ينصح الخبراء في أيامنا هذه بالنوم لمدة تتراوح بين 7 إلى 9 ساعات متواصلة ليلاً، لكن هل تساءلت يوماً إن كانت هذه طبيعة البشر؟
توصلت الأبحاث مؤخراً إلى استنتاج مفاده أن النوم ليلاً على مرحلتين هو ما يعكس طبيعة البشر. يتخلل هاتين المرحلتين استيقاظٌ يتراوح بين ساعة إلى 3 ساعات.
البشر ينامون على مرحلتين
وصف المؤرخ «روجر إكيرش» في كتابه At Day's Close: Night in Times Past، كيف كان أفراد العائلة ينامون بعد ساعتين تقريباً من الغسق، ويستيقظون بعد ساعات لمدة ساعة إلى 3 ساعات بشكل طبيعي دون منبهات، ثم ينامون ثانية حتى الفجر.
وقد اكتشف ذلك من الروايات الأدبية، والنصوص الطبية، وسجلات المحكمة واليوميات، التي كتبها البشر قبل الثورة الصناعية في أوروبا، ووجد أيضاً أن أفراد القبائل في إفريقيا وفي أميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وأستراليا والشرق الأوسط كانوا يفعلون الأمر ذاته، وكانوا يطلقون تسميتي النوم الأول والنوم الثاني على هاتين المرحلتين. لم يكن هناك وقت محدد للنوم أو الاستيقاظ، بل كان ذلك يتوقف على وجود أعمال أو أشياء يجب القيام بها.
باعتقاد كيرش، يُحتمل أن تكون طريقة النوم هذه هي التي كانت سائدة منذ آلاف السنين، منذ عصور ما قبل التاريخ. وعثر على أول توثيق لهذا النوم في الملحمة اليونانية «الأوديسة»، العائدة للقرن الثامن قبل الميلاد.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج الأدمغة إلى النوم؟
ماذا كانوا يفعلون في فترة الاستيقاظ؟
على ضوء القمر أو مصابيح الزيت، كان البشر ينخرطون في أنشطة مثل الخياطة أو تقطيع الخشب أو القراءة أو التواصل الاجتماعي والتحدث مع الأصدقاء، أو حتى الراحة دون فعل شيء يذكر، بينما يستغلها البعض في التأمل أو في التخطيط لتحقيق أحلامهم، وكان الأزواج يجدونها وقتاً مثالياً لممارسة الجنس بعد الراحة من تعب النهار. أما بالنسبة للمتعبّدين فكانت هذه المدة فرصةً للعبادة والصلاة.
اقرأ أيضاً: تعرف على قيلولة أديسون التي تساعدك على الإبداع
هل اختفت هذه العادة كليّاً؟
بدأت تختفي عادة النوم الأول والثاني هذه أواخر القرن السابع عشر، ويعتقد إكيرش أن هذا قد بدأ في الطبقات العليا في شمال أوروبا وانتقل إلى بقية المجتمع الغربي على مدار الـ 200 عام التالية. وذلك بعد اختراع المصابيح الكهربائية، التي سمحت بشكل طبيعي للناس بالبقاء مستيقظين لوقت متأخر.
تزامن اختفاء هذه العادة مع ظهور الأرق وعدم القدرة على النوم في أواخر القرن التاسع عشر، ما يدل على أن المجتمع الحديث فرض ضغوطاً غير ضرورية على الأفراد، تلزمهم بالنوم المستمر ليلاً كل يوم.
مازالت مجتمعاتنا تحتفظ بشكل أو بآخر بعادة النوم لمرتين، حتى لو لم تكونا في الليل، إذ تشيع الآن لدى البعض عادة النوم مرتين في اليوم، مرة متواصلة ليلاً، والأخرى في فترة ما بعد الظهيرة فيما يعرف بالقيلولة.
مع ذلك، لا يستطيع الجميع أخذ قيلولة بعد الظهيرة، بسبب طبيعة عملهم، وساعاته الطويلة، بل يتوجب عليهم الالتزام بموعد محدد للنوم مساءً، والاستيقاظ صباحاً، في مواعيد محددة يومياً، وبات يُعتقد أن النوم المستمر لمدة 7 إلى 9 ساعات هو النوم الأمثل لصحة الجسم، على الرغم من أن جدول النوم هذا لا يتزامن مع دورة الضوء والظلام الطبيعية على مدار اليوم.
اقرأ أيضاً: 5 أسباب تمنعك عن النوم وتجعلك ضحية الأرق
هل تقسيم النوم لفترتين طبيعة بشرية؟
للإجابة عن هذا السؤال أجرى الطبيب النفسي «توماس وير»، في أوائل التسعينيات، تجربة شارك فيها 15 رجلاً، تُركوا في الظلام لمدة 14 ساعة يومياً بدلاً من 8 ساعات لمدة شهر. أطفأ عليهم الأنوار الصناعية، في غرفة دون نوافذ، ومغطاة باللون الأسود بالكامل، ولم يُسمح لهم بتشغيل الموسيقى أو ممارسة الرياضة، وتم دفعهم نحو الراحة والنوم بدلاً من ذلك.
في البداية، نام هؤلاء الرجال في وقت متأخر من المساء حتى الصباح، لكن مع حلول الأسبوع الرابع، ظهرت المفاجأة، فقد أصبح نومهم مقسّماً لمرحلتين، وأصبحوا ينامون 4 ساعات، ثم يستيقظون لمدة ساعة إلى 3 ساعات قبل أن يناموا ثانية لمدة 4 ساعات. تشير هذه النتيجة إلى أن النوم ثنائي الطور هو عملية طبيعية.
للتأكيد، أجرى الباحث «ديفيد سامسون» تجربة أخرى عام 2015، على متطوعين محليين من مجتمع «مانادينا» الذي يعيش أفراده في قرية كبيرة نائية شمال شرق جزيرة مدغشقر لا يوجد فيها كهرباء، لذا فهم يمضون الليالي كما فعل البشر لآلاف السنين.
طُلب من المشاركين، ومعظمهم من المزارعين، ارتداء جهاز متطور لاستشعار النشاط يُستخدم لتتبع دورات النوم، لمدة 10 أيام، بهدف تتبع أنماط نومهم. ووجد سامسون أنه توجد فترة من النشاط بعد منتصف الليل مباشرة حتى الساعة الواحدة والواحدة والنصف صباحاً، ثم يعودون إلى النوم حتى تشرق الشمس في الساعة الـ 6 صباحاً.
اقرأ أيضاً: كيف تحصل على نوم عميق صحي؟
لماذا يجب عليك تقسيم نومك إلى مرحلتين؟
يعود تقسيم النوم على مرحلتين بفوائد عديدة، إذ يصبح اليوم منظماً بين ساعات العمل والعائلة والراحة، مع الحفاظ على النشاط والإبداع واليقظة على مدار اليوم. بدلاً من قضاء فترة استيقاظ طويلة، يتعاظم فيها النعاس على مدار اليوم وتضعف الإنتاجية.
بالإضافة إلى ذلك، تمنحك القيلولة فوائد مهمة للذاكرة والتعلم، وتزيد اليقظة وتحسن حالات المزاج، كما تساعد على التخلص من اضطرابات النوم مثل الأرق. لكن لا توجد دراسات حتى الآن، تجزم بوجود فوائد صحية لها، أو بتقليلها مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
للتمتع بفوائد نظام النوم هذا، يمكن تقسيم نومك إلى مرحلتين، حيث تنام عندما تشعر بالتعب والحاجة إلى الراحة، كي تتمكن من النوم بسرعة وبعمق، ثم تستيقظ لمدة ساعة حتى 3 ساعات، يمكن أن تقضيها فيما تحب، لتعاود النوم بعد ذلك، وتستيقظ صباحاً. المهم في الأمر هو الحفاظ على عدد ساعات النوم المطلوبة (من 7 حتى 9 ساعات) في اليوم.
اقرأ أيضاً: 4 اعتقادات خاطئة عن النوم
يمكن للجميع تنظيم نومهم بهذه الطريقة إذا أرادوا الحصول على نتائج إيجابية، لكن المستفيد الأكبر هم أولئك الذين يعملون بنظام الورديات، أو أن عملهم في الليل، لمدة 8 إلى 12 ساعة متواصلة، فهم غالباً ما يُحرمون من الحصول على ساعات نوم كافية، ويختل توازن يومهم، بسبب عملهم في الوقت الذي يكونون نائمين فيه عادة. ويشكون أيضاً من التعب وتنخفض انتاجيتهم في العمل، ويتعرضون لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السمنة ومرض السكري وأمراض القلب.
وجد كثيرون الحل لهذه المشكلة في تقسيم الوقت بين نوبات عمل قصيرة متعددة، وأخرى للنوم، بحيث تصبح ساعات النوم أقصر، ولكنها أكثر تواتراً، ما يقلل ساعات الاستيقاظ الطويلة المرهقة. باتباع هذه الطريقة، يحصل جميع العمال في النوبات الليلية على فرصة للنوم ليلاً.
ماذا عنك أنت؟ هل ترغب في العودة إلى طبيعة البشر بالنوم على مرحلتين؟ أم تفضل النوم المتواصل؟