تختلف أزمة التنوع البيولوجي حسب كيفية مقاربة المسألة، فعلى المستوى العالمي، تهلك أنواع عديدة من الكائنات بمعدل غير مسبوق، وتشير تقديرات إلى أن معدل انقراضها كان ليقل 1000 مرة لولا وجود الإنسان. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فحالياً يواجه مليون نوع من الكائنات الحية خطر الانقراض.
الانقراض مشكلة عالمية، لكن المناطق الأحيائية المنفردة -مثل البحار المدارية والغابات المعتدلة وتندرا القطب الشمالي- تواجه معضلة مختلفة. فبدلاً من تناقص العدد الإجمالي للكائنات الحية، تحدث إعادة تشكيل للموائل المحلية، وذلك حسب ما أشارت إليه دراسة حديثة نشرت في دورية «ساينس». يقول شين بلووْز، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم البيئة في المركز الألماني لأبحاث التنوع البيولوجي التكاملي: «نفقد العديد من الأنواع على النطاق العالمي، لكن الأمر يختلف على مستوى النطاقات الأصغر». بدلاً من هلاك الكائنات الحية، تتغير الأنواع التي تستوطن المناطق الأحيائية على نحو سريع.
يقول «روبرت كولويل»، عالم البيئة بجامعة كونيتيكت، إن هذه الدراسة «تؤكد أن ثمة تغيراً تدريجياً في تشكيلة الكائنات الحية التي تستوطن تلك المناطق». وأضاف: «أنا أثني عليهم؛ على هذا المشروع الطموح... لقد قاموا بعمل رائع مع أن البيانات المتاحة لهم كانت في غاية التعقيد».
وتقول «سارة سوب»، إحدى مؤلفات الدراسة وعالمة البيئة بجامعة دينيسون، إن العلماء الذين يدرسون مناطق مختلفة ناقشوا عدد الأنواع في الموائل حول العالم يتزايد أو يتناقص. وكان من الصعب الخروج بتصور واضح لما يحدث في مناطق مختلفة. وللحصول على بيانات وافرة، توجب على علماء الأحياء طلب الولوج إلى معلومات تحتفظ بها المؤسسات والحكومات -عملية مملة وتستغرق وقتاً طويلاً- عوضاً عن ذلك، أنشأوا قاعدة بيانات مفتوحة المصدر، اسمها «بيوتايم»، وباستخدام معطيات من 239 دراسة في القاعدة، تمكنوا من تحديد كيفية تغير تركيب وعدد الكائنات الحية في أكثر من 50 ألف موقع مختلف في شتى أرجاء العالم. تعلق سوب على هذا قائلة: «هذا أمر في غاية الروعة لأنه يمكن من إجراء مثل هذه الدراسات». وتضيف: «إنه مورد نأمل أن ينمو ويتطور أكثر».
من خلال تحليل تلك البيانات، استنتج علماء البيئة أن العدد الإجمالي للكائنات الحية في المواقع الإحيائية، ما يُعرف اصطلاحاً باسم «وفرة الأنواع»، لا يتغير كثيراً على صعيد العالم. شهدت بعض المواقع انخفاض في عدد الأنواع، لكن بعضها الآخر شهد زيادة في عددها، إذ قارب متوسط تغير الأنواع الصفر. بهذا الصدد، قالت سوب: «عندما نأخذ كل هذا بالاعتبار، سواء زيادة عدد الأنواع أو انخفاض عددها، نصل إلى أن عدد الأنواع لا يتغير كثيراً».
لاحظ الباحثون تغير الأنواع التي تستوطن بعض الموائل، إذ يؤدي تغير البيئة إلى انتقال أنواع جديدة، من مناطق بعيدة وقريبة، إلى مناطق إحيائية مغايرة. خلصوا أيضاً إلى أن الأنواع تتغير بنحو الثلث كل عشر سنوات في المتوسط، وتحدث أبرز هذه التغيرات في المحيطات، خاصة في المناطق البحرية الإستوائية وغرب المحيط الأطلسي وشمال غرب أستراليا. في الواقع، كان معدل تغير الأنواع في المناطق البحرية ضعف معدله على اليابسة.
هذه التغيرات مبهرة، لكن الاستنتاجات التي يمكن أن نخرج بها من هذه النتائج تظل مبهمة. ويعلق بلووز على هذا قائلاً: «من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه التغيرات إيجابية أو سلبية. حالياً، نعمل على توثيق هذه التغيرات، لكن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات لفهمها جيداً».
يرى «بنجامين هالبيرن»، عالم الأحياء البحرية بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، أن الدراسة «لم تقدم إجابة شافية عن سبب بقاء معدل وفرة الأنواع ثابتاً بينما تتغير تركيبة الموائل». ويضيف: «السببين الرئيسيين لاتساع النطاق الذي تستوطنه الكائنات الحية هما التغير المناخي والأنواع الغازِية التي تنضاف إلى الموائل. ستمكن معرفة أيها مسؤول عن ثبات معدل وفرة الأنواع في صياغة استراتيجيات لحفظ النظم الإيكولوجية المختلفة».
من المعروف أن التغير المناخي يدفع الكائنات الحية إلى استيطان مناطق جديدة -عادةً في اتجاه القطبين وعلى ارتفاعات أكبر. ويرى كولويل أن هجرة نباتات وحيوانات جديدة إلى منطقة ما من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى تغير الأنواع. هذا التغير أسرع في المحيطات ربما لأن الحواجز أقل وتسمح بانتقال الكائنات بحُرية، فإذا أحس السمك بالدفء، من السهل عليه التوجه إلى مناطق أبرد، على عكس الحيوانات البرية التي يتعين عليها تخطي عقبات مثل الجبال والأنهار والطرقات. ربما يفسر هذا التغير السريع على مستوى المحيطات، لكن علماء البيئة لم يحددوا بعد سبباً مؤكداً.
ستساعد هذه النتائج العلماء والمسؤولين عن حفظ البيئة على تحديد المناطق التي ينبغي أن يولوها اهتماماً خاصاً؛ المناطق التي تشهد تغيراً سريعاً. لعل بعض النظم الإيكولوجية تحتاج إلى تدخل عاجل لحماية الأنواع المحلية من الانقراض، لكن لا ينبغي إهمال النظم التي تشهد تغيرات بطيئة. في المستقبل، ستمكن البيانات المتراكمة الباحثين من تفسير هذه التغيرات؛ من بين الأسباب المحتملة ارتفاع درجات الحرارة وإزالة الغابات والصيد الجائر. يختم بلووْز بالقول: «من خلال تحديد نمط وفرة الأنواع وكيفية تغير تركيبة الموائل، سنستطيع تعيين المناطق التي ينبغي أن تستهدفها إجراءات الحفظ».