الحب من أول نظرة أمرٌ يصعب تفسيره، يُقسم بعض الناس أنهم وقعوا فريسةً لقوّته الخفية، وأحياناً أكثر من مرة، بينما يعزوها آخرون إلى التراث الشعبي وقصص الخيال الرومانسية، لكن كل شيءٍ يخضع للمنطق والتحليل العلمي، فما هو موقف العلم من الأمر؟ هل يوجد بالفعل ما يسمى بالحب من أول نظرة؟ أم هو مجرد انجذابٍ لحظي؟ أم شيءٌ آخر؟
علامات الحب من أول نظرة
هو شعورٌ واضحٌ لن يكون لديك الكثير من الشكّ حوله عندما تختبره، ولكن على أية حال، أدناه قائمةٌ بعلاماتٍ تعني أنك قد وقعت ضحيةً له:
- تشعر بانجذابٍ جسدي فوري للشخص.
- تشعر باتصالٍ عميق بهذا الشخص، على الرغم من أنك قد التقيته للتو.
- تشعر بالاهتمام تجاه هذا الشخص، وترغب في الوجود حوله أكثر.
- لا تعرف شيئاً عن هذا الشخص، أو تعرف القليل جداً عنه.
- كل ما تعرفه عن هذا الشخص في هذا الاجتماع الأول قد أثار إعجابك واهتمامك.
- تشعر وكأنك تعلم بالفعل أنك ستكون في علاقة مع هذا الشخص.
- تشعر أنه من الجيد معرفة أن هذا الشخص لديه عيوب أو أوجه قصور أو صفات لا تحبها، وتشعر أن ذلك لن يغير من شعورك تجاهه.
- تشعر وكأن شعورك هذا نحو الشخص سيستمر حتى لو لم ترَهُ مرةً أخرى.
التفسير العلمي للحب من أول نظرة
قاد فريقٌ من الباحثين دراسة فحصوا فيها ما يحدث بالضبط في الدماغ عندما تقع في الحب، وكانت هناك بعض النتائج المجنونة؛ إذ تعمل 12 منطقة من دماغك معاً لإطلاق المواد الكيميائية والهرمونات التي تحفز شعور الوقوع في الحب، وكل ذلك يحدث في خُمس ثانية فقط؛ مما يثير مشاعرَ مماثلةً لتلك التي تنتج عن الأدوية التي تحفّز النشوة.
نتعرّف جميعاً على العلامات الواضحة للوقوع في الحب؛ مثل شعور الفراشات في المعدة، وعدم القدرة على إخراج الشخص من العقل. على أية حال، يقول الباحثون أن الحب يحمل العديد من التعريفات، لكن التعريف المستخدم في الوقت الحاضر- في العلم- يصف الحب ليس فقط على أنه غريزة أساسية وعاطفة، ولكن أيضاً حالة عقلية نفسية عاطفية معقدة تتضمن أربعة أبعاد؛ وهي الكيمياء، والإدراك، وآليات المكافأة والتفضيل، ونيّة أن تنخرط بعلاقة مع شخص آخر.
وفي دراسة أُجريت عام 2007، تم تعريف الحب العاطفي على أنه حالة من التوق الشديد إلى الاتحاد مع شخص آخر؛ والتي تتميز بحالة ذهنية دافعة وموجهة نحو الهدف، ويعني ذلك إنه إذا كنت ستصف مفهوم الوقوع في الحب، فسيكون هذا هو «الوعي بالوقوع في الحب» مع شخصٍ ما، وتشير الأبحاث المُجراة حول الحب إلى أن الحب عملية من مرحلتين؛ أولاهما هي اللاوعي.
واستناداً إلى النتائج التي توصل إليها الباحثون إليها بشأن الحب، يُفترض أن مفهوم الوقوع في الحب يمكن أن يتوافق مع الوعي بالحب مع شخصٍ ما. لذلك، بالرغم من أن الجزء الأول هو اللاوعي، لكن العملية الفعلية للوقوع في الحب، تتطلب منك أن تكون مدركاً لما يحدث؛ وهو ما يأخذنا إلى النقطة التالية.
بُعد الحب الرابع
وفقاً لدراسةٍ أجرتها الطبيبة النفسية «روزماري بيسون»، فإن الرغبة في شخص ما تُعرَّف على أنها زيادة في تكرار وشدة الأفكار والتخيلات الجنسية؛ إما بشكلٍ تلقائي، أو استجابةً للمثيرات المحفزة لدى الشخص، والرغبة تتوافق مع غريزة أو عاطفة أساسية، وحالة نفسية، عقلية، وعاطفية معقدة؛ والتي تتضمن ثلاثة أبعاد؛ الكيمياء، والإدراك، وآليات التفضيل والمكافأة؛ أي كما هو حال الحب العاطفي.
إلا أن الشهوة أو الرغبة تفتقد لبُعد الحب الرابع؛ وهو النية في أن تكون مع هذا الشخص المهم. بمعنىً آخر، الحب يختلف عن الشهوة، لأنك في الواقع يجب أن ترغب في أن تكون مع ذلك الشخص، لا أن تحصل عليه فقط. دعونا نأخذ هذا أبعد من ذلك، ونفحص ما يميز الحب عن الشهوة في الدماغ.
بشكل عام، تُظهر دراسات الرنين المغناطيسي الوظيفي أن كلاً من العاطفة والرغبة الجنسية يثيران نشاطاً متزايداً في مناطق الدماغ تحت القشرية؛ المرتبطة بالنشوة والمكافأة والتحفيز، وكذلك في مناطق الدماغ القشرية؛ التي تشارك في التمثيل الذاتي والإدراك الاجتماعي؛ إذ أنّ هناك الكثير من مناطق الدماغ التي تستجيب بشكل مشابه عند قياس الشهوة والحب. مع ذلك، عندما يتعلق الأمر بقياس الحب مقابل الشهوة، يتضاءل النشاط في مناطق المخطط البطني في الدماغ، وما تحت المهاد، واللوزة، والقشرة الحسية الجسدية، والفصيص الجداري السفلي.
إن هذه الانخفاضات تتماشى مع فكرة أن الرغبة الجنسية والشهوة حالة تحفيزية ذات هدف محدد ومتجسّد للغاية، في حين أن الحب هدف أكثر تجريداً ومرونةً وتعقيداً من الناحية السلوكية، وأقل اعتماداً على الوجود المادي للشخص الآخر.
تشير الدراسات إلى أن الحب يرتبط بتنشيط أكثر كثافةً للمناطق الغنية بـ«الدوبامين» في الدماغ؛ والتي تشارك بشكل عام في التحفيز، وتوقّع المكافأة، وتكوين العادات. يتماشى هذا مع الدراسات النفسية التي تعرف الحب على أنه تجربة مُجزية وإيجابية ومحفزة، كما يتم تنشيط أجزاء مختلفة من الدماغ من خلال مشاعر الحب بدلاً من الرغبة الجنسية؛ وهو ما يتماشى مع حقيقة أن الحب هو بناءٌ مجرد، يعتمد جزئياً على التمثيل العقلي للحظات العاطفية الماضية مع الآخر.
للتوضيح أكثر؛ يشير هذا النمط المحدد من التنشيط الدماغي إلى أن الحب يُبنى على دائرة عصبية للعواطف والمتعة، ويضيف مناطقَ مرتبطةً بتوقع المكافأة، وتكوين العادات، واكتشاف الميزات. لذا، فإن الطريقة التي يُظهر بها الدماغ الحب والشهوة، تشير إلى أن الحب ينمو ويمثل تمثيلاً أكثر تجريداً للتجارب الحسية الممتعة من تلك التي تميز الرغبة.
الحب من أول نظرة قد لا يكون موجوداً
للحفاظ على النبات على قيد الحياة، عليك أن تغذيه بالماء وأشعة الشمس، وأن تكون مرناً في العناية به في حالة ظهور مشكلات. يسلك الحب الطريق نفسه؛ فالحب من أول نظرة هو إلى حد كبير أسطورة، بالرغم من وجود العديد من القصص حول شخصٍ ما رأى شريكه الآخر لأول مرة، وعرف أنهما سيكونان رفقاء الروح، إلا أن «الإسقاط التخيلي» ذاك هو ظاهرة نفسية حقيقية.
تعدّ هذه نقطةً إضافيةً أساسيةً في فهم أن حالة الألم الجسدية التي نمر بها عندما لا تنجح العلاقة التي كانت لدينا آمال كبيرة فيها في النهاية، وعلى ما يبدو، فإن عادتنا؛ المتمثلة في إضفاء الطابع المثالي على الصفات البارزة في الشخص أو العلاقة ككل وتجميلها، يمكن أن تخلق أيضاً عقبات في الطريقة التي نفهم بها الحب مقابل الشهوة، أو ربما نسيء تفسيره على أقل تقدير.
عندما يتعلق الأمر بالحب، يمكن أن تكون ذاكرتنا ضبابيةً قليلاً، ومن السهل تجميل التجربة الكلية؛ إذ تُظهر بعض أبحاث الذاكرة أن ذاكرتنا الأولى لمقابلة شركائنا الرومانسيين قد تكون بمثابة إسقاط لمشاعرنا الحالية على ذكريات الماضي. لذا، عليك أن تسأل نفسك: هل يمكنك حقاً أن تحب شخصاً ما دون التحدث إليه أو التعرف عليه؟ وفقاً للأبحاث، ربما يكون الجواب لا.
الحب من النظرة الأولى وهمٌ إيجابيٌ يصنعه الشريكان
نعلم جميعاً أن ذكرياتنا يمكن أن تتأثر بالتأكيد بمرور الوقت، ولكن على ما يبدو، قد تتذكر أيضاً مقابلة شريك قديم بشكل مختلف قليلاً إذا كنت تريد أن تصدق أنك كنت تحبه تماماً كما كنت منذ اليوم الأول؛ إذ كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة جرونينجن الهولندية عام 2017، أن الحب من أول نظرة قد يكون في الواقع «وهماً إيجابياً»؛ مما يعني أنك وشريكك قد تعتقدان أنكما وقعتما في الحب على الفور بسبب ما يشعر به كلٌ منكما تجاه الآخر بعد شهور أو حتى سنوات أخرى.
وكشفت الدراسة أيضاً أن معظم الأشخاص الذين مروا بتجربة الحب من أول نظرة، انتهى بهم الأمر في علاقة طويلة الأمد مع ذلك الشخص؛ وهو ما دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن الحب من أول نظرة هو انحياز للذاكرة التي تجمّل لحظات التجربة، وليس نوعاً فريداً من الحب؛ كما يعتقد الكثير من الناس.
ومن الحقائق الممتعة الأخرى من هذه الدراسة، هي أنه يمكن للحديث عن أول لقاء لك مع شريكك، وكيف شعر كلاكما في ذلك الوقت، أن يجعلك في الواقع تشعر بمزيد من الارتباط والحب.
اقرأ أيضاً: الأوكسيتوسين هرمون الحب والقلق في آن واحد
يمكن أن يبدأ كل شيء بانجذابٍ لحظي
في دراسة نُشرت في دورية «ذا جورنال أوف نوروساينس»، اكتشف العلماء أنه يمكن للناس أن يقرروا على الفور تقريباً ما إذا كانوا يجدون شخصاً ما جذاباً أم لا، وأن ظاهرة الحب من النظرة الأولى لا يمكن أن تحدث بدون هذا الانجذاب الأولي؛ ففي غضون ثوانٍ -أو حتى أقل-، يعرف عقلك ما إذا كان مهتماً بمن ينظر إليه أم لا، ويمكن أن يكون هذا غالباً ما يؤدي إلى علاقة دائمة.
لذا، ما قد تعتقده حباً من النظرة الأولى، قد يكون في الواقع انجذاباً للوهلة الأولى، لكن لا تشعر بالسوء، فهذا مهم أيضاً. قد يكون هذا الانجذاب الفوري هو ما يساعدك على إدراك أنك تريد التعرف على شخصٍ أفضل، ومن يدري؟ قد يكون هذا هو الشخص الذي ينتهي بك الأمر إلى قضاء بقية حياتك معه، وتشير الدراسات وأبحاث تصوير الدماغ الحديثة، إلى أن الحب الشديد المفعم بالرومانسية يمكن أن يمتد في الواقع لعقود.
أعراض الحب، وهل يتشابه مع الإدمان؟
الحب يمكن أن يحفز نشاطاً في مناطق الدماغ على غرار الأدوية التي تسبب النشوة، لكن الحب يختلف تماماً عن إدمان المخدرات، لأنه يجنّد مناطقَ دماغيةً عالية المستوى؛ تشارك في وظائف معقدة؛ مثل العاطفة، والمكافأة، والسلوك الموجه نحو الهدف، واتخاذ القرار. لذا، فهو أحد أعمق أشكال المساعي البشرية من الناحية العصبية. على الرغم من أن الحب ينشط جزئياً بعض مناطق الدماغ التي يتم تنشيطها أيضاً أثناء إدمان المخدرات، إلا أن الحب أكثر من مجرد إدمان.
عندما تشعر بالانجذاب نحو شخص حَسن المظهر، فإن جسمك بالتأكيد لديه طريقة لإخبارك، وبالرغم من أن الأمر يبدو غير منطقي، لكن العثور على شخص جذاب ينشّط نفس استجابة الجسم للضغط؛ تتسارع ضربات قلبك، ويصبح فمك جافاً، وقد تبدأ في التعرق؛ كل ذلك بفضل الارتفاع السريع في مستويات الأدرينالين والكورتيزول، وبالإضافة إلى ذلك، إذا كان لديك انجذاب شديد لشخصٍ ما، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات الدوبامين لديك؛ والتي ستوقظ بشكل طبيعي رد فعل الرغبة والمكافأة في أجسامنا.
والدوبامين هو الناقل العصبي المسؤول عن إثارة رغبتنا واستجابتنا للمكافأة، وهو جزء من الدائرة العصبية التي تسمح لنا بالشعور بالسعادة. إذا كنت قد شعرت بالحب الشديد لدرجة أنك كنت تعجّ بالطاقة الإضافية والاهتمام المتزايد، فقد عانيت بالتأكيد من هذه الزيادة في الدوبامين. لذا، بينما تؤكد الأبحاث أن كلاً من الحب والمخدرات يثيران نوعاً معيناً من الانتشاء من الناحية الفيزيولوجية، فإن الظواهر مختلفة كثيراً.