إذا طلب منك أحد ما أن تقرأ هذه المقالة بلهجة فرنسية أو إيطالية، على الأرجح أنك ستفهم ذلك وتتمكن من قراءتها بهذه الطريقة، حتى ولو لم تكن اللهجة التي ستتكلم بها دقيقة تماماً (على افتراض أنك لست فرنسياً أو إيطالياً). قد تتمكن من التكلّم بإحدى هاتين اللهجتين بشكل تلقائي إذا كنت تكرر مقطعا من فيلم «العرّاب».
للوهلة الأولى، نحن نستمتع باختلاف اللهجات من حولنا. ببساطة، تعكس الطريقة التي نتكلم فيها ألحان اللغة التي تعلّمناها في البيئة التي نشأنا فيها، ولكن ليس من المفترض أن يكون لذلك أية تبعات اجتماعية. لكن في الواقع، ينسب الأشخاص قيماً للهجات المختلفة ويمارسون التمييز ضد الأشخاص الذين لا يتكلّمون بنفس لهجتهم.
على الرغم من أن بعض اللهجات، مثل الفرنسية، تبدو وكأنها جميلة، تبين الأبحاث التي أجريت على المتكلمين باللغة الإنجليزية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن اللهجات الأجنبية غالباً ما يُنظر إليها بشكل سلبي.
مثلاً، يقيم الأشخاص مندوبي المبيعات على أنهم أقل دراية وإقناعاً إذا كانوا يتكلمون بلهجة مختلفة، وتبين بعض الأبحاث أنه من المرجح ألا ينصح الأشخاص بتوظيف أو ترقية الآخرين إذا كانوا يتكلمون بلهجة أجنبية.
ما يثير الاهتمام هو أن التمييز غالباً ما يبدو مستقلاً عما إذا كانت لهجة المتحدث محببة أم لا. على سبيل المثال، كان الأشخاص أكثر اهتماماً بالحصول على قسيمة لمقهى إذا استمعوا إلى رسالة من متحدث يتكلم بلهجة محلية بدلاً من شخص يتحدث بلكنة أجنبية، بغض النظر عما إذا كانت اللهجة الأجنبية فرنسية (وهي لهجة غالباً ما تعتبر محببة)، أو صينية.
يبدو أن جزءاً من التحيز ينشأ من حقيقة أن اللهجة الأجنبية تبين أن المتحدث هو عضو خارجي، أي، شخص ليس جزءاً من الدائرة المعتادة، إذ يميل الأشخاص إلى تفضيل الأعضاء الذين ينتمون لجماعتهم. يبدأ هذا السلوك منذ الطفولة، ربما لأنه يساعد على معرفة ما إذا كان شخص ما مألوفاً وينتمي إلى «مجموعتنا الاجتماعية» أم لا.
لا يقتصر الأمر على التحيّز حول اختلاف اللهجات
أظهرنا في دراستنا الأخيرة أن الأشخاص قد يميزون ضد الذين يتكلمون بلغة غير لغتهم الأصلية حتى لو لم يكونوا متحيّزين. هذا لأنه قد يكون من الصعب فهم الكلام بلكنة أجنبية، والذي يتم نطقه بشكل مختلف عن الأعراف المحلية، ويشمل ذلك اللهجات التي لا ننظر لها بشكل سلبي على الإطلاق. يميل الناس إلى عدم تصديق المعلومات إذا كان من الصعب معالجتها.
عندما قدمنا للمشاركين في الدراسة تسجيلات تحتوي على معلومات بسيطة مثل «تتقلص الشمس بمقدار 1.5 متر كل ساعة»، صنف المشاركون نفس العبارات على أنها صحيحة على الأرجح عندما قالها متحدث يتكلم بلهجة محلية مقارنة بمتحدث يتكلم بلكنة بولندية.
إذا كان جزء على الأقل من التحيّز ناتجاً عن صعوبة فهم الكلام بلكنة أجنبية، فإن تسهيل فهم المشاركين لللهجة يجب أن يزيد من ميلهم إلى تصديق المتحدثين الذين يتكلمون بلهجة أجنبية. نعلم من الأبحاث السابقة أن التعامل المتكرر مع لهجة معينة يجعل من السهل فهمها. لذلك، عرّضنا نصف المشاركين لدينا لقصص قرأها متحدثون بلكنة بولندية قبل أن يخضعوا لاختبار التسجيلات السابق. استمع النصف الآخر إلى نفس القصص التي قرأها متحدثون يتكلمون بلهجة محلية.
أولاً، تحققنا ما إذا كان سماع المتحدثين بلكنة بولندية قد أدى إلى تحسين فهم المشاركين للكلام. أظهر اختبار فهم اللهجة أن الفهم تحسن بالفعل.
أحد المكتشفات المهمة التي نتجت عن بحثنا هو أن التعامل مع الكلام المنطوق بلهجة بولندية يخفف أيضاً من الانحياز ضد المتحدثين بلهجة أجنبية.
في حين أن المشاركين الذين سمعوا في البداية كلاماً بلكنة بولندية صنفوا العبارات البسيطة على أنها أصح غالباً عندما قرأها متحدثون بلغة محلية مقارنة بعندما قرأها متحدثون بلكنة بولندية، إلا أن الاختلافات كانت أقل. وجدنا أيضاً أن المشاركين الذين أدوا بشكل أفضل في اختبار فهم اللهجة كانوا أكثر ميلاً إلى تصديق العبارات التي قرأها المتحدثون بلكنة بولندية.
اقرأ أيضاً: اللغات المحلية: كنز لا يقدّر بثمن مهدد بالاندثار
دعنا نحتفي باللهجات
تبين دراستنا أن مجرد زيادة التعرض للكلام بلكنة أجنبية يمكن أن يقلل الانحياز والصعوبات في فهم اللهجة،. لذلك يمكننا المساعدة في مواجهة أي تمييز غير واعٍ مبني على اللهجة من خلال خلق بيئات أكثر تنوعاً حيث يتفاعل الناطقون بلغات محلية وغير محلية بانتظام. يمكن أن يساعد التواصل بين الناطقين بلهجات محلية وأجنبية أيضاً في تقليل التحيز.
في الوقت نفسه، هناك حاجة إلى إحداث تغيير ثقافي. بالإضافة إلى تعزيز التنوع، يجب علينا جميعاً، كخطوة أولى، أن ندرك حقيقة أن لكل منا لهجته الخاصة، وأن هذا يعتمد ببساطة على أصوات البيئة اللغوية التي نشأنا فيها. لا تعكس اللكنات الذكاء، ولا ترتبط بإتقان اللغة. في الواقع، يمكن للمتحدثين بلغة غير محلية أن يكونوا طليقين للغاية في اللغة حتى عند التكلم بلهجتهم الخاصة.
«شيري- ليف آري» هي محاضِرة في علم النفس في جامعة رويال هولواي في لندن. نُشرت هذه المقالة على موقع «ذا كونفيرسيشن».