هل هو مصدر للطاقة غير ضار بالمناخ؟ تعرف إلى الغاز الطبيعي «المتجدد»

4 دقائق

يُعد الغاز الطبيعي وقوداً أحفورياً متعدد الاستخدامات، ويُستخدم في توليد حوالي ثلث كمية الطاقة المُنتجة في الولايات المتحدة. بالرغم من أن انبعاثات غازات الدفيئة والملوثات الأخرى الناجمة عن استخدام الغاز أقل من تلك الناتجة عن استخدام الفحم أو النفط، لكن الغاز الطبيعي الأحفوري مساهم رئيسي في التغير المناخي، وهي مشكلة عالمية ملحة تتطلب إيجاد الحلول لها. في الواقع، يُعتبر تخفيض انبعاثات أنظمة استهلاك الغاز الطبيعي تحدياً صعباً نظراً للاعتماد الكبير عليه في مجالاتٍ عدة مثل؛ توليد الكهرباء، وتشغيل أنظمة التدفئة، والتطبيقات الصناعية المختلفة.

هناك نقاش جديد يدور حالياً حول بديل محتملٍ للغاز الطبيعي الأحفوري، وهو الغاز الطبيعي المتجدد أو «آر إن جي»، وهو وقود متجدد يشبه الغاز الطبيعي الأحفوري إلى حدٍ كبير، ويمكن استخلاصه من المخلفات الحيوية العضوية، أو باستخدام الطاقة الكهربائية عبر سلسلةٍ من التفاعلات الكيماوية.

لكنني أعتقد، واستناداً إلى ما هو شائع ومعروف عن أنظمة إنتاج هذا الغاز، أن الفوائد التي تعود على المناخ من استخدامه مبالغ فيها، وقد لا تكون بهذا الحجم الذي يدعيه المدافعون عنها. وذلك مهمٌ بالنظر إلى عدم استخدامه على نطاقٍ واسع حتّى الآن، وفي الوقت الذي ما تزال فيه ولايات أميركية عديدة تدرس اتخاذ قرار بشأن التحول إلى استخدامه، مثل كاليفورنيا، واشنطن، ميشيغان وجورجيا ونيويورك.

بصفتي باحثة أدرس المواضيع المتعلقة بالاستدامة، فأنا أبحث حالياً في أثر القرارات التي تُتخذ على البيئة والمجتمع في المستقبل، وأركز بشكلٍ خاص على كيفية تأثير أنظمة الطاقة على التغير المناخي.

في الوقت الحالي، تُعد الطاقة المسؤول الرئيسي عن معظم التلوث في جميع أنحاء العالم والذي يتسبب بالتغيّر المناخي. ونظراً لأن البنية التحتية للطاقة -مثل محطات توليد الطاقة وخطوط الأنابيب- تدوم لفترة طويلة، فمن المهم الأخذ بعين الاعتبار التزامات المجتمع بتخفيض الانبعاثات التي تؤدي إلى تغيّر المناخ، خاصة مع التوجه الحالي نحو الاستثمار في هذه الأنظمة. ما يزال استخدام الغاز الطبيعي المتجدد حتى الآن ضمن الاقتراحات ولم يتحوّل إلى واقع فعلياً، ما يجعله الوقت المناسب لطرح السؤال: ماذا يمكن أن يقدم الاستثمار في الغاز الطبيعي المتجدد للتغير المناخي؟

ما هو الغاز الطبيعي المتجدد؟ وما أهميته؟

يمكن لمعظم المعدات التي تستخدم الطاقة كمشغل استخدام نوع واحد فقط من الوقود، ولكن قد يأتي الوقود من مصادر مختلفة. على سبيل المثال، لا يمكنك شحن جهاز الكمبيوتر بواسطة البنزين، ولكن يمكن تشغيله بالكهرباء المولدة من الفحم أو الغاز الطبيعي، أو الطاقة الشمسية.

الغاز الطبيعي هو ميثان نقي تقريباً، ومصدره الحالي من الغاز الطبيعي الأحفوري الخام المُستخرج من الرواسب العميقة تحت الأرض، لكن الميثان يمكن أن يأتي من مصادر متجددة أيضاً.

هناك مصدران يمكن إنتاج الغاز الطبيعي المتجدد منهما. الأول: هو غاز الميثان الحيوي الذي تنتجه البكتيريا التي تهضم المكونات العضوية في السماد العضوي ومدافن النفايات ومياه الصرف الصحي. لقد استحوذت محطات معالجة مياه الصرف الصحي ومدافن النفايات ومزارع الألبان على الاهتمام الأكبر كمصادر لغاز الميثان الحيوي، واستخدامه كمصدر للطاقة لعقود من الزمن في شكلٍ يُطلق عليه عادة اسم «الغاز الحيوي».

يتولد غاز الميثان الحيوي بشكلٍ طبيعي عندما تتحلل المواد العضوية نتيجة غياب الأكسجين. في الواقع، يمكن أن يكون استخدام الميثان كوقود مفيداً للبيئة إذا كان بالإمكان منع تسرب الميثان إلى الغلاف الجوي.

من الناحية النظرية، يتوفر ما يكفي من هذا الميثان الصديق للبيئة ليحل مكان حوالي 1% من الطاقة التي تولدها أنظمة غاز الميثان الطبيعي الحالية، وتأتي حالياً الكميات الأكبر من الميثان الصديق للبيئة من مدافن النفايات.

أما المصدر الآخر لغاز الميثان المتجدد غير موجود حتى الآن من الناحية العملية، ولكن يمكن أن يكون من الناحية النظرية مصدراً للميثان الحيوي بكمياتٍ أكبر بكثير. المقصود هنا تصنيع هذا الغاز من ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين بواسطة الطاقة الكهربائية، ويطلق على هذه التقنية اسم «طاقة إلى غاز» أو «بي تو جي». فإذا كانت جميع المدخلات في عملية الإنتاج هذه محايدة مناخياً (على سبيل المثال، إذا كانت الطاقة الكهربائية المُستخدمة آتية من مصادر لا ينتج عنها غازات الدفيئة)، فإن غاز الميثان المتجدد الناتج سيكون محايداً بالنسبة للمناخ أيضاً.

حتى الآن، إنتاج الغاز الطبيعي المتجدد غير متاحٍ على نطاقٍ واسع. لكن تدور العديد من النقاشات حالياً حول ما إذا كان يجب إتاحته وكيفية القيام بذلك. على سبيل المثال، اقترحات شركات مثل «سوكال جاز» في كاليفورنيا و«سنتر بوينت إنيرجي» في مينيسوتا، و«فيرمونت جاز سيستم» في فيرمونت عروضاً لتقديم الغاز الطبيعي المتجدد للمستهلكين، وبنفس الطريقة التي تسمح من خلالها العديد من المرافق للعملاء بالانتقال إلى الكهرباء المتجددة.

الطاقة المتجددة ليست مستدامة دائماً

إذا كان ممكناً أن يكون الغاز الطبيعي المتجدد بديلاً متجدداً عن الغاز الطبيعي الأحفوري، فلماذا لا تمضي صناعته قدماً؟ لقد أظهر المستهلكون أنهم على استعداد لشراء الطاقة الكهرباء المتجددة، لذلك قد نتوقع حماساً مشابهاً تجاه استخدامه.

تتمثل المشكلة الرئيسية في أن الميثان ليس مجرد وقود فقط، فهو أيضاً غاز دفيئة قوي يساهم في التغير المناخي. لذا فإن أي نوع من غاز الميثان يتم تصنيعه -سواء كان من مصادر بيولوجية أو غيرها- فإنه سيساهم في تغير المناخ إذا تسرّب إلى الغلاف الجوي.

وبالتأكيد سيحدث تسرب لهذا الغاز من أنظمة الإنتاج والنقل التي أُقيمت سابقاً وحديثاً. على سبيل المثال، في اللحظة التي تشمّ فيها غاز الميثان عندما تدير مفتاح الوقود على الموقد قبل أن يبدأ بالاشتعال، يكون الغاز قد تسرب فعلاً، وسيسهم في التغير المناخي.

لكي أكون واضحة، من شبه المؤكّد أن الغاز الطبيعي المتجدد أفضل للمناخ من الغاز الطبيعي الأحفوري؛ لأن المنتج الثانوي عن حرقه لن يساهم في التغير المناخي. لكن القيام بتطوير أنظمةٍ أفضل من الأنظمة الموجودة حالياً لم يعد كافياً للاستجابة الملحة لتغير المناخ. تشير الهيئة الدولية الرئيسية المعنية بتغير المناخ في العالم إلى أننا بحاجة إلى التخلّص من استخدام الكربون بحلول عام 2030 للتخفيف من حدة الأضرار التي سببناها للمناخ.

الطاقة, الطاقة المتجددة, طاقة الرياح, علوم, بيئة

سينافس الغاز الطبيعي المتجدد مع مصادر الطاقة الأخرى، مثل طاقة الرياح التي لا تنبعث منها غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

فوائد مناخية ضئيلة

يشير بحثي الأخير إلى أنه ومن أجل الوصول إلى نظام كبير بما يكفي ليحلّ مكان الغاز الطبيعي الأحفوري، ربما لا يكون الغاز الطبيعي المتجدد بهذه الفعالية التي يدعيها المدافعون عنه. وبالرغم من أن هذا الغاز له تأثير على المناخ أقلّ سُوءاً من نظيره الأحفوري، فإن الطلب المرتفع المحتمل وتسرب الميثان يعني أنه من المحتمل أن يساهم في تغير المناخ بشكلٍ ما. وعلى النقيض من ذلك، فإن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية لا تنبعث منها الملوثات التي تضر المناخ بشكل مباشر.

كما أن إنشاء نظام كبير للغاز الطبيعي المتجدد؛ يتطلب بناء بنية تحتية جديدة لإنتاجه لأنه يأتي من مصادر مختلفة عن مصادر الغاز الطبيعي الأحفوري. وهذه الاستثمارات لا بد أن تكون طويلة الأجل، ويُحتمل أن يكون هناك استثمارات أفضل منها. ستكلّف هذه المشاريع أموالاً طائلة وسياسات داعمة، واستثمارات في إقامة بنيتها التحتية في الوقت الذي يمكننا فيه البحث عن بدائل يمكن أن تصل بنا إلى صفر انبعاثات من غازات الدفيئة.

عندما بدأ النقاش أول مرة حول التغير المناخي على المستوى السياسي في أواخر الثمانينيات، كان الاستثمار في أنظمة طويلة الأجل ذات انبعاثات منخفضة ولكن غير صفرية لغازات الاحتباس الحراري لا يزال متوافقاً مع الأهداف المناخية الصارمة. الآن، بات الهدف صفر انبعاثات من غازات الدفيئة، ويشير بحثي إلى أن الغاز الطبيعي المتجدد لن يحقق هذا الهدف.

المحتوى محمي