لماذا نحتاج العناق في حياتنا؟

3 دقائق
لماذا نحتاج العناق في حياتنا
shutterstock.com/ VGstockstudio

لم تتمكن «روز غانيون»؛ البالغة من العمر 86 عاماً من عناق -احتضان- أحفادها لعدة أشهر، بسبب قيود التباعد الاجتماعي التي فرضتها جائحة فيروس كورونا؛ مما أثر سلباً على صحتها النفسية، فهي مثل الكثيرين؛ كانت تشعر بالوحدة وتتوق إلى التواصل العاطفي الذي فقدته بسبب عدم قدرتها على احتضان أحبائها.

إلى أن طورت حفيدة غانيون؛ «كارلي مارينارو»، حلاً مبتكراً على شكل «جهاز عناق». صممت مارينارو حاجزاً بلاستيكياً شفافاً مزوداً بملحقين للذراعين في إطارٍ مصنوع من أنابيب البولي فينيل كلوريد يسمح لها أن تعانق جدتها مع تقليل من خطر التعرّض لفيروس كورونا.

في الواقع؛ لقد افتقد الكثير من الأميركيين (والناس حول العالم) -مثل غانيون- دفء العناق وحميمية القبلات والشعور بالراحة عند مسك يد شخصٍ آخر. لقد افتقدنا جميعاً التواصل العاطفي بشدة فجأةً بعد أن نصحت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في مارس/ آذار عام 2020 بالابتعاد مترين على الأقل عن الآخرين.

بصفتي عالم اجتماع، فقد كنت أدرس التواصل العاطفي لأكثر من عقدين من الزمن. يتخذ الاتصال العاطفي أشكالًا عديدة، ولم تُقيد جميعها بسبب الجائحة، فحتى مع التباعد الاجتماعي، كان لا يزال بوسع الناس قول «أنا أحبك» مثلاً... يمكنهم أيضاً مشاركة الرسائل النصية الودية ومنشورات الوسائط الاجتماعية، وحتى رؤية وجوه وسماع أصوات بعضهم البعض بفضل منصات التواصل مثل زووم وسكايب. ومع ذلك، فإن التجربة الوحيدة التي لم يكن من الممكن تسهيلها هي العناق (التلامس)؛ إذ لا يمكن للناس معانقة أحفادهم أو تقبيل أصدقائهم أو إمساك يد أحد الأحباء المحتضرين عبر منصات التواصل.

يُدعى ما عانى منه الناس أثناء الجائحة «جوع اللمس»؛ وهو مصطلحٌ عاميّ لما يسميه علماء الاجتماع «الحرمان العاطفي»، وهي حالةٌ يحتاج فيها الفرد إلى مزيد من التواصل العاطفي أكثر مما يتلقونه في الواقع؛ ولكن ما سبب أهمية ذلك؟

جوع اللمس (الحرمان العاطفي) يضعف رفاهية الفرد

Couple, Hug, Romantic, Romance, Embrace, Hugging

على غرار الجوع العادي؛ ينبهنا جوع اللمس (الحرمان العاطفي) بأننا نفتقد شيئاً مهماً (في هذه الحالة؛ الشعور بالأمان والحميمية والرعاية التي يوفرها التواصل باللمس). مع بدء الناس بالالتزام بالتباعد الاجتماعي، اكتشف الكثير الشعور بالحرمان الذي يمكن أن ينتج عن نقص التواصل العاطفي باللمس.

التلامس العاطفي ضروري لرفاهيتنا طوال حياتنا. لقد أثبتت عالمة النفس «روث فيلدمان» أن اللمس مفيد للنمو البدني والمعرفي الصحي بدءاً من مرحلة الطفولة، كما تحسن اللمسة المحبة خلال مرحلة البلوغ الصحة النفسية وقدرة الجسم على التعامل مع التوتر وتقليل الالتهاب.

كما يعزز التلامس العاطفي هدوء واستجابة كبار السن الذين يعانون من الخرف، وتشير عالمتا النفس «بريتاني جاكوبيك» و«بروك فيني»، إلى أن للمس تأثيرٌ قوي بالفعل، ويمكن لمجرّد التفكير به وتخيله أن يقلل من التوتر والألم.

لذلك عندما يشعر الناس بأنهم محرومون من اللمس، فمن المنطقي أن يتأثر رفاههم. وحتى في الأوقات العادية، يرتبط جوع اللمس بزيادة التوتر والقلق والشعور بالوحدة وانخفاض جودة النوم وتقليل الرضا وضعف علاقة الحب بين الشريكين. ومع القيود التي فرضتها الجائحة، يصبح من الواضح سبب معاناة الكثير من الناس منه. في الواقع؛ لقد أظهرت الأبحاث أن فوائد التفاعل العاطفي -بما في ذلك اللمس- تتعاظم أثناء الشدائد.

أظهرت عالمة النفس الحيوي «كارين جريوين» وزملاؤها أن معانقة الشريك تقلل من ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب في المواقف العصيبة، بينما وجد عالم النفس «شيلدون كوهين» وزملاؤه أن المعانقة تحمي الجسم من الإجهاد الناتج عن ضغوط التعرض للفيروس.

الاستجابة لقلة التلامس العاطفي

بالطبع لا يحتاج الجميع إلى نفس القدر من التلامس العاطفي، فهي مثل العديد من الخصائص الأخرى؛ »؛ حيث يضايقهم اللمس إلى حدٍ كبير ويفضلون تجنبه.

قد يجد بعض من يعاني من حالاتٍ معينة؛ مثل التهاب المفاصل الروماتيدي، أو حالات الصحة العقلية مثل اضطراب طيف التوحد، قد يجدون أن اللمس غير مريح، وقد يكون ذلك حال من تعرّض لصدمةٍ نفسية أو تعرض لاعتداء جنسي أيضاً.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه ليست كل أشكال اللمس مفيدة بنفس القدر. قد تكون بعض اللمسات الروتينية -مثل المصافحة- صحيةً إلى حدٍ كبير، في حين قد يؤدي اللمس العدواني أو الذي يهدف للإساءة إلى أضرارٍ صحية طويلة المدى غالباً.

ومع ذلك؛ تشير الأبحاث إلى أن هناك بدائل أخرى يمكن أن يلجأ إليها من يفتقد اللمس. على سبيل المثال: يمكن أن تكون مشاركة المودة مع حيوانٍ أليف فوائد في تخفيف التوتر. كما أن للتدليك الذاتي؛ مثل فرك اليدين أو الرقبة، تأثير مهدئ ومخفف للألم، وحتى معانقة الوسادة يمكن أن تخفف من الشعور بالتوتر. ما ذكرناه للتو بدائل غير مثالية بالطبع، ولكن إلى أن تنتهي جائحة كورونا، قد تكون مفيدةً لمن يعانون من الجوع إلى اللمس.

المحتوى محمي