هل تتجاذب الأضداد حقاً؟ حسناً، في الفيزياء، نعم؛ لكن الأمر مختلفٌ قليلاً عندما يتعلق الأمر بانجذاب البشر لبعضهم البعض؛ إذ تُظهر الأبحاث أننا نميل إلى الانجذاب بشكلٍ أكبر إلى من يشبهوننا ويشبهون آباءنا، وقد يكون الكثير منا في إنكارٍ لهذه الحقيقة، وبالرغم من موضوع «تجاذب الأضداد» برمّته؛ إلا أن العلم أثبت عدة مراتٍ أننا نريد فقط أن نحصل على الأشخاص الذين نرى فيهم انعكاسَ أنفسنا -على الرغم من أن الأمر ينتهي بنا جميعاً إلى أن نصبح مثل شريكنا على أية حال-. فيما يلي تفسيرات العلم لرغبتنا في أن نكون مع الأشخاص الذين يذكّروننا يمن نحبّهم أكثر من أي شيء؛ أنفسنا.
العديد من الأبحاث.. والانجذاب للأشباه لا يتغير
وفقاً لدراسة نُشرت عام 2010 في دورية «بيرسوناليتي أند سوشال سايكولوجي بوليتن»؛ لا ينجذب الناس فقط إلى الأشخاص الذين يشبهون آباءهم فحسب؛ ولكن أيضاً الأشخاص الذين يشبهونهم. أظهر الباحثون للمشاركين صورةً لشخصٍ غريب يتم دمجها لاحقاً مع صورة شخص غريب آخر أو صورة لأنفسهم. عندما طُلب من المشاركين تقييم هؤلاء الأشخاص من حيث الجاذبية، كان من المرجح أن يختاروا الأفراد الذين تم دمج صورهم مع أنفسهم.
بالنسبة لدراسةٍ أخرى نُشرت عام 2013 في دورية «بلوس ون»؛ عُرض على الأشخاص صور لوجه شريكهم تم تغييرها لتشمل بعض الميزات إما من وجه شخص غريب عشوائياً، أو من وجه المشارك نفسه. وبشكلٍ عام؛ قام كل من الذكور والإناث بتقييم الشخص المركب الذي يتضمن بعض ميزاتهم الخاصة على أنه الأكثر جاذبيةً.
ليس هذا وحسب؛ إذ اكتشفت الإحصائية «إيما بيرسون»؛ التي درست مليون مطابقة تم إجراؤها بواسطة خوارزمية موقع المواعدة الشهير «eHarmony»، أن الناس يهتمون بشكلٍ كبير بالأشخاص الذين يشبهونهم. بناءً على دراسات بيرسون، تفضل النساء على وجه الخصوص الرجال الذين لا يشبهونهنّ جسدياً فقط -من حيث سمات مثل الطول والجاذبية المتصورة-؛ ولكن أيضاً المشابهين بطرقٍ أخرى؛ مثل الإبداع.
كانت بيرسون؛ التي تعمل في شركة الجينات «23andme»، مطّلعةً على المزيد من الأبحاث حول هذه الفكرة. وباستخدام مزيج من الحمض النووي من عينات لعاب الأزواج وآلاف من أسئلة الاستطلاع، تمكنت بيرسون وزميلها من التعمق في معرفة ما إذا كان الأشخاص المتشابهون غالباً ما يتزاوجون أم لا.
وما وجدوه -مرةً أخرى- هو أن الأضداد لا تجتذب؛ بل على العكس تماماً؛ كان الأزواج المرتبطون يتشاركون بنسبةٍ هائلة بلغت 97% من السمات التي فحصوها، وتضمنت هذه السمات كل شيء من العمر إلى الالتزام بالمواعيد والاهتمامات الشخصية.
قد يكون الانجذاب مبنيّاً على نظرتنا للناس من حولنا
في دراسةٍ أجرتها مؤسسات بحثية مختلفة في ألمانيا، درس الباحثون كيفية عمل الانجذاب في الدماغ من خلال دراسة كيفية استجابة 19 رجلاً و 21 امرأة لمقاطع فيديو لنساء يُظهرن تعابير وجه تُظهر إما الخوف أو الحزن، ثم طُلب من المشاركين في الدراسة تحديد المشاعر التي تشعر بها النساء في الفيديو بناءً على تعبيرات وجوههن.
من هناك، سُئل المتطوعون عما إذا كانوا يريدون مقابلة هؤلاء النساء في الحياة الواقعية، وإذا كان الأمر كذلك، فإلى أية درجةٍ يرغبون في مقابلتهن في الحياة الواقعية. ما وجده الباحثون هو أن مستوى الانجذاب إلى النساء في الفيديو كان متوافقاً مع مدى اعتقاد المشاركين في الدراسة أنهم تمكنوا من تحديد المشاعر التي كانت النساء في الفيديو تشعر بها بدقة. بمعنىً آخر؛ استند الانجذاب إلى مدى ثقة المشاركين في فهم النساء في الفيديو، وهو فهمٌ خاص بالمشارك، وقد لا تكون له علاقةٌ فعلية بالمرأة في الفيديو.
ينجذب الناس إلى أولئك الذين يشاركونهم نوع شخصيتهم
وفقاً لدراسة أجراها باحثون في كلية ويليسلي في ماساتشوستس وجامعة كانساس الأميركيتين؛ عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الرومانسية والصداقات، ينجذب الناس إلى أولئك الذين لديهم شخصيات متشابهة جداً. كما وجدت الدراسة نفسها التي أُجريت على 1523 زوجاً، أنه عندما طُلب منهم ملء استبيان يتعلق بسماتهم الشخصية، كان معدل التشابه بين الأزواج 86%.
وجد الباحثون أيضاً أن أولئك الذين هم على نفس الضفة من النهر حول كل شيء تقريباً، كان لديهم معدل نجاحٍ أعلى في العلاقة، وبما أنه من البديهيات عندما يتعلق الأمر بالحب أنك تريد أن تجد شخصاً يشاركك خصائصك الجنونية، فالأمر ليس مفاجئاً كثيراً؛ أنت بحاجة إلى شخص يضحك على نكاتك السيئة، ولديه مجموعة من النكات السيئة الخاصة به كذلك.
اقرأ أيضاً: كيف يكون الحب وسيلة التغلب على الظروف الصعبة؟
يعتمد الانجذاب لأشخاص مثلنا على إدراك أن الناس لا يتغيرون
وجدت الدراسة نفسها أيضاً أن معظمنا -حتى لو لم ندرك ذلك- يعلم أن معظم الناس غير قادرين على التغيير، ولهذا السبب نختار أولئك الذين يتوافقون مع ما نحتاجه الآن وسنحتاجه في المستقبل.
كما قالت مؤلفة الدراسة؛ الدكتورة «أنجيلا باهنس»، لصحيفة «ميديكال ديلي»، فإن إدراك أن الناس نادراً ما يكونون قادرين على التغيير، وأن عدم التغيير يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في المستقبل، فالرهان الآمن هو اختيار الشخص الذي يشبهك كثيراً منذ البداية، لأنك تعرف مسبقاً ما أنت عليه. وكررت باهنس التأكيد على أن مفهوم «تجاذب الأضداد» في العلاقات هو أمرٌ خاطئ، بسبب التفسير السابق ذاته.
نحن ننجذب لأولئك الذين لديهم حمض نووي مماثل لحمضنا النووي
وجدت دراسة أجرتها جامعة كولورادو الأميركية أنه عندما نبحث عن شريك طويل الأمد، فإننا نختار أولئك الذين لديهم حمض نووي مشابه جداً لحمضنا النووي؛ وهذا ما يسمى بـ«التزاوج الجيني الحازم». ووفقاً للدراسة؛ عند اختيار أزواج عشوائيين من الشارع وإخضاعهم لفحص الحمض النووي، كان لكلا الزوجين حمض نووي مشابه جداً في أغلب الأحيان، فنحن كبشر يمكننا تقريباً شمّ هذا الحمض النووي، وينتهي بنا الأمر مع شخص مثلنا تماماً.
اقرأ أيضاً: الأوكسيتوسين: هرمون الحب والقلق في آنٍ واحد
نحن نميل إلى الانجذاب نحو أولئك الذين يشاركوننا مستوى تعليمنا
وجدت الدراسة نفسها التي سلف ذكرها، أننا لا نختار فقط أولئك الذين لديهم نفس الحمض النووي وسمات الشخصية؛ ولكننا أيضاً ننجذب إلى أولئك الذين يشاركوننا مستوى تعليمنا؛ وهو ما عُرف باسم «التزاوج التربوي الحازم».
على الرغم من أن «التزاوج الجيني الحازم» أكثر شيوعاً؛ إلا أن أولئك الذين ينجذبون إلى الأشخاص الذين يتساوون معهم في التعليم لا يزالون شائعين بالتأكيد؛ وهذا أمرٌ قد يكون مؤسفاً في بعض الأحيان، ففقط لأن شخصاً ما لم يذهب إلى الكلية وأنت حاصل على درجة الدكتوراه، هذا لا يعني أن الحب لا يمكن أن يزدهر بينكما.
في النهاية؛ ليس من المستغرَب أن يبحث الناس عن شركاء يتشاركون سمات معينةً، لأن وجود بعض الأرضية المشتركة على الأقل يلعب دوراً كبيراً في توافقك؛ وذلك ينطبق على السمات الجسدية أيضاً. وهذه الظاهرة شائعة جداً بين العديد من الأنواع؛ بما في ذلك الأسماك والطيور والثدييات الأخرى، واسمها العلمي هو «البصمة الجنسية الإيجابية».
في الأساس؛ يتم "تعلّم" التفضيلات في سن مبكرة جداً؛ حيث يكون الوالدان كنماذج بالنسبة للطفل لما يجب البحث عنه في شريك الحياة. لذلك في حين قد يبدو أننا نتزاوج مع أشخاص يشبهوننا؛ يبدو أننا في الواقع قد ننجذب لا شعورياً إلى الأشخاص الذين يشبهون آباءنا -الذين نشبههم أيضاً، بفضل الحمض النووي-؛ إذ كشفت أبحاث إضافية أن الناس قد ينجذبون إلى شركاء محتملين يأتون من أصلٍ مماثل، وبالنظر إلى أن السلالة تُعلم العديد من السمات الجسدية، فقد يفسر ذلك ظاهرة الزوجين المتشابهين.