التغير المناخي يتسبب بذوبان ثلوج جبال الألب

التغير المناخي يتسبب بذوبان ثلوج جبال الألب
شهد ما يقرب من 80% من مساحات جبال الألب الواقعة فوق خط الأشجار ارتفاعاً في معدل نمو النبات، ما يمكن أن يكون له آثار وخيمة على النظام البيئي ويمكن أن يعزز بعض العوامل التي تساهم في التغير المناخي. حقوق الصورة: ماركو ماير/أنسبلاش.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد جبال الألب الأوروبية واحدة من أكثر سلاسل الجبال شهرة في العالم. وتشتهر قممها المغطاة بالثلوج باستضافة الرياضات الشتوية كما أنها تتمتع بأنظمة بيئية جبلية فريدة من نوعها خاصة في أماكن مثل “مونت بلانك”، وهي أعلى قمة في جبال الألب والتي تعرف باسم “الجبل الأبيض”. لكن تتأثر هذه الأماكن بشكل متزايد بالتغير المناخي، ما يعرض غطاءها الثلجي ومناطق مثل الجبل الأبيض للخطر.

يُظهر بحث جديد الطريقة التي أثر فيها التراجع المتزايد للغطاء الثلجي وازدياد نسبة الغطاء النباتي الأرضي كنتيجة للتغير المناخي على جبال الألب الأوروبية على مدار الأربعين عاماً الماضية. تشير الدراسة التي أجرتها مجموعة علم البيئة المكاني التابعة لجامعة لوزان في سويسرا والتي نشرت مؤخراً في مجلة “ساينس” إلى أن التراجع في كمية الثلوج في جبال الألب كبير لدرجة أنه يمكن رؤيته من الفضاء.

لكن يركّز الجزء الأكثر أهمية من البحث على زيادة الغطاء النباتي أو ما يدعى بـ “تخضير” هذه المنطقة الجبلية. شهد ما يقرب من 80% من مساحات جبال الألب الواقعة فوق خط الأشجار ارتفاعاً في معدل نمو النبات، ما يمكن أن يكون له آثار وخيمة على النظام البيئي ويمكن أن يعزز بعض العوامل التي تساهم في التغير المناخي.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغير المناخي على معدل انتشار الجفاف؟

الغطاء الثلجي يتراجع

استخدم فريق الدراسة الذي تقوده “سابين رامبف” من قسم البيئة والتطور في جامعة لوزان الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية لمراقبة التغيرات في الغطاء الأرضي عبر جبال الألب الأوروبية بأكملها. ووجدوا أن الغطاء الثلجي الصيفي الذي يكون موجوداً عادةً من شهر يونيو/حزيران حتى شهر سبتمبر/أيلول قد انخفض بشكل أكبر من الغطاء الثلجي الذي يستمر طوال العام. كانت تعاني 10% من المنطقة التي درسها الباحثون من هذا الانخفاض الكبير في الغطاء الثلجي.

استخدم الباحثون طريقتين لقياس التغير في الغطاء الثلجي. بالنسبة للغطاء الثلجي في الصيف، قام الباحثون بقياس مدة وكمية تساقط الثلوج في مناطق معينة خلال أشهر معينة. أما بالنسبة للغطاء الثلجي الذي يوجد على مدار العام، حددوا فقط ما إذا كان الثلج موجوداً ولم يقيسوا كميته. تؤثر عوامل مختلفة في تراجع هذه الأنواع المختلفة من الأغطية الثلجية، ويمكن أن تشير هذه العوامل إلى مشكلات مناخية مختلفة.

تقول عالمة الهيدرولوجيا في كلية ماينز في ولاية كولورادو “أدريين مارشال”، والمتخصصة في دراسة الثلوج: “قد يشير التراجع في الغطاء الثلجي الذي يوجد على مدار العام إلى أن المسألة تجاوزت عتبة مختلفة، إذ أن الغطاء الأرضي لهذه المناطق أصبح يتغير من شكل لآخر”. كان من المرجح أيضاً أن يستمر الغطاء الثلجي الصيفي في المناطق التي شهدت انخفاضاً في تساقط الثلوج على مدار العام لفترة أقصر. وأظهرت الدراسة أن التخضر تزامن فقط مع التغيرات في الغطاء الثلجي في جزء صغير من جبال الألب.

كمية الثلوج عامل مهم، وعلى الرغم من أن 10% قد تبدو كنسبة منخفضة، إلا أن العلماء أكدوا في ورقتهم البحثية أن هذا التغيير يشير إلى وجود نمط مهم متعلق بالاحتباس الحراري. توفر الأنهار الجليدية الجبلية والثلوج الذائبة نصف كمية المياه العذبة في العالم. ويتأثر طول موسم نمو النباتات في جبال الألب بفترة بقاء الغطاء الثلجي. يمثّل الغطاء الثلجي أيضاً مصدراً مائياً ضرورياً للنباتات التي تعتمد على الثلوج الذائبة. وسيتسبب الانخفاض في كمية هذه الثلوج طوال موسم النمو مشكلة تزداد سوءاً لأن فترات الجفاف ستصبح أكثر تواتراً وشدة.

يتوقع الخبراء أن تفقد جبال الألب الأوروبية ما يصل إلى 25% من كتلتها الثلجية على مدى السنوات العشر إلى الثلاثين القادمة. وفي الوقت نفسه، ازداد معدّل التخضر في جبال الألب بشكل ملحوظ. إذ خلصت دراسة أجريت في عام 2021 إلا أن 56% فقط من سلسلة جبال الألب شهدت ازدياداً في معدل نمو النباتات. حسبت رامبف وفريقها أن النسبة الأخيرة تقترب من 77%، وهي نسبة تتضمن ازدياداً كبيراً في نمو نباتات جبال الألب المحلية وكذلك الأنواع المستعمرة حديثاً. توضح الورقة البحثية الجديدة أن ازدياد نمو النبات نتج إلى حد كبير عن تغير أنماط هطول الأمطار ومواسم النمو بسبب التغير المناخي.

قالت رامبف في بيان صحفي: “لقد تبين أن حجم التغيير في جبال الألب هائل للغاية”.

التخضّر

في حين أن هناك فوائد محتملة لنمو المزيد من النباتات التي يمكنها امتصاص غاز ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء، يقول الباحثون إن السلبيات تفوق الفوائد.

قالت مارشال عن الدراسة الجديدة: “من ناحية الآثار العالمية للتغيرات في الغطاء النباتي على احتجاز الكربون، لا يبدو أن آثار ازدياد نمو النباتات في جبال الألب سيكون بهذه الأهمية”. لا تشهد المناطق الجبلية نفس القدر من نمو النباتات الذي تشهده الأماكن الأخرى حول العالم مثل المناطق الاستوائية. لذا على الأرجح ألا يكون لأي ازدياد في نمو النباتات تأثير كبير على احتجاز الكربون كما هو الحال في المناطق الأخرى ذات الأنظمة البيئية الأكثر ثراءً بالنباتات.

لكن يمكن أن يكون لأنظمة التغذية الراجعة الأخرى تأثيرات أكثر أهمية. إذ سيؤدي الازدياد في نمو النباتات في جبال الألب إلى تغيير أنماط تساقط الثلوج وتسريع ذوبان الجليد وتراجع الغطاء الثلجي. يتسبب تراجع الغطاء الثلجي جنباً إلى جنب مع تخضّر الجبال إلى انخفاض ما يدعى بـ “تأثير الوضاءة”، والذي يحدث عندما تعكس طبقة الثلج البيضاء المتجمّدة ضوء الشمس وتوجهه إلى الغلاف الجوي مرة أخرى. تعمل حلقة التغذية الراجعة هذه على تسريع عملية الاحترار في جميع أنحاء العالم، ما يتسبب في زيادة معدل ذوبان الأنهار الجليدية وذوبان الجليد الدائم وإتلاف المواطن الطبيعية وتلاشي القمم الثلجية للجبال.

تقول مارشال إنه على الجانب المشرق، تساعد مثل هذه الدراسات الباحثين أمثالها على اكتساب فهم أفضل لكيفية تأثير التغير المناخي على الثلوج والنظم البيئية المتعلقة بها.

تقول مارشال: “تعطينا هذه الدراسات نظرة مناطقية مفيدة على بعض التغييرات المرتبطة بالثلوج والتخضر تساعدنا في اكتشاف التأثيرات المحتملة على الغطاء النباتي وحلقات التغذية الراجعة المحتملة”،

وتضيف: “ستحصل تغييرات مختلفة في مناطق مختلفة”، موضّحة أن القدرة على مقارنة التغييرات في النظم البيئية والأجزاء المختلفة من العالم توضّح كيفية فهمها لمجالات خبرتها الخاصة، و”هذا أمر مفيد بالفعل”، حسب تعبيرها.