هناك خبرةٌ واسعة لدى السكان المحليين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في اصطياد الحشرات وتناولها، لكّن تطوّر مفهوم استخدام الحشرات كمصدرٍ للغذاء واستخدامها في الصناعات الغذائية؛ كان بطيئاً جداً رغم فوائده المحتملة الكثيرة.
تتمثل إحدى ميزات استخدام الحشراتِ كمصدرٍ للغذاء بالاستدامة. فللحشرات بصمةٌ كربونية ومائية صغيرة. وتشير الدراسات إلى أن الانبعاثات الصادرة عن تربية الحشرات من كربونٍ وميثان أقل من الانبعاثات الصادرة من تربية الماشية الكبيرة؛ مثل الأبقار والأغنام. كما أنها تستهلك كميةً أقلّ من الماء لإنتاج نفس كمية البروتين بالمقارنة، وكفاءة تمثيل الغذاء إلى بروتين لدى الحشرات أعلى من مصادر البروتين الحيواني الأخرى، كما أنّ تربيتها يمكن أن تكون مصدراً جيداً للدخل وتوفير فرص العمل.
يجب أن يكون هناك مزيدٌ من الوعي والترويج للحشرات كغذاءٍ للبشر وكعلفٍ للحيوانات، وخاصة على مستوى السياسات والتشريعات ومجال الأعمال. فلا تزال الحشرات الصالحة للأكل في معظم الدول الأفريقية تُعتبر مصدراً غير كافٍ للغذاء، وحتّى أنّها تُعتبر في بعض الحالات غذاءً للفقراء فقط. هناك عموماً عددٌ قليل من التجارب الناجحة في تربية الحشرات على نطاقٍ واسع في أفريقيا.
شاركنا مؤخراً في مشروعٍ لتعزيز استخدام الحشرات المتكامل كغذاءٍ في المناطق الحضرية في بلدان مثل؛ زمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يهدف المشروع إلى انتاج الحشرات الصالحة للأكل ذات القيمة الغذائية العالية، إلا أن توفّر الحشرات موسمياً فقط بالإضافة لتدني معايير النظافة جعل سوقها غير مستقرٍ وغير جذّابٍ للمستهلكين عموماً، حيث يبيع التجّار الحشرات في سياقاتٍ مختلفة غير رسمية، وليس لديهم تفاعلٌ يُذكر مع مربّي الحشرات.
قمنا بإجراء دوراتٍ تدريبية للمزارعين والتجار والبلديات وغيرهم من المهتمين بهذه الصناعة الناشئة. شمل التدريب كيفية التعامل مع الحشرات ومعالجتها بعد حصادها، بالإضافة إلى كيفية الحفاظ على سلامة الغذاء طوال عملية الإنتاج، وتربية الصراصير الزراعية من أنواع «Acheta domesticus» و«Gryllus bumaculatus».
لقد تعلّم المتدربون كيفية تربية الحشرات وبيعها عبر أساليبٍ أفضل، وأصبحوا أكثر وعياً بأهمية الحفاظ على عملية الإنتاج المستدامة وشروط نجاحها، مثل أن تكون مرافق تداول منتجاتها في السوق نظيفةً، وضرورة توفر مصدرٍ دائمٍ من الحشرات. كما خلق التدريب لدى المتدربين إدراكاً بأهمية تربية الحشرات بلاً من اصطيادها في البرية، حيث يمكن لعملية اصطياد الحشرات في البرية أن تُحدث تناقصاً في أعدادها بشكلٍ كبير عند ازدياد الاستهلاك، كما أن الحصول على الحشرات من البرية مباشرةً لا يحقق معايير سلامة الغذاء.
وقمنا أخيراً ببناء مركزٍ نموذجي لبيع الحشرات بالتعاون مع المجلس البلدي في مدينة تشينهوي في زيمبابوي، حيث بات بإمكان التجّار بيع الحشرات الصالحة للأكل هناك، مثل الديدان الموبانية البرية «Gonimbrasia belina» والنمل الأبيض «Macrotermes natalensis»، والكريكيت البرّي. لا يزال المزارعون يبنون مخزونات الصراصير للتربية حتى الآن، وسيتم بيع الإنتاج منها في المستقبل القريب حسب الخطة. ما زال الوقت مبكراً لنرى النتائج المرجوة من المشروع، لكّن أحد التحسينات الملحوظة كانت نظافة المنتج. كما ساعد المشروع النساء اللواتي يشكلّن المجموعة الرئيسية من بائعي الحشرات هناك، فقد أصبحت أعمالهن أكثر تنظيماً عموماً.
نأمل أن يؤدي مشروعنا على زيادة رغبة المستهلك في شراء الحشرات الصالحة للأكل، كما نأمل بانتشار هذه الممارسة في مناطق أخرى من زيمبابوي وحتّى خارجها أيضاً. وقد ساهم مشروعنا بالفعل تجّار الحشرات والمزارعين على تشكيلِ نقاباتٍ خاصةٍ بأعمالهم أيضاً.
قيمة الحشرات
تُعدّ الحشرات مغذية جداً، فهي تحتوي على البروتين والدهون والطاقة بنسبٍ مماثلة للحبوب والخضروات والبذور، وهي غنية بالمعادن الرئيسية مثل الكالسيوم والصوديوم والمغنيسيوم والعناصر الصغرى مثل؛ الزنك والمنغنيز والحديد والنحاس، حيث تُعدّ هذه العناصر جزءاً لا غنى عنه من أي نظامٍ غذائي صحي. في أجزاء كثيرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عادةً ما تكون الفواكه والخضروات مصدر هذه المعادن، وغالباً ما تكون زراعتها موسمية. هنا يمكن أن توفر الحشرات الصالحة للأكل هذه المعادن خلال المواسم التي يكون فيها إنتاج الفاكهة والخضروات أقلّ.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الحشرات على على الأحماض الأمينية الأساسية مثل؛ الثريونين والسيستين والفالين والميثيونين والايزولايسين. حيث يمكن أن يلبّي تناول 100 غرامٍ فقط من حشرات البقّ الصالحة للأكل من نوع «Encosternum delegorguei» مثلاً الحاجة اليومية الموصى بها من الأحماض الامينية.
في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، دمّر إعصار «إيداي» أجزاءَ من شرق وجنوب أفريقيا، حيث قضى على العديد من المحاصيل والماشية، مما تسبب في نقص حاد في الغذاء. لذلك نعتقد أنه في حالات نقص الغذاء الحاد في المناطق المنكوبة بالكوارث؛ يمكن للحشرات الصالحة للأكل أن تحقّق توازناً غذائياً مطلوباً من خلال احتمال كونها مورداً غذائياً بديلاً في برامج الطوارئ، وبديلاً للزراعة التقليدية لصغار الملاك. هناك مثالٌ ممتاز على ذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث بدأت دور الأيتام بتربية الحشرات لإيجاد مصادر بديلةٍ للبروتين، لقد ساعد ذلك فعلاً في تقليل الجوع وتحسين صحّة الأيتام.
ما هي الاجراءات المطلوبة لتحسين واقع تربية الحشرات؟
لقد شاركنا في عقد مؤتمرٍ دولي في زيمبابوي لمناقشة طرق تعزيز صناعة الحشرات الصالحة للأكل. نحن بحاجةٍ لأبحاثٍ تدعم نتائجها صانعي القرار وواضعي السياسات دعم المشاركين في هذا القطاع من مزارعين ومسوقين ومستهلكين، ويجب على الباحثين العمل مع المزارعين والأفراد في مجال الأعمال التجارية لتعزيز المهارات والابتكار والمشاريع. على سبيل المثال، يمكنهم العمل على تطوير حالات العمل ومختلف السيناريوهات.
يجب أن يفهم واضعو السياسات أن هذا القطاع فريد من نوعه. فالحشرات الصالحة للأكل ليست مُدرجةً أو مصنفةً في أي قطاعٍ فرعي زراعي مثل زراعة المحاصيل أو تربية الحيوانات، كما أن تداول الحشرات في القارة الافريقية كسلعةٍ لم يحدث من قبل، لذلك من المفيد إنشاء وتنسيق منصاتٍ مثل الاجتماعات وورش العمل، والمعارض والمجلات والمواقع الإلكترونية. ويجب أن تعطي السياسات والقوانين أيضاً مناخاً مناسباً للابتكار والاستثمار على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية في هذا المجال. سيحتاج المشاركون في هذه الصناعة إلى إتاحة الوصول إلى الأسواق والقطاعات المالية أيضاً.
كما يجب على المزارعين ومنتجي الأعلاف والتجار والمسوقين اغتنام الفرص المتاحة للاستثمار ودخول الأسواق المتخصصة. يمكنهم أيضاً المساهمة في تطوير السياسات، وتبادل المعرفة حول الطرق التقليدية لإنتاج الحشرات وتناولها.
في الواقع، هناك زخم متزايد نتج عن العديد من مبادرات البحث والأعمال التي تم أُطلقت في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما أنّ هناك حماسٌ متزايد لاستخدام الحشرات الصالحة للأكل كمصادر بديلة للبروتين، وبناء القدرة على مواجهة الصدمات المناخية. إنها خطوة أساسية نحو تحسين الأمن الغذائي في المنطقة.