هل يقي تخفيف كثافة الغابات من الحرائق فعلاً؟

كيف يقي تخفيف كثافة الغابات من الحرائق؟
يمكن أن يساعد التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال في الغابات في حماية هذه الغابات من الدمار، ولكنه ليس مفيداً للبلدات القريبة من الغابات. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر غابات غرب الولايات المتحدة الأميركية مواقع أثرية حديثة. إذا نظرت للأعلى فيها، ستجد الأغصان المتداخلة التي تحجب السماء. وإذا نظرت حولك، فلن تتمكن من الرؤية بعيداً بسبب تراكم الشجيرات والأشجار الصغيرة والنباتات المعرّشة. أما إذا نظرت للأسفل، سترى الغطاء العضوي وبقايا النباتات والنباتات غير المحلية. على النقيض من ذلك، تمتّعت الغابات البدائية بكثافة متفاوتة، كما أنها احتوت على أعداد قليلة من الأشجار العملاقة التي تنمو عالياً فوق الطبقات السفلى الصحية والمتنوعة.

تجعل الحالة الجديدة والغريبة للغابات الحديثة هذه الغابات أكثر عرضة للحرائق. 

ازدياد معدل حرائق الغابات

ازداد معدل حرائق الغابات الشديدة، والتي تقتل معظم الأشجار في الغابات، ليبلغ 8 أضعاف المعدّل الذي ساد قبل 30 عاماً. يتم استبدال الغابات المحترقة عادة بما يدعى بأراضي الشجيرات، ما يؤدي إلى تراجع نظام بيئي كان مزدهراً في السابق.

أدّت الأبحاث والتجارب الميدانية التي أجريت على مدى عقود من الزمن إلى تطوير طريقة فعّالة للغاية للوقاية من حرائق الغابات الشديدة وتعزيز مقاومة الغابات لآثار التغيّر المناخي، وهي التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال في الغابات. يتضمن ذلك تخفيف كثافة الغابات، أي إزالة الشجيرات والأشجار الصغيرة، والحرائق المدروسة، وهي إجراء الحرائق بشكل هادف في بعض الظروف الملائمة.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني «احتواء الحريق» عند مكافحة حرائق الغابات؟

تدعم الأغلبية الساحقة من علماء البيئة المتخصصين في حرائق الغابات فكرة التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال، وخصوصاً في الغابات التي تزدهر بعد نشوب الحرائق الأرضية المتكررة مثل غابات الصنوبر الأصفر الغربي (Pinus ponderosa) في جنوب غرب الولايات المتحدة. على الرغم من أنه لا يوجد اعتراض كبير على هذه الممارسات في المجتمع العلمي، فإن مدراء الغابات يواجهون الكثير من الصعوبات في تطبيقها.

انتشرت الكثير من المعلومات الخاطئة عن ممارسات تخفيف كثافة الغابات. ومن ناحية أخرى، يعتقد العديد من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق قريبة من الغابات أن الحرائق المدروسة مزعجة أو حتى خطيرة (وهذا صحيح في بعض الأحيان).

سنستعرض في هذا المقال ملخصاً عن ممارسات التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال، وما يجب علينا أن نفعل لحماية الغابات والمنازل القريبة وفقاً لمعظم العلماء.

ما الذي يعنيه تخفيف كثافة الغابات؟

تخفيف كثافة الغابات وقطع الأشجار مختلفان. وفقاً للمؤرخ المختص بحرائق الغابات، ستيفن باين (Stephen Pyne)، تعتبر هذه الممارسة بالنسبة للأشخاص الذين يرفضونها شكلاً من أشكال “الحِراجة المتخفّية” (أو زراعة الغابات، وهي استحداث الغابات والاستفادة منها اقتصادياً واجتماعياً بطرق متعقّلة، مع رعايتها والحفاظ على استمراريتها). مع ذلك، يقول باين إن التخفيف من كثافة الغابات أكثر شبهاً “بإزالة الأعشاب الخشبية”. يشرح باين قائلاً إن ممارسة قطع الأشجار تتضمن قطع الأشجار الكبيرة والناضجة عبر مساحات واسعة، بينما يتضمن التخفيف من كثافة الغابات إزالة الأشجار الصغيرة.

الهدف من قطع الأشجار هو الحصول على الربح، بينما يتطلب التخفيف من كثافة الغابات إنفاق المال في الأغلبية الساحقة من الحالات. يقول عالم البيئة الباحث في دائرة الغابات الأميركية والمؤلف الرئيسي لورقة بحثية حول المعلومات المضللة عن حرائق الغابات نُشرت في شهر سبتمبر/ أيلول 2022 في مجلة فرونتيرز إن إيكولوجي آند ذي إنفايرمنت (Frontiers in Ecology and the Environment)، غافن جونز (Gavin Jones): “عندما تسمع عبارة مثل ‘قطع الأشجار بهدف التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال’، تأكد من أن هذا هو سوء فهم نموذجي”.

اقرأ أيضاً: قادة العالم يعدون بإيقاف إزالة الغابات فهل هذا ممكن حقاً؟

التخفيف من كثافة الغابات يقلل تدميرية الحرائق

التخفيف من كثافة الغابات لا يجعل حرائق الغابات أكثر تدميراً. تتمثل إحدى المعلومات المضللة في الاعتقاد بأن التخفيف من كثافة الغابات “يزيد من درجات الحرارة والجفاف، ما يؤدي إلى انتشار النيران بشل أوسع“. ويقول باين: “هذا صحيح، ولكن يزيد ذلك من انتشار النيران على الأرض، وهو المكان الأقل سوءاً لانتشارها”.

في الواقع، يعتبر نشوب الحرائق على الأرض في الغابات التي تم التخفيف من كثافتها مفيداً بشكل عام؛ إذ إنه يعزز دورة المغذّيات ويحافظ على انفتاح بنية الغابات التي لا تتمتع بكثافة كبيرة تتسبب في انتشار النيران إلى أعالي الأشجار.

التأثير على التغير المناخي

التخفيف من كثافة الغابات لا يسهم في مفاقمة آثار التغيّر المناخي. يقول منتقدو التخفيف من كثافة الغابات إن هذه الممارسة تسهم في مفاقمة آثار التغيّر المناخي من خلال إزالة النباتات التي تخزّن الكربون في الغابات. هذا الكلام ليس خاطئاً تماماً، لكنه يفتقر لنقطة مهمة. يقول جونز إن الغابات التي تحتاج التخفيف “معرّضة بالفعل لخطر الزوال بسبب الحرائق والجفاف”. ما نفعله من خلال التخفيف من الكثافة هو التضحية بجزء من مكامن الكربون بهدف إنقاذ النظام البيئي وما يتبقى من النباتات التي تخزّن الكربون.

التخفيف من كثافة الغابات والحرائق المدروسة متلازمان. يقول باين: “إذا لم يتم اتباع تخفيف كثافة الغابات بالحرائق المدروسة الملائمة، فستكون هذه الممارسة بلا فائدة، كما أنها قد تزيد من سوء حالة الغابات في الكثير من الحالات”. التخفيف من كثافة الغابات والحرائق المدروسة هما شرطان متلازمان للتخفيف من وتيرة حرائق الغابات الشديدة. مع ذلك، هناك بعض الجوانب السلبية للحرائق المدروسة.

يعتبر تخطيط هذه الحرائق وتنفيذها معقداً، وهي تتسبب بإطلاق الدخان في المجتمعات، كما أن إجراءها بشكل غير ملائم يعرّض للمساءلة القانونية. وفي بعض الحالات النادرة، فهي قد تتسبب في الحرائق المدمرة. مع ذلك، هناك حاجة ملحة لهذه الحرائق، ولا يمكن أن ينجح التخفيف من كثافة الغابات من دونها إلا نادراً. يمكن تطبيق السياسات المحدّثة والبرامج الجديدة للتخفيف من مخاطر هذه الحرائق وتوسيع نطاق استخدامها.

اقرأ أيضاً: يتسبب الإنسان بـ90% منها وللطبيعة دورها أيضاً في حرائق الغابات

ما الذي يقوله المعارضون للفكرة؟

تدعم الأغلبية الساحقة من العلماء ممارسات التخفيف من كثافة الغابات، على الرغم من أن البحث السريع على موقع جوجل قد يبيّن العكس. يعتبر مدير مشروع جون موير (John Muir Project)، تشاد هانسون (Chad Hanson)، من أشهر الرافضين لفكرة تخفيف كثافة الغابات. ظهرت آراء هانسون في العديد من الأخبار والتقارير والرسائل الموجّهة إلى الكونغرس الأميركي والدعوات القضائية ومقالات الرأي والكتب والمقابلات. في عام 2019، شارك جونز بتأليف ورقة بحثية تنقد الآليات التي يتبعها هانسون ومنفعته الشخصية من إبداء آرائه في هذا الموضوع. نُشرت هذه الورقة في مجلة فرونتيرز إن إيكولوجي آند ذي إنفايورمنت.

حاجج جونز بأن هانسون وزملاءه يتبعون ممارسات غير علمية، مثل “استخدام العلم في النزاعات القانونية دون الكشف عن المنافع الشخصية المحتملة”، و”الضغط على العلماء وطلاب الدراسات العليا الذين وصلوا لنتائج بحثية مختلفة بهدف سحب أوراقهم البحثية من المجلات”، و”استخدام البيانات التي تدعم أجنداتهم بشكل انتقائي”.

في عام 2021، نشرت مجموعة تتألف من أكثر من 20 عالم بيئة مختصاً بالحرائق يقودها كل من بول هيسبرغ (Paul Hessburg) وسوزان بريتشارد (Susan Prichard) وكيلا هاغمان (Keala Hagmann) 3 دراسات مراجعة علمية في مجلة تطبيقات علم البيئة (Ecological Applications) تفنّد بعضاً من أكثر المعلومات المضللة شيوعاً حول حرائق الغابات. حاجج المؤلفون كجواب على السؤال “هل تعتبر ممارسات التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال غير مبررة وتؤدي إلى نتائج عكسية” بأن الأدلة تبين أن الجواب هو لا.

مع ذلك، لا تزال الكثير من المعلومات المضللة حول هذا الموضوع منتشرة. على سبيل المثال، يتم الخلط عادة بين التخفيف من كثافة الغابات، والذي يحدث عادة قبل إجراء الحرائق المدروسة، وقطع الأشجار الإسعافي، أي قطع الأشجار الناضجة الميتة بعد نشوب الحرائق أو انتشار الأمراض. على الرغم من وجود بعض الأسباب العملية والبيئية لقطع الأشجار الإسعافي، مثل زيادة أمان الطرقات أو تجنّب احتراق الأشجار الميتة التي سقطت، فإن التوازن بين فوائد هذه الممارسة وأضرارها البيئية ليس واضحاً تماماً. يقول العديد من العلماء إن هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث قبل تطبيق قطع الأشجار الإسعافي لتحقيق الفوائد البيئية.

تعاني ممارسات التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال من بعض العيوب.

اقرأ أيضاً: حرائق الغابات في أستراليا تكشف عن مدى هشاشة الأنظمة المدنية

لا شك في أن هذه الممارسات تساعد في إنقاذ الغابات من الحرائق، لكنها لن تحمي البلدات الموجودة ضمن الغابات. يعود ذلك إلى أنه حتى الحرائق منخفضة الشدة يمكن أن تتسبب في اشتعال الأبنية البعيدة.

يقول باين: “لم تتدمر البلدات التي تعرضت للحرائق بفعل النيران التي تنتشر عبر الغابات، بل تدمّرت بسبب انتشار الجمر”، ويضيف: “ينتشر الجمر كعاصفة من الشرر. وبعد احتراق منزل أو اثنين، ينتشر الجمر من مبنى لآخر”. يمكن أن يساعد التقليل من كمية المواد القابلة للاشتعال في إنقاذ الغابات، لكن يتطلب إنقاذ المدن تطبيق طرق الإنشاء المقاومة للحرائق، أي استخدام مواد البناء المقاومة للاشتعال وأنظمة التهوية التي تحصر الجمر وإنشاء المساحات القابلة للإخماد حول الأبنية.

باختصار، يعتبر كل من تخفيف كثافة الغابات وإجراء الحرائق المدروسة حاسماً للحفاظ على الغابات. لكن هذه الممارسات ليست كافية لإنقاذ الغابات؛ إذ يجب اتخاذ الإجراءات للتخفيف من آثار التغيّر المناخي أيضاً.