطق الحضرية والطرق تفقد استقرارها بمعدل أسرع من الأجزاء الأخرى.
قال «نيكلاس بورز»، أحد مؤلفي الدراسة الجديدة، وهو باحث في معهد «بوتسدام» لأبحاث تأثر المناخ والجامعة التقنية في مدينة ميونخ، في بيان صحفي: «يمكن أن يؤدي انخفاض المرونة البيئية، أي القدرة على التعافي من الاضطرابات مثل الجفاف أو الحرائق، إلى زيادة خطر موت غابات الأمازون المطيرة. إن اكتشاف هذا الانخفاض في المرونة من خلال الأرصاد الجديدة هو أمر مقلق بالفعل».
ما هي مظاهر موت الغابات التي تُشاهد في غابات الأمازون ؟
تتمثّل ظاهرة موت الغابات في مرض مجموعات واسعة من الأشجار وموتها دون سبب واضح. يمكن أن ترتبط هذه الظاهرة غالباً بازدياد عدد فترات الجفاف التي مرت بها غابة الأمازون، إذ أنها شهدت منذ 2005 ثلاث فترات من الجفاف لا تتكرر إلا مرة واحدة كل 100 عام. قال «كريس باولتن»، أحد مؤلفي الدراسة الجديدة، وهو باحث في معهد «غلوبال سيستيمز» التابع لجامعة إكسيتر، في بيان صحفي: «انخفضت المرونة البيئية لغابة الأمازون خلال فترات الجفاف الرئيسية في عامي 2005 و2010، وكان هذا الانخفاض جزءاً من التراجع الذي بدأ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واستمر إلى 2016 حين تم جمع أحدث البيانات»، وأضاف: «نتيجة لذلك، نتوقع أن تتعافى الغابة من فترات الجفاف بشكل أبطأ الآن مقارنة بسرعة تعافيها قبل 20 عاماً».
ما النتائج المترتبة على موت غابات الأمازون؟
إذا ذبلت غابة الأمازون المطيرة وتحولت في النهاية إلى سهل عشبي، فسيكون لذلك عواقب وخيمة على مستويات متعددة. بالإضافة إلى التنوع الحيوي المذهل للغابة الذي يتمثّل باحتوائها على 10% من إجمالي أنواع الكائنات الحية في العالم، فإن موت أعداد هائلة من الأشجار سيؤدي إلى إطلاق ما يصل إلى 90 مليار طن من غاز ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يجعل الحد من آثار تغير المناخ أكثر صعوبة. توضح الدراسة الجديدة أن منطقة الأمازون تقف على شفا كارثة. قال «كارلوس نوبري»، كبير العلماء في المعهد الوطني لأبحاث غابة الأمازون في البرازيل، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «رفعت هذه النتائج الجديدة من مستويات القلق لديّ».
الغريب أن الباحثين لم يلحظوا تغيراً كبيراً في الكتلة الحيوية لغابة الأمازون ومستويات هطول الأمطار الإجمالية فيها. إذ أنه وفقاً للورقة البحثية الجديدة، انخفضت الكتلة الحيوية بشكل طفيف فقط بين عامي 1991 و2016. وحسب ما قاله بورز في البيان سابق الذكر، يدل هذا على أن «الحالة» العامة للغابة قد لا تعكس قدرتها على التعافي من الكوارث، ما يجعل تحديد نقطة التحوّل أمراً صعباً. قال بورز: «عندما نكتشف أن الغابة وصلت لنقطة التحوّل، فسيكون الأوان قد فات لإنقاذها».
مع ذلك، لم يفت الأوان بعد لإنقاذ غابة الأمازون، إذ يمكن زيادة مرونتها البيئية إذا توقّفت ممارسات البشر التي تضر بها. بالنسبة لغابة الأمازون، سيتطلب ذلك إيقاف عمليات إزالة الغابات. المعدل الحالي لإزالة الغابات في منطقة الأمازون أعلى من العقود السابقة، إذ أظهر تحليل أجراه معهد «إيمازون» البرازيلي للأبحاث في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أنه في الفترة بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول من عام 2021، ازداد معدل إزالة الغابات بنسبة 33% مقارنة بعام 2020 بأكمله.
قال «جو هاوس»، خبير العلوم والسياسات البيئية في جامعة بريستول، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، في بيان صحفي: «نظراً للتصريحات الأخيرة حول أهمية الغابات المطيرة التي صدرت عن الدول الـ 141 المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2021، والذي أُقيم في مدينة غلاسكو، فإن ازدياد معدّل إزالة الغابات يعزز ضرورة التزام صناع القرار وعوام الناس بحماية هذا النظام البيئي المهم عالمياً وترميمه قبل فوات الأوان». حان الوقت الآن لكي نتّحد عندما يتعلق الأمر بإنقاذ «رئتي الكوكب»، بغض النظر عما إذا كانت غابة الأمازون قريبة أم بعيدة عنا.