اعترض زعيم الخضر الأسترالي «بوب براون» -العام الماضي- على إقامة مزرعةِ رياح من المفترض إقامتها في جزيرة روبينز في تاسمانيا، في إطار التطوير الذي سيشمل الجزيرة، والذي سيشمل بناء 200 برج رياح، يصل طول كل برجٍ منها إلى 270 متراً.
وبغض النظر عن مشروع تطوير جزيرة روبنز، فإنَّ طول هذه الأبراج مرتفعٌ بشكلٍ استثنائي، لكنها تتوافق مع الاتجاه الحالي لصناعة وتطوير توربينات الرياح.
هناك أنواعٌ عديدة من تصاميم عَنَفات الرياح، لكن الأكثر انتشاراً العَنَفة ذات المحور الأفقي، وتبدو العنفة مروحة عملاقة محمولة على عمود، ويُعدُّ هذا التصميم فعالاً جداً في تحويل طاقة الرياح إلى طاقةٍ كهربائية.
وقد لاحظ المتابعون المهتمون أن حجم هذه التوربينات قد ازداد شيئاً فشيئاً عبر السنوات الماضية؛ إذ كانت تبلغ أقطار مراوحها في تسعينيات القرن الماضي نحو 30 متراً، أما اليوم فتتجاوز 100 متر.
أكبر وأفضل
التوربينات الأكبر حجماً أفضل كفاءةً بالطبع؛ فكلما زاد نصف قطر الشفرات الدوَّارة، زاد عزم الدوران الذي يولده تيار الرياح، وبالتالي تزيد كفاءة توليد الطاقة الكهربائية في محور المروحة.
وبطريقة أخرى يمكننا أن نقول إن زيادة طول شفرات التوربينات وحجمها تعني حتماً كفاءةً ديناميكية هوائية أكبر؛ فتوليدُ طاقةٍ أكبر يعني طاقةً ضائعةً أقل عند نقل الطاقة، عبر نظام النقل، إلى المولد الكهربائي، وعلمياً أعطى العائد المادي الجيد لهذه العملية، وهو ما يُعرف اقتصادياً بتخفيض تكلفة الإنتاج بزيادة عدد أو حجم المنتجات، دفعاً كبيراً لشركات تصنيع مولدات الطاقة بالرياح لتطوير شفراتٍ دوارةٍ أكبر.
وتزداد توربينات الرياح طولاً أيضاً، ويعود ذلك إلى طبيعة تحرُّك الهواء في الغِلاف الجوي، حيث تكون سرعة الهواء أعلى عدة مراتٍ مما هي عليه بالقرب من سطح الأرض؛ لذلك من المفيد وضع التوربينات في ارتفاعات أعلى؛ حيث تكون طاقة الرياح أكبر. أضف إلى ما تقدَّم أن إقامة توربينات الهواء في المناطق الجبلية قد يتطلب من المهندسين تصميماً أطول لتلتقط الرياح؛ لأن التضاريس، كالسلاسل الجبلية، تعيق سرعة الرياح، وتخففها أيضاً، بينما تكون التوربينات المُقامة على الشواطئ أكبر حجماً عموماً؛ لأن سرعة الرياح عالية عند مستوى سطح البحر.
وعادةً ما يتراوح طول شفرات التوربينات التي تُقام على اليابسة، وهي الأكثر انتشاراً في أستراليا، بين 40 و90 متراً، ويصل ارتفاعها إلى 150 متراً. أما التوربينات المقامة على الشواطئ، وهي منتشرة أكثر في أوروبا، فعادةً ما تكون أكبر حجماً بكثير.
ويُعد «هاليادي - إكس» -الذي تنتجه شركة جنرال إلكتريك- أحد أضخم تصاميم توربينات الرياح البحرية في العالم؛ إذ تبلغ طاقته الإنتاجية 12 ميجاوات، ويصل طول شفراته إلى 107 أمتار، ويبلغ طوله الإجمالي 260 متراً، وبالمقارنة فإنه يعادل ارتفاع برج «سنتر بوينت» المشهور في سيدني، الذي يبلغ 309 أمتار.
وإنْ أُقِيمت توربينات يصل طولها إلى 270 متراً بالفعل في جزيرة روبنز كما أوردت وسائل الإعلام، فإنها ستحقق إنجازاً يفوق إنجاز شركة جنرال إلكتريك. لا أعلم مدى صحة هذه الأخبار، ولكني أفترض أن على المهندسين تصميم أفضل التوربينات المناسبة لظروف الرياح السائدة، والملائمة للبنية التحتية القائمة.
كيف سيواجه المهندسون تحدي المرتفعات الصعبة؟
يواجه المهندسون تحدياتٍ لتلبية الطلب على التوربينات ذات الحجم الأكبر والأطول عموماً؛ وذلك للتعقيدات الهندسية الواجب أخذها في الاعتبار عند تصميم تلك التوربينات.
تعدُّ الشفرات الطويلة أكثر مرونةً من القصيرة، لكنها قد تُولِّد اهتزازاتٍ أكثر، وإن لم يُتحكَّم بها، فإنها ستؤثر سلباً في الأداء، وتقلل من عمر الشفرات، وأي شيءٍ متصل بها، مثل علبة التروس أو المولد؛ لذلك تُطوَّر تقنية التصنيع، ويُحسَّن تركيب المواد الداخلة فيها باستمرار؛ لإنتاج شفراتٍ أكثر كفاءة، تدوم لمدة أطول.
تُولِّد التوربينات الأطول طاقةً أكثر؛ مما يضع جهداً أكبر على علبة التروس ونظام النقل، الأمر الذي يفرض تحدياً على المهندسين الميكانيكيين؛ لتطوير طرقٍ جديدة لتحويل عزم الدوران الزائد إلى طاقةٍ كهربائية. وتحتاج التوربينات الريحية الأطول إلى أبراجٍ ودعائم أقوى. وفي الواقع تطول قائمة التحديات جداً.
وعلى سبيل المثال، تُصدِر التوربينات الأكبر حجماً ضوضاء أعلى، مصدرها الرئيسي حواف الشفرات الخارجية؛ نتيجة احتكاكها مع الهواء، مُصدِرةً صوت «الهسهسة»، أو ما ندعوه صوت الحفيف، وتزيد شدة الضوضاء عندما تكون الرياح شديدة في الظروف الجوية القاسية.
ولا يعود سبب الضوضاء إلى حجم التوربين فقط؛ فمثلاً إنْ رُتِّبتْ التوربينات بعضها وراء بعض، فسيَخلق التوربين الأول اضطراباً هوائياً خلفه، يتسبب في حدوث ضوضاء مرتفعة للغاية في التوربين الذي يليه.
لذلك يجب مواجهة تحدي الضوضاء، والتحكم بها قدر الإمكان، من خلال حلولٍ وتصاميم مبتكرة. ويمكننا استعارة بعض الأفكار من الطبيعة؛ فَرِيشُ البومة مثلاً مُسنَّن؛ مما يقلل من الضوضاء التي يثيرها أثناء طيرانه نحو الفريسة، والآن تُستخدم الشفرات المسننة في المراوح لهذه الغاية أيضاً.
وليست التحديات الهندسية هي التحدي الوحيد الذي يقف في وجه إقامة مزارع الرياح بالطبع؛ إذ ينبغي مراعاة الجوانب البيئية، والسمعية، والتأثيرات المرئية، وهواجس المجتمع الأخرى أيضاً، وهو المُتَّبع في الإجراءات المتخذة عند إقامة أي مشروع ضخمٍ للبنية التحتية. وبالرغم من كل هذه التحديات، تبقى التوربينات أحد أشكال الطاقة النظيفة، والمتجددة، والأقل تكلفة، والأكثر تطوراً تكنولوجياً، وبما أن العالم المتحضر يسعى إلى معالجة التغير المناخي والحد من آثاره، فلا شك في أننا سنراها في كل مكان.